رؤية

النزعة الاستهلاكية تحصد مدخراتنا

نجيب الشامسي

بقدر ما تشهده الإمارات من سعي نحو تحسين دخول الأفراد من خلال الزيادات المتكررة في الرواتب والأجور، إذ سجل النمو في الدخل السنوي نسبة 5.8٪، فإن النزعة الاستهلاكية التي يتسم بها مجتمع الإمارات، ثم الزيادات المتكررة في أسعار السلع والخدمات، تحصد محاولات الشريحة الكبرى من أفراد المجتمع في الادخار، وبالتالي الاستثمار الخاص.

فقد تحسدنا دول وشعوب في دول قريبة منا أو بعيدة، على الدخول المتحصلة من الرواتب والأجور، لكن تلك الدول والشعوب غير مدركة حقيقة الأسعار الملتهبة، ومعدلات التضخم التي تشهدها أسواقنا واقتصادنا الوطني، والتي تمتص أي زيادات تطرأ على الرواتب والأجور، لاسيما بعد أن أصبحت تلك الزيادات في الرواتب مسكّنات مؤقتة، سرعان ما تؤكد حقيقة الوضع المعيشي الصعب الذي تعيشه شرائح المجتمع.

ومن أسباب امتصاص رواتب وأجور، وبالتالي مدخرات الأفراد، النزعة الاستهلاكية التي يتسم بها مجتمع الإمارات، فقد سجل حجم الإنفاق الاستهلاكي للفرد في الدولة نحو 23.8 ألف دولار (87.4 ألف درهم) خلال عام ،2009 لتتصدر الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حجم الإنفاق، ما يعني تآكل مدخرات الأفراد، وبالتالي استثماراتهم الخاصة.

ويقع أفراد المجتمع تحت تأثير واضح وقوي للإعلان، ورغبة التقليد والظروف النفسية، وعدم الاستقرار الاجتماعي الذي يشهده المجتمع، ويعاني منه الأفراد، فالسوق الإماراتية من أكثر أسواق الشرق الأوسط إنفاقاً على الإعلان، بهدف اصطياد المستهلكين من أفراد المجتمع، لإنفاق رواتبهم وأجورهم والجزء المتحصل من دخول سابقة، كمدخرات، على سلع كمالية وترفيهية، خصوصاً أن أسواقنا المحلية مفتوحة بشكل كبير، أمام السلع والبضائع المستوردة من شرق العالم وغربه ومن شماله وجنوبه. وهناك تنوع كبير وكثير في تلك السلع، وكذلك في الخدمات التي تتأثر بالجزء الأكبر من رواتب العاملين وأجورهم، كما أن هناك رغبة قوية لدى مختلف شرائح المجتمع نحو التقليد والمحاكاة، حتى لو جاء ثمن ذلك على حساب ما تكوّن لديهم من مدخرات وحصد رواتبهم وأجورهم، وفي ظل غياب وعي استهلاكي لدى أفراد المجتمع، فإنهم أضحوا صيداً سهلاً لشركات الإعلانات والتسويق.

إن الإنفاق الاستهلاكي يشكل أهمية كبرى في تحريك وتفعيل اقتصادات الدول الصناعية، حينما يصبح هذا الإنفاق عاملاً مهماً في إنعاش الاقتصاد، وتحريك آلة الإنتاج والتصنيع الوطني، ولكن في حال أسواقنا واقتصادنا الوطني، فإن الإنفاق المتزايد والمتفاقم لا يخدم اقتصادنا الوطني بقدر ما يخدم اقتصادات الدول المصدرة لنا في ظل الاعتماد الكلي على السلع والمنتجات الأجنبية!

من ناحية أخرى، فإن تزايد تآكل مدخرات الأفراد، وبالتالي تراجع الاستثمار الخاص، يؤثر سلباً في أوضاعنا الاقتصادية، كما أن تزايد اعتماد الأفراد، لاسيما المواطنين منهم على القروض الشخصية، لتغطيه فروق الأسعار، أو لشراء سلع كمالية وخدمات ترفيهية سيفاقم أوضاع الأفراد، وينعكس سلباً على أوضاعنا الاقتصادية والاستثمارية، لاسيما أن نسبة الإنفاق الاستهلاكي بلغت 73٪ من دخل الأفراد.

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر