‏كل يوم‏

‏لو كان التواضع رجلاً لكان أحمد‏

سامي الريامي

‏لم تغيره المناصب، ولم يتغير هدؤه وتواضعه حتى مع ترؤسه أكبر وأضخم صندوق سيادي في العالم، فهذا لم يترك أثراً أبداً في نفسه، ولم يمسّ أياً من طباعه وفطرته الطيبة.

هو كذلك، لم تكن الابتسامة تفارق وجهه، ولا يفارق التفاؤل شخصيته، منذ أن كان شاباً في جامعة الإمارات، كان الجميع يضرب به المثل في التواضع، وكثيراً ما كنا نقول لو كان التواضع رجلاً لكان اسمه أحمد بن زايد.

لم تتغير تلك الشخصية، وكبر طالب الجامعة وتخرج، وتقلد مناصب عديدة، ووصل إلى منصب وكيل وزارة المالية، لكنه ظل كما هو هادئاً خجولاً متواضعاً، وأقبلت له الدنيا ووصل إلى منصب لا يشغله سواه في العالم كله، فهو العضو المنتدب الذي يدير أضخم صندوق سيادي في العالم، لكنه أيضاً ظل كما هو، لم يتغير فيه شيء، ولم يقبل على الدنيا بالشغف ذاته الذي أقبلت به عليه.

كان بعيداً عن الأضواء، ولم يسعَ إلى شهرة وحب ظهور، مع أنه عاش هدفاً وأمنية لكل وكالات الأنباء العالمية، وجميع وسائل الإعلام الدولية، ومع ذلك ظل محباً للعمل بصمت، وظل بعيداً عن الإعلام، وشاءت الأقدار أن يكون وسط الأضواء التي لم يسع إليها طوال حياته، وطوال أيام البحث عنه..

تفاعل مواطنو الإمارات وسكانها في الأيام الماضية، باهتمام بالغ، مع أخبار البحث عن الشيخ أحمد بن زايد الذي فُقِد الجمعة الماضي، بعد سقوط طائرته الشراعية في بحيرة «صخيرات»، خلف سد «سيدي محمد بن عبدالله» في جنوب العاصمة المغربية الرباط، وسط مشاعر اكتنفتها الآمال والمخاوف، والدعاء بأن يكون على قيد الحياة، وأن يكون العثور عليه حيّاً مسألة وقت، ليس أكثر، لم يكن ذلك مدفوعاً بمصالح، بل كان حباً نقياً له لطيبته وشخصيته، ولأنه أحد أبناء الشيخ زايد، وما أدراك ماذا يعني الشيخ زايد عند جميع أهل الإمارات.

مئات الصفحات التي فتحها أصحابها على مواقع إخبارية إلكترونية، ومنتديات للتواصل الاجتماعي تابعت ليل نهار المستجدات، لم يتوقف أصحابها عن الدعاء له، ملأتهم الآمال بأن يكون قد تمكن من النجاة، وأن يكون موجوداً في مكان ما على اليابسة المجاورة للسد والبحيرة، والآن لن يتوقفوا عن الدعاء له بالرحمة والمغفرة. فقدناه أخاً ومسؤولاً وشيخاً عزيزاً على قلوبنا، وفقدنا ابتسامة فطرية جميلة، وفقدنا ذلك الرجل الذي ضرب أروع أمثلة التواضع وحب العمل بصمت.

رجل لم تغيره المناصب، ولم تخرجه الدنيا من شخصيته الرقيقة البسيطة، فعاش معها وعاشت معه، وغيّبه الموت، لكنه سيظل رمزاً للطيبة والنقاء والإخلاص والتواضع.

العزاء في رحيله أن له يداً بيضاء على كثير من الفقراء والمحتاجين، وأنه حمل سجايا زايد الخير، ففاض كرمه وعونه في أنحاء كثيرة من الإمارات والعالم.

رحمه الله، فقد كان زاهداً في الأضواء والأخبار، وشاءت فجائع الدنيا أن يكون هو نفسه خبراً في فاجعة أدمت القلب والوجدان.‏

reyami@emaratalyoum.com

 

تويتر