Emarat Alyoum

‏النقد الأخلاقي‏

التاريخ:: 24 أبريل 2010
المصدر:
‏النقد الأخلاقي‏

‏‏في مقالة نقدية قرأتها منذ أيام قليلة، يعاتب الناقد كاتب إحدى القصص، قائلا: ما كان ينبغي للبطل أن يلجأ إلى الحرام في علاقته مع المرأة، فهنالك الزواج الحلال!

هذا النوع من النقد، لم يعد قائما في العالم كله، لا لأن العالم فسق وأدار ظهره للروحانيات والأديان، بل لأن العالم فهم الأدب على حقيقته.

والحقيقة هي أن القاص والروائي لا ينقلان تجربة حرفية لإحدى الشخصيات الحقيقية، ولا يسجلان ما جرى عيانيا وتفصيليا لشخص ما، في لحظة ما، في مكان ما. فالكاتب يوهم القارئ بالواقعية، لكنه لا يسطو على شخصيات الواقع، حتى وإن كان ماهرا إلى أبعد حد في الإيهام، قد يستفيد الكاتب من نموذج شخصي، ومن واقعة حقيقية، ومن تجربة شخصية أو قريبة إليه، لكنه حين يكتب، ينسى ذلك كله، ويرسم شخصياته هو، ويحركها بطريقته هو، لا كما يريد لها المجتمع أن تتحرك.

والكـاتب لا يـقدم نفـسه معلـما للـناس، ولا إصـلاحيا، ولا صاحب رسالة أخلاقيـة محـددة يـقدمها لينـتفع النـاس بها، بل هو يكـتب المسـكوت عنـه فـي الحياة، ما لم نجرؤ على البوح به حتى لأنفسنا، والكاتب معني برؤيته للحياة، وهي رؤية مـغايرة للـرؤية الـتي يسـوّقها المتنـفذون وأصـحاب السـلطة على اخـتلاف أنواعـها: السـياسية والحـزبية والدينـية والاجتمـاعية، وبالتالي فإن الكاتـب ليـس معنـيا بالحـديث عـن الأخـلاق وآداب السـلوك الاجتماعي، بل هو مـعني بالبحـث في أسـرار الحـياة وجـوهرهـا، وهـي قضـايا تشـكل هواجـس النـاس وأحـلامهم وأفـكارهم، حـتى وإن لـم يتمـكنوا من التعبير عنها.

وحـين يكـتب أحـد مـا عـن عـلاقة جنـسية بـين رجـل وامـرأة فـي قـصـة أو روايـة، فإنه لا يدعو الناس إلى ارتكاب هذا الفعل الذي جاء بالضرورة في سياقه الفني، ويجب أن يكون كذلك، لا مجرد عبث بأحاسيس الناس وغرائزهم.

والناقد الذي يحاكم النص أخلاقيا، إنما يتعامل مع هذا النص على أنه حكاية حقيقية ارتكبها أحد ما في قريته أو مدينته، لكن الأصل أن يفهم الناقد أولا، أن الكاتب لا يصور شخصا حقيقيا تماما، ما يعني أن كل ما يحدث هو أيضا ليس حقيقيا تماما.

يقول إلياس خوري في شهادة روائية: إن الكاتب يكذب كي يقول الحقيقة!

كان يتحدث عن تفاصيل رحلة رجال الخزان في الصحراء، قال إن الوقت الذي حدده غسان لرجاله لم يكن دقيقا، لكن كنفاني لم يكن معنيا بالدقائق والوقت، مقدار حرصه على كشف ما يفكر فيه، وهو أن الحل الفردي ليس هو الطريق إلى فلسطين، وإن القائد فاقد الرجولة (أبو الخيزران) ليس هو المؤهل للقيادة، وعليه فليس في استطاعة ناقد أن يتناول رواية «رجال في الشمس»، ليقول لنا إن رجال الخزان لم يكونوا سوى متسللين، وربما بالتعبير السياسي الدارج «إرهابيين»، لأنهم كانوا يعبرون حدود دولة عربية من دون وثائق رسمية ومن دون إذن أو علم من أحد.

النقد الأخلاقي يصلح في الممارسة اليومية، لكنه أبدا لا يصح في الأدب! وإلا لأسقطنا كتابات نجيب محفوظ كلها، وخصوصا تلك التي نعتز بها كثلاثيته الشهيرة، المملوءة بالعلاقات غير الشرعية بالمفهوم الأخلاقي!‏

damra1953@yahoo.com