‏رؤية‏

‏الوحدة النقدية بين الأرباح والخسائر (2)‏

‏حينما أعلن الاتحاد الأوروبي، بعد مضي 50 عاماً من العمل الدؤوب، والجهد الحثيث، عن عملته الأوروبية المشتركة «اليورو»، لم يكن ذلك من باب الترف السياسي أو الاقتصادي، بل شكّل ذلك خطوة استراتيجية في سياق تحقيق مزيد من الاندماج، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي عن الولايات المتحدة، بعد أن ظل الدولار المتهالك والضعيف، ولعقود طويلة، ومنذ اتفاقية «برتن وود» عام ،1944 اللاعب الدولي الرئيس في الساحة النقدية والمالية والاقتصادية والتجارية.

وكان لابد من التفكير جدياً من قبل القادة الأوروبيين، في تحقيق تكامل أوروبي، من خلال تسريع خطوات التكامل، بل الوحدة الاقتصادية والنقدية، وكان لأوروبا ما أرادت على الرغم من التاريخ الطويل من الصراعات، والحروب، والتباينات الصعبة في السياسات، والرؤى، والاستراتيجيات، لكن معطيات البيئة الاقتصادية الدولية، ومستجداتها، ومخاطرها، وإفرازات السنوات الأخيرة، سرّعت من تحقيق حلم الوحدة النقدية، ليصبح «اليورو» الأوروبي عملاقاً جديداً بين عملات العالم.

فكيف حال دول المجلس ذات الاقتصادات الضعيفة والتحديات الصعبة، والظروف المتشابهة، والعوامل المشجعة، والسياسات المتوائمة؟

أليس من الطبيعي أن تعمل بشكل جاد في تحقيق وحدتها النقدية والإعلان عن عملتها الموحدة نهاية 2010؟!

ألم تحن الظروف، بل وتشجع التحديات والأزمات التي تعرضت لها أسواق واقتصادات وعملات دول المجلس في السنوات الأخيرة، وآخرها الأزمة المالية العالمية عام 2008 على تحقيق الوحدة النقدية، خطوةً تاليةً بعد السوق الخليجية المشتركة عام 2007؟

إن الدعوة إلى تحقيق هذه الخطوة، ليس من باب الترف الاقتصادي أو السياسي كما ذكرنا، وإنما تحتمها أسباب ومسوغات عدة، ومنها أنها تأتي في إطار تحقيق استقلالها الاقتصادي والتجاري، بعد أن ظلت اقتصادات دول المجلس واستثماراتها مرهونة بالدولار الأميركي المتهالك، الذي كبد اقتصادات المنطقة الكثير من الخسائر، سواء في تجارتها الخارجية من النفط والغاز، أو في عوائدها من الاستثمارات الخارجية المقومة بالدولار، أو ودائعها في المصارف العالمية المقومة بالدولار أيضاً، لاسيما أن الدولار لم يعد مغطى بالذهب، وإنما بسمعة اقتصاد أميركا المتردي بسبب عجز مزمن في تجارتها الخارجية، وموازناتها الحكومية، وتراجع معدلات النمو في اقتصادها، وتفشي الفساد، وغياب الشفافية لدى مؤسساتها وأسواقها وشركاتها المالية.

لم تعد القيادة الاقتصادية العالمية في الولايات المتحدة، بعد أن برزت قوى اقتصادية واعدة وصلبة سواء في الاتحاد الأوروبي، أو الصين، أو الهند، أو حتى في أميركا اللاتينية، ومن يراهن على مستقبله الاقتصادي من خلال التعاون المطلق مع الولايات المتحدة، فإنه سيكون الخاسر الأكبر حتماً!

‏alshamsi.n@hotmail.com

 

تويتر