‏‏

‏رؤية للبستكية ‏

‏في الناحية الجنوبية من خور دبي تقع منطقة البستكية التي تعد من أروع الأحياء في ساحل الخليج العربي، ليس فقط من الناحية الجمالية، ولكن أيضاً بسبب ما ترمز إليه من الناحية المعنوية من حيث التسامح مع الآخر. فبعد أن أسست أسرة آل مكتوم الكرام إمارة دبي في عام ،1833 بدأت المنطقة بالتغيير الجذري، فازدهرت التجارة بسبب السياسة الضريبية، وأصبح لروح العزيمة عنوان جديد. بدأ التجار بنقل أعمالهم من ضفتي الخليج والمنطقة وحلّوا برحالهم بالقرب من حصن الفهيدي التاريخي في بر دبي. ويروي البعض أن ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز المولع بالتراث الإسلامي، كان قد أثنى على معمار المنطقة، وتمكن من إقناع المسؤولين وأصحاب البيوت العتيقة بالحفاظ عليها في زيارة سابقة له لدبي.

وفي عام 2001 عينت بلدية دبي المهندس المعماري الإماراتي المحترف رشاد بوخش مديراً لإدارة المشروعات العامة، الذي أطلق حملة واسعة للحفاظ على البيوت والتراث المعماري القديم في دبي، وتمكن خلال فترة قصيرة من إعادة تأهيل وترميم 50 بيتاً والإشراف على متاحف عدة في الإمارة.

وكانت مسؤولية لها مدلولات خاصة للمهندس بوخش الذي سكنت عائلته في المنطقة لسنين عدة.

فلن تجد في الخليج منطقة تجتمع بها كل المدارس المعمارية كما ستراها في الضفة الجنوبية لخور دبي. المشربيات الحجازية، والزخارف الشامية، والحوش الشمال إفريقي، التصميم الداخلي العربي، وفن الخط الإسلامي، والبراجيل الفارسية والخليجية، والديكور الشرق إفريقي والهندي. في المنطقة نفسها تجد متحف دبي ومنطقة الشندغة التي نستطيع أن نسوقها للزائر كحي تراثي لدبي الذي فيه يتمكن المرء من زيارة قرون من تاريخ المنطقة التي أثرت في الإمارة.

في زيارة سابقة لي إلى مملكة البحرين، ذهبت في جولة في الحي التاريخي لجزيرة المحرق والسوق القديم. ذكرني تصميمها بالمناطق التراثية في الإمارات بسبب الطرق الضيقة واستخدام مواد البناء من البحر. ولكن الشيء الذي لفت نظري في تلك المنطقة هو وجود أسر بحرينية تقطن الحي القديم مع أطفالها. فبالإضافة إلى السياح الأجانب رأينا أطفالاً بحرينيين يلعبون ويرتادون مكتبة الأطفال المتخصصة. وكان هناك مسرح صغير يضم 330 شخصاً ومقهى خليجياً تاريخياً يقدم مأكولات المنطقة ويعمل به بحرينيون يملكونه. الحقيقة هي أن أجمل ما في المكان كانت رائحة الطبخ العربي الخليجي الذي شممناه من شبابيك البيوت المأهولة من قبل تلك الأسر. وهذا ما ينقص البستكية. فأقترح أن يتم بناء بعض المساكن لذوي الدخل المحدود من الإماراتيين في حي القنصليات نفسه بالقرب من البستكية، شريطة أن يكون لهم أطفال يسجلونهم في المراكز الثقافية في الحي ليتم الحفاظ على الروح الإماراتية للمنطقة.

اقتراح آخر يكمن في تحويل بعض البيوت العتيقة، التي حسب علمي يبلغ عددها 25 منزلاً، لمتاحف متخصصة تتم إعارتها من دون مقابل لمواطنين أو مقيمين مِن مَن لهم مجموعات فنية مهمة ليتم عرضها على الجمهور، ولتخدم الحركة السياحية لدبي. فمثلاً يخصص بيت لفن التصوير، وآخر للخط الإسلامي، وغيره للزخرفة إلخ. حجم هذه البيوت لا يتعدى الـ200 متر مربع ولكن إن تم تحويل 10 أو 20 بيتاً منها إلى متاحف صغيرة متخصصة سنكون قد وضعنا حي البستكية على خارطة المتاحف الحديثة والمبتكرة في المنطقة. وهناك الكثيرون من متذوقي الفن من سكان الإمارات الذين سيدعمون اتجاهاً هكذا إن تم تأهيل البيوت بالطريقة الصحيحة مع الحفاظ على معمارها، كما شاهدت في البحرين والشارقة. ربما لن يكفي تأهيل بيت واحد لجلب عدد كبير من الزائرين كما نريد، ولكن تسويق المنطقة كحي دبي التاريخي، وإنشاء بعض المساكن للأسر الإماراتية، بالإضافة إلى تأهيل 20 بيتاً لتضم متاحف متخصصة، سيحول هذه المنطقة إلى وجهة فنية وتراثية ليس لها مثيل، وتكون رمزاً في المستقبل، كما كانت في الماضي لعزيمة وتنوع دبي الحبيبة.‏

 

زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر