آفة الاسترجال

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم يكن المجتمع يعرف في يوم ما، ما يسمى بـ«البويات»- المسترجلات- إذ لا يدور في خلد أحد أن تقوم البنات المتربيات على الفضيلة والعفة بالاسترجال؛ لأن ذلك يخالف الفطرة الأنوثية، فضلاً عن كونه يخالف منهج الإسلام الذي حرم تشبه الرجال بالنساء والعكس، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»، وذلك لعظيم الجرم وكبير الخطر، لما فيه من تغيير الحقائق، والتنكر لصنع الخالق، فقد خلق الله تعالى كل إنسان بمكونات خاصة يعيش ويتعايش بها على وجه الكمال والتمام، فلماذا تسترجل نساؤنا وهن على وجه كمال الخلقة الإنسانية، فإن الله تعالى الذي خلقهن قد أحسن صورهن؟ كما قال سبحانه {وَصَورَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِير}، ومن كان في حسن الصورة لا يحتاج إلى أن يغير وضعه الفسيولوجي؛ لأنه لا يقدر على ذلك وضعاً ولا طبعاً، وبناتنا العزيزات اللاتي غرتهن أنفسهن للطموح للرجولة، لا يعرفن مخاطر ذلك على حياتهن ودينهن ووضعهن الاجتماعي، فإن البنت المسترجلة تضع على نفسها شارة السقوط الاجتماعي، فلن تجد سبيلاً لمن يرحمها أو يقبلها لباساً له يسترها وتستره؛ لأننا بحمد الله في بحبوحة الإسلام، وعرف الفضيلة وكرم الأخلاق وكمال القيم، لم تعرف أمهاتنا ولا أخواتنا مثل ذلك، فلذلك هن أول من يحارب هذه الظاهرة التي تعتبر نشازاً في المجتمع، ثم لا يلبثن أن ينصبن أنفسهن مشهرات بتلك الفتيات المغرر بهن، فيخسرن مجتمعهن النسوي ثم الأكفاء الصالحين، وهكذا يسقطن في مستقبل العمر الواعد بصفوة الحياة الأسرية، فيبقين كسقط المتاع، حتى إذا فاتهن قطار الزوجية عندئذ يفقن من سكرة غرور الاسترجال، ويردن العودة إلى الوضع اللائق فلا يجدن إلا من أفل نجم شبابه، وبزغ نور بياضه، وعندئذ يتذكرن قول الشاعر:
إذا قل مال المرء أو شاب رأسه   فليس له من ودهن نصيب.

فيقلن قد رضينا بالقليل، ولعل الله يضع فيه البركة، ولكن من هن اللاتي يجدن ذلك القليل؟ الذي يصدق عليه قول الأديب:
قليل ما أتيت به ولكن   قليلك لا يقال له قليل.

إن من تعثر على ذلك منهن أقل القليل، وإذا حاسبن أنفسهن سيجدن أنهن المسؤولات عن هوان أنفسهن لدى أبناء مجتمعهن الذين كان عليهم المعول في حياة الأنس والسعادة، لا أقول هذا تشفياً ولا تمنياً، ولكن من واقع ما أرى وأسمع وهو ما لا أود سماعه ولا رؤيته، لتألمي كثيراً على تلك الفتيات اللاتي نود لهن الخير في حاضر الأمر ومستقبله، فما الذي أوصلهن إلى هذا الحال من البوار؟ إنه ضعف الوازع الديني أولاً، وضعف الرقابة الأسرية ثانياً، وعدم الرقابة المجتمعية ثالثاً، فلما توفرت هذه العوامل حصلت تلك النتائج، لقد استأت كثيراً يوم أن سمعت من إحدى بناتي في الجامعة قائلة: يا أبت لقد أصبحت البويات في الجامعة ظاهرة خطيرة، حتى أصبحن يرعبن الطالبات وتخافهن المشرفات، فقلت في نفسي ولم أبده لها: لقد استفحل الأمر، وأصبح الباطل ظاهراً بدلاً من أن يكون زهوقاً، فأين الرقابة الصارمة التي تؤدب وتردع وتزجر، أو ليس الرهبوت خير من الرحموت أحياناً؟ كما ورد في الأثر، أما قال الحكيم: فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً فليقس أحياناً على من يرحم.


❊كبير مفتين بدائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دبي

تويتر