‏يا جماعة الخير‏

‏لا تتبع الملعون.. لو سمحت ‏

‏اصطحب إبليس يوماً ولده في جولة ميدانية يدربه على فنون اللعب ببني آدم، فالتقى رجلاً أعمى يتوكأ على عصاه في طريقه إلى المسجد، فاقترب منه في صورة رجل وقور وتودد إليه وسأله عن بغيته، وحمل عنه العصا وتأبط ذراعه حتى أدخله إلى الصف الأول ثم خرج! وولد إبليس على باب المسجد ينتظر متعجباً من تصرف أبيه مستنكراً فعله، وإذا بإبليس ينطلق كالصاروخ نحو رجل ينام تحت جدار والجدار يهوى عليه، وفي اللحظة الأخيرة تمكن من إيقاظه وإنقاذه! ورجع مستبشراً إلى ولده، فأبى الولد بفطرته الإبليسية أن يتبع أباه حتى يبين له كيف سقط بفعل الخير مع الرجلين، فضحك اللعين وقال: أنا ما فعلت خيراً يا صغيري، أما الأعمى فإن في طريقه إلى المسجد عثرات، وكلما تعثر مرة ارتفع بها عند الله درجة. فأخذت بيده لأمنع عثراته فتقل عند الله درجاته! فضحك الصغير فرحاً بذكاء أبيه واستزاده تعلماً من هذه الفنون سائلاً عن ذلك الرجل الذي أنقذه من الموت تحت الجدار.. فقهقه إبليس فرحاً يقول: لو تركته يموت تحت الجدار لمات شهيداً وتحسرنا على ميتته. فأنت يا الحبيب حين تقصر في صلة الأرحام فإن إبليس يفرح بك، ولست أبداً بالمخطئ.. فأنت يا رجل عندك كرامة، وأنت الكبير، وأنت المحسن إليهم دائماً، وكم فعلت فيهم من المعروف، وهم لا يستحقون أبداً أن تتنزل إليهم.. ولست بحاجة إلى حسنة من ورائهم، فعندك من الحسنات الكثير، ويظل اللعين ينفخ في غرورك ويزينه لك حتى تفخر بقطيعة الأرحام.

وحين تتهاون في عباداتك وإتقان عملك ومواساة جيرانك، يقول: يا رجل أنت طوال اليوم في عبادة، وتفعل من الخيرات الكثير، ألا ترى غيرك يأتي بأمهات الكبائر وعماتها وأهلها جميعا ؟

وحين تهمل تثقيف نفسك وتطوير كفاءاتك والاستزادة من العلوم والدورات، على الرغم من اتاحتها وانت على مكتبك أو في بيتك، فإنه يبارك جهلك وتوقفك كالماء الراكد قائلاً: يا رجل! أليس من حقك أن تستريح بعض الوقت؟ إن لبدنك عليك حقاً! هون عليك وارحم نفسك.

وحين تنشغل ببعض البرامج المثيرة للغرائز وعروض الأزياء وما لا ترضاه لحريمك من مكالمات ورسائل هاتفية و«شات» يقول: ماذا في ذلك؟ العبرة بالقلب، وأنت قلبك طاهر، وهذه لا تغري إلا ضعاف النفوس والمراهقين! ثم إنه الفن والجمال والله جميل يحب الجمال!

أما أولادك الصغار فإياك أن تعتقد أنهم أقل من أولاد فلان الذين يحققون نجاحاً في الدراسة والالتزام، وأن أدبهم الذي يبدو ظاهراً يجعلهم مميزين عن أولادك! كلا وألف كلا.. إنهم معقدون مكبوتون، وإنها تربية خاطئة تؤثر في تكوين شخصية الصغار بهذا الضغط.. يا رجل دع أولادك يعيشون عمرهم لتتربى لديهم الشخصية المتوازنة!

هذه بعض فنون إبليس الذي يعلم أن رجلاً من أمة سيدنا عيسى ـ عليه السلام ـ كان يعذب في قبره لأنه لم يقدم حسنات تقيه عذاب القبر، ولكن نبي الله عيسى مر يوماً على المقابر فأخبر أن الله قد رفع عنه عذاب القبر، ولما سئل قال لأنه ترك طفلاً رضيعاً، فلما تكلم الطفل دفعته أمه إلى معلم يعلمه فلما قال الطفل: سبحان الله والحمدلله، قال الخالق سبحانه: استحييت يا عيسى أن أعذب والداً في بطن الأرض، وولده على ظهرها يسبح باسمى.‏

 

mustafa@watani.ae

تويتر