‏5 دقائق‏

‏القدس كتل أبيب‏

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

‏‏برر نتنياهو استيطانه في القدس وتوسعه المحموم فيها؛ بأن الأمر لا يعدو أن يكون كتل أبيب، فكما أنه لا ينكر عليه التوسع هناك فكذا لا ينكر عليه هنا!

هكذا يقول بملء شدقيه ومن الذي ينكر عليه؟ ولم يعلم أن الحقيقة لها لسان فصيح، وقول مريح، وإن كانت غائبة عنه وعن كثير من الناس، وإن أراد القارئ أن يعلمها فهي: نعم القدس كتل أبيب ولكن في الحرمة لا في الحل، وكونها بلداً عربياً محتلاً، لا بلداً صهيونياً.

نعم القدس كتل أبيب سيخرج المحتل منهما يوماً من الدهر شاء أم أبى؛ لأن سنة الاحتلال الجارية أنه إلى زوال، وإن تعددت أيامه والليالي، وهي كتل أبيب في تجمع اليهود في هذا البلد المبارك ليحيق بهم وعد الله الذي لا يخلف، والذي أخبر عنه الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم أن الساعة «لا تقوم حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبِئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود»، وهو الذي يشير إليه قول الحق سبحانه {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَولَ مَرةٍ وَلِيُتَبرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} وهذا ما يعرفونه في كتبهم، ولذلك ينكر عقلاؤهم هذا الاحتلال والتجمع الذي جاؤوا إليه لفيفاً، والإفساد في الأرض؛ لأنه مقدمة الزوال، فدعهم يتجمعون ليحيق وعد الله الذي لا يخلف، وهو سبحانه إذا أراد شيئاً هيّأ أسبابه.

هذه هي الحقيقة التي يتعين على كل إنسان معرفتها، ليعلم أن مدبر الكون سبحانه يتصرف في عباده بحكمة، وأن ما يريده سبحانه لا مرد له، فيهيئ له الأسباب ويفتح الأبواب، ولا يسع المسلم إلا التسليم، لاسيما بعد أن بذل المسلمون عموماً والعرب خصوصاً ما في وسعهم من حسن النية، وأظهروا صفاء الطوية، بالمبادرات المرضية؛ لتكون معذرة إلى ربهم، إلا أن الحكمة العربية القائلة:

ولو أنا رفعناها لعزت ... ولكن كل معروض مهان

كانت غائبة، فصدق الدهر واقعها. نعم هذه الحقيقة المنتظرة مُرة على المسلمين؛ لما يرونه من الصلف الزائد عن حده، والعدوان البربري الذي يتعرض له المرابطون في بيت المقدس وأكنافه، وانتهاك المقدسات ونهب الأرض والثروات، وقتل الأنفس البريئات، والسخرية الزائدة بالعالم أجمع، كل ذلك يجعل المرء في ضيق شديد، وحرج أكيد؛ لما جبل عليه من إنكار الباطل الزهوق، وصبره الذي قد يضيق، وكأن هذه الدلائل النبوية والأعلام المحمدية تبعث فيهم السلوان؛ لئلا يتميزوا من الغيظ، وهم لا يقدرون أن يخرقوا الأرض ولا أن يبلغوا الجبال طولاً، فكانت هذه الأخبار رحمة مهداة لهذه الأمة من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، لئلا يخرجوا عن منهج الإسلام القيم في حب التفاؤل، وحسن الظن بالله تعالى، وحسن التوكل عليه مع الأخذ بالأسباب التي توصل إلى النتائج، حتى لا يتغير هذا المنهج في واقع حياتهم؛ لما يرونه من عدوان أولئك القوم الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله، لولا حبل من الناس يتشبثون به لا يُدرى متى تقطعه عوامل الدهر، فيقعون في شر أعمالهم، وليس ذلك على الله بعزيز ولا عن يومنا ببعيد، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

كبير مفتيين مدير إدارة الإفتاء في دبي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تويتر