‏5دقائق‏

‏أمثالك كُثر يا إسماعيل

‏في إحدى زياراتي المتعددة إلى أمستردام لزيارة صديقي العزيز إسماعيل، خرجت من منزله لممارسة رياضة الهرولة الخفيفة، وعندما عدت إلى المنزل وجدت إسماعيل في حديقة منزله الخارجية يسقيها ماءً، ثم ترك خرطوم الماء منهمراً وبدأ يغني ويصفر ويصفق ألحاناً أوبرالية جميلة، فوقفت أنظر إليه مستغرباً هدره الغريب للماء، لكن غناء إسماعيل دفعني إلى الاقتراب منه أكثر وصفقت معه فاشتد حماسه ورفع صوت غنائه الأوبرالي مقلداً الفنان الإيطالي الراحل بافاروتي، وكان يشير إليّ لأنظر إلى الشجرة التي يقف أمامها ويسقيها الماء، لكنني أشرت إليه بعدم فهمي بماذا يلمح، فتوقف عن الغناء وقال «ألم تلاحظ أن الشجرة كانت تترنح طرباً على صوت ألحاني؟!»، أجبته «هل شربت شيئاً يا إسماعيل؟!»، أجابني بالنفي، فسألته مجدداً «هل تعاطيت شيئاً من الحشيش أو الماريغوانا أو التنباك؟!»، فأجاب بالنفي أيضاً، قلت له «إذاً ما الذي يدفعك للاعتقاد أن الشجرة كانت تترنح لك على صوت غنائك؟! إنها الرياح يا ذكي ما كان يهز الشجرة وليس صوتك ولا صفيرك!».

لم يتقبل إسماعيل نقدي وأصرّ على رأيه بأن الشجرة كانت تترنح طرباً لغنائه وليس للريح، بينما الماء لايزال ينهمر هدراً، فسألته «ألا تخشى من فاتورة المياه الباهضة وأنت لا تعير انهمار المياه بهذه الطريقة أي اهتمام؟!»، ضحك إسماعيل قائلاً «لديكم مثل جميل يقول مال عمك ما يهمك، وأنا لا أدفع شيئاً لأن الحكومة هي من تتحمل جميع فواتيري، بل إنني أعيد تعبئة المياه في صهاريج فارغة لبيعها على الجمهور المخدوع بهذه المياه بأنها مياه معدنية، وبهذه الطريقة أحقق المكاسب الخيالية من دون عناء ومن جيب الحكومة»، تساءلت مجدداً «يا إسماعيل حتى ولو كنت لا تدفع شيئاً عن المياه، لكن هذا لا يعني أن تهدر المياه بطريقة جنونية، فهذا مال عام ينبغي الحفاظ عليه، ألست مؤتمناً عليه؟!»، أجاب «الحديقة كي تنمو وترتقي بحاجة إلى هدر هائل من المياه وغناء كلاسيكي يضفي بهجة وسروراً للأشجار فيدفعها للترنح طرباً»، تنهدت قليلاً ثم عقبت على كلام إسماعيل «الحديقة كي تنمو وترتقي لن يتحقق ذلك عبر ضخ المياه بهذه الطريقة الجنونية واللاعقلانية، بينما أنت تعاني من النقص المعرفي والمهني في أبسط قواعد الزراعة والتشجير، في ظل غياب برامج تدريبية أو تعليمية في هذا المجال، وعملية البناء تبدأ ببناء الأساس أولاً وليس السقف قبل الأساس! والاهتمام بالحديقة وغير الحديقة بحاجة إلى خطة مدروسة، بحيث تعي أنت يا إسماعيل بأهمية مختلف أنواع مهارات إنشاء الحدائق ليواكب تطورها المستوى الدولي، والارتقاء بالحديقة لن يتحقق عبر هدر المال العام، إنما بإعلاء السمو الفكري والمنهجية العلمية الصحيحة، وليس بالوقوف أمام الشجرة لتغني وتصفق لها معتقداً بأنها تترنح لك طرباً!». للأسف، أمثالك كُثر في البلاد يا إسماعيل، وقد حان الوقت لوقف المياه عنكم.

تويتر