أبواب

المعادلة الصعبة

قيس الزبيدي

الممتع في تجربة كتابة أعمدة الرأي في «الإمارات اليوم»، أن بعض قرائها ينبرون حالاً للتعبير عن آرائهم في ما يقرؤون. ويبدو أمامنا من ذلك، أن طريقة الكاتب تختلف، بفعل الكتابة، عن طريقة غيره من الكتّاب، وأن طريقة القارئ، تختلف بفعل القراءة، عن طريقة غيره من القرّاء، وهذا الاختلاف بين من يكتب ومن يقرأ يعيدنا إلى التذكير بنظرية الاستقبال، التي توازي في أهميتها نظرية الاتصال.

يكتب الدكتور فؤاد المرعي في«بحوث نظرية في الأدب والفن» ــ صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ــ تميل الدراسات الحديثة إلى تفتيت ظاهرة الأدب في منظومتين، منظومة «المبدع ــ النص» ومنظومة «النص ــ المتلقي»، غير أنه يعتقد أنها منظومة ديناميكية واحدة لها حدود ثلاثة، يحددها في المبدع والنص والمتلقي، فهناك من يكتب نصاً، ليُعبّر عما يدور في داخله ويشغله، ولا يهمه من يقرأ نصه، وبهذا الصدد كتب فلوبير «الكاتب يكتب لنفسه قبل كل شيء، وهي الطريقة الوحيدة التي تمكنه من الكتابة الجيدة». وهناك من يكتب، وهو يتصور قارئاً يقرأ نصّه، لأن كاتباً معزولاً ووحيداً في جزيرة، كـ«روبنسون كروزو»، لن يكتب أصلاً؛ لأن ليس هناك من يقرأ على سطح جزيرته.

يكتب امبرتو ايكو في «القارئ في الحكاية» عن القارئ النموذجي، وليس عن «المتلقي ــ النص»؛ لأنه يجد أن النص المُغلق، ينفتح من قبل قارئه النموذجي، أو بمعنى آخر، أن ليس للنص، حسب فاليري، «من معنى حقيقي»، لأن معانيه تأتيه من تأويلات قراءته اللا متناهية. كما أن مفهوم التأويل، يتلازم على الدوام مع الجدل بين استراتيجية المؤلف النموذجي واستجابة القارئ النموذجي، لأنهما يشكلان وحدة النص الاستراتيجية، وتأتي شروط نجاح النص ومتعته، من تأويل مضمونه الكامن كاملاً، فالنص «ما هو سوى بنية مخططة يجب استكمالها من قبل القارئ، والتحام بين النص وذاتية القارئ». لكن ما يوازي ذلك أهمية، أن على النقد الذي يؤهّل من يكتب، كيف يكتب، يمكن أن يؤهّل من يقرأ، كيف يقرأ، على هذا تأخذ إعادة تأهيل القارئ، أهميتها الجادة في نظرية الاستقبال.

حينما يقرأ كاتب النص في الزوايا هوامش تعقيبات بعض القراء على نصه، فإنه يتحول من مرسل إلى قارئ، بينما يتحول من يعقب من قارئ إلى مرسل. وهذه تجربة تثير الاهتمام، لأن قراء الصحف، عموماً، لا تعنيهم سوى القراءة، ربما لأن بعضهم لا يجد الفرصة المناسبة، لإبداء رأيه في ما يقرأ، أما أننا نجد بعضاً من القراء لا يفوّت، في الأغلب، مثل هذه الفرصة، على الرغم من أنه، في حالات أخرى، لا ينتهزها، فربما يكون مرد سكوته، ناتجاً من متعة رضاه!

من المهم لتتحقق المعادلة الصعبة، أن يكون الكاتب حراً في ما يكتب، وكيف يكتب. ومهم أيضاً أن يكون القارئ حراً في ما يقرأ، وكيف يقرأ. ولعل ما يُميز نجاح انتشار «الإمارات اليوم»، كما تبين التجربة، يأتي من اختيارها كتّاباً مختلفين، كما يأتيها، أيضاً، من قراء مختلفين، وتلكم هي فضيلة مُسرّة وجيدة.

alzubaidi0@gmail.com

 

تويتر