‏أبواب‏

‏صورة‏

علي العامري

‏‏صور كثيرة نلتقطها في حياتنا، لنا ولغيرنا، منذ الطفولة وربما حتى الجنازة. ترافقنا الصور أو نرافقها، ففي الطفولة يلتقط الأهل صوراً للمولود الجديد، فبعد صرخته الأولى، يومض ضوء الكاميرا في وجهه، وتصبح صورة اللحظات الأولى بمثابة «أيقونة» توضع في إطار يليق بفرحة خروج مولود إلى الحياة. وتجري طباعة نسخ عدة من تلك الصورة، التي تطير إلى أماكن عدة في العالم، حيث يكون الأخ والجد والجدة والعمة والخال والخالة وابن العم، في متوالية قد لا تنتهي عند حد، خصوصاً مع دخولنا العالم الرقمي، إذ تنتقل نسخ من الصورة في ثوانٍ عبر البريد الإلكتروني إلى «جغرافيات» متعددة.

تصبح صورة المولود «أيقونة» في هواتف متحركة للأب والأم وغيرهما، وربما نراها منشورة في جريدة أو مجلة مع تهنئة مقتضبة، لكنها معبرة.

تلك الصورة الأولى التي لها مفعول السحر، لها هالة خاصة بها، تظل تعيش وتتنفس ضمن «صور العائلة»، وتنتقل مع ذلك الطفل من سنة إلى سنة، حتى يكبر وتغدو صورته مرآته الأولى، يحتفظ بها، ويتأملها كلما مرت سنوات عليه وعليها.

يكبر الطفل، يدخل الروضة ثم المدرسة فالجامعة، وفي كل مرحلة يرافق تلك الصورة، وهي ترافقه. يكبر ويكبر وتمر السنوات متتالية، ويتخرج في الجامعة ويدخل ميدان العمل، ويواصل حياته التي هي خليط من الفرح والحزن والأمل والعتمة والتفاؤل والإحباط، وبين ابتسامة ودمعتين، تتدحرج السنوات به، مثل عربة، يتزوج وينجب، ويحتفي بمولوده الأول ويلتقط له صورة أولى أيضاً، وتبدأ المقارنات بين ملامح المولود وملامح الأب والأم والأجداد والأعمام والأخوال، في متوالية جديدة لصورة الابن. كما تبدأ المقارنة بين صورتين، صورة الطفل الذي أصبح أباً، وصورة ابنه المولود الجديد.

الأب، بعدما يتقدم في السنوات، يبدأ الشيب في شعر رأسه بكتابة أول حرف في «الأبجدية البيضاء»، تلك الشعرة المختلفة التي يلحظها في المرآة شاهدة التحولات في هيئته.

يكبر الأب، لكن صورته الأولى لا تكبر، تبقى في مرحلة الطفولة، هناك في هالتها الخاصة تشعشع، والرجل يتقدم في السنوات، وبين فترة وأخرى، يعود إلى تلك الصورة، يتأملها بعمق، ويتذكر شريطاً طويلاً من الحياة، هو يكبر وصورته لا تطالها يد السنين، ولا تلامسها يد الشيب، ولا خطوط الزمن، ولا غبار التعب.

يجلس الرجل على كرسي خشبي، أمام مرآة، ويحتسي قهوة وذكريات.

يجلس وفي يده صورته الأولى، يتأملها، ثم ينظر من وراء نظارته الطبية إلى وجهه في المرآة، ويتذكر.

تجلس المرأة في غرفة النوم، منتظرة زوجها ليقول لها: كم أنت جميلة، لا تزالين شابة، تحتفظين ببهائك، ولم تؤثر فيك سنوات العمر. كأنك أصغر من عمرك بعشرين سنة.

يبتسمان، في حين كانت دمعة تسيل من مرآة الحائط.

ali.alameri@emaratalyoum.com

 

 

تويتر