مسؤولون: المنظومة الجديدة أكثر ردعاً من الحبس وتأثيرها عميق في من لا يدرك واجباته تجاه المجتمع

تحفيظ القرآن ورعاية ذوي الهمم والمسنين والطيور بين 19 خدمة مجتمعية بديلة لعقوبات الجرائم البسيطة

صورة

فصّلت المادة 120 من قانون العقوبات 19 نوعاً من الأعمال التي يجوز إلزام المحكوم بتأديتها وفق منظومة أعمال الخدمة المجتمعية، ومنها حفظ أو تحفيظ ما تيسر من القرآن الكريم، والخدمة في مراكز رعاية أصحاب الهمم، وفي دور رعاية المسنين، ودور رعاية الأحداث. وقال مسؤولون أمنيون وقانونيون، إن «الخدمة المجتمعية أكثر ردعاً من الحبس في حالات معينة، مثل إلزام شخص بتنظيف الشوارع، إذ قد يتقبل الشخص التعرض لأي عقوبة إلا ذلك».

• فلسفة الخدمة المجتمعية تتعلق بإعادة تأهيل الشخص نفسه، وليست مجرد حبسه.

• اختيار الأعمال المجتمعية المنصوص عليها في القانون يكون حسب الجرم المرتكب.

رمي قطة واستعراض خطر

نفذت العقوبة البديلة، خلال العام الجاري، مرتين، في واقعتين مختلفتين بأمر من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الأولى في شهر فبراير الماضي على عدد من الشباب استعرضوا بطريقة خطرة في منطقة سيتي ووك، وانتهكوا قانون السير بممارسات عدة منها كسر إشارات حمراء والصعود على الأرصفة وتهديد سلامة الآخرين، وتسببوا في إتلاف ممتلكات عامة، وتم إلزامهم بتنظيف الشوارع في المنطقة لمدة أربع ساعات يومياً على مدار شهر كامل.

كما نفذت الخدمة المجتمعية كعقوبة بديلة كذلك على أشخاص تورطوا في رمي قطة حية لكلاب مفترسة في مزرعة أحدهم ليتم نهشها حية، وألزموا بتنظيف حديقة الحيوانات أربع ساعات يومياً على مدار ثلاثة أشهر، وأشرفت شرطة دبي على تنفيذ العقوبتين البديلتين، في إطار هدف واضح وهو إلزام المتورط في الواقعة بالقيام بواجبات محددة يخدم من خلالها المجتمع نظير ما اقترفه من مخالفة، ونشر الوعي بين الناس وتعريفهم بالتبعات والآثار السلبية لمثل تلك المخالفات، وردع كل من يفكر في الإقدام على ارتكاب أي من تلك الممارسات.

ردع المتهورين مرورياً

قال رئيس مجلس المرور الاتحادي، اللواء محمد سيف الزفين، إن تطبيق الخدمة المجتمعية لا يجب أن يقتصر على المحكومين بالحبس لفترات بسيطة فقط، إذ إنها تلعب دوراً مهماً في ردع كثير من السائقين المتهورين ومثيري الفوضى في الشوارع العامة.

وقال إن شباباً من هواة الاستعراض والمغامرة، معروفون في مناطق مختلفة أبلغوا رفاقهم بأنهم لن يحاولوا ممارسة تلك الهوايات مجدداً بالطرق العامة، بعد تنفيذ العقوبة على مرتكبي واقعة «سيتي ووك».

وأضاف أن مرور دبي على تواصل بطرق عدة مع هؤلاء الشباب، ورصد ردود فعلهم، لافتاً إلى أن معظمهم لا يخدمون أنفسهم في منازلهم، حتى لو تطلب الأمر إعداد كوب من الشاي، لذا فإن إلزام أقرانهم بتنظيف الشوارع، كان رادعاً دفعهم إلى التفكير جيداً في احتمالات تنفيذ العقوبة ذاتها عليهم إذا واصلوا القيادة بتهور واستعراض في الطرق العامة.

وأضافوا أن من ألزموا بتنفيذ أعمال خدمة مجتمعية، أكدوا أن التجربة تركت فيهم أثراً عميقاً، كما اعتبر ذووهم أن خدمة المجتمع أفضل من الحبس، مؤكدين أن اعتماد منظومة كاملة للخدمة المجتمعية تمتد إلى جميع القطاعات، من شأنه أن يعزز مسؤولية كل فرد تجاه مجتمعه ويدرك ما عليه من واجبات. وكان مجلس الوزراء، اعتمد في اجتماعه الأخير، منظومة أعمال الخدمة المجتمعية، التي تستبدل بالعقوبات البسيطة أعمالاً وساعات لخدمة المجتمع في مختلف القطاعات، وتشمل 19 عملاً مختلفاً، منها حفظ أو تحفيظ ما تيسر من القرآن الكريم، والخدمة في مراكز رعاية أصحاب الهمم، والخدمة في دور رعاية المسنين، ودور رعاية الأحداث، ومراكز الأمومة والطفولة أو الجمعيات النسائية، وتنظيف وصيانة المرافق العامة أو الطرق والشوارع أو الميادين العامة أو الشواطئ أو الحدائق العامة أو المحميات، والمشاركة في الأنشطة والفعاليات وبيع التذاكر.

وجاء اعتماد مجلس الوزراء للمنظومة الجديدة في إطار توجه الدولة لتطوير تشريعاتها، لتكون في صدارة الدول المتقدمة التي تنتهج بدائل لعقوبة الحبس في بعض الجرائم البسيطة، من خلال إلزام المحكوم عليه بأعمال لخدمة المجتمع، بما يحقق الغاية من إصلاحه، فضلاً عن استفادة المجتمع من الأعمال التي يؤديها المحكوم عليه.

قال مساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون البحث الجنائي اللواء خليل إبراهيم المنصوري، إن «اعتماد منظومة الخدمة المجتمعية يمثل خطوة مهمة، استناداً إلى التجربة العملية التي أشرفت شرطة دبي على تنفيذها بحق شباب انتهكوا القانون، أخيراً، وأُلزموا بتنظيف الشوارع في المنطقة ذاتها التي أثاروا فيها الفوضى وأتلفوا ممتلكات عامة».

وأضاف أن «ذوي هؤلاء الشباب تواصلوا معه، وبقدر انزعاجهم من تصرف أبنائهم، إلا أنهم عبروا عن ارتياح كبير بسبب الإجراء الذي اتخذ بحقهم، فالجزاء كان من جنس العمل»، مؤكداً أنه «بحكم عمله يدرك أن إلزام شخص بأداء خدمة عامة أمام الجميع نتيجة خطأ ارتكبه، أقوى تأثيراً من حبسه فترة بسيطة دون أن يعرف أحد بذلك».

وشدد المنصوري، على أن «تطبيق منظومة الخدمة المجتمعية بحق فئة الشباب تحديداً، سيكون له أثر عميق، لأن البعض منهم لا يدرك واجباته تجاه المجتمع، وإلزامه بخدمته حال مساسه بحق هذا المجتمع لن يجعله يكرر الخطأ مجدداً، كما يعزز إحساسه بقيمته كفرد، وقدرته على التأثير والقيام بدور إيجابي، على غرار الخدمة الوطنية التي صقلت شخصيات الشباب، وأفرزت نماذج واعية ومسؤولة».

إلى ذلك، قال مساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون العمليات، رئيس مجلس المرور الاتحادي، اللواء محمد سيف الزفين، إنه «عاين منظومة الخدمة المجتمعية في الولايات المتحدة الأميركية، وتبين أنها أهم كثيراً من الحبس، خصوصاً حين تطبق بحق مشاهير في المجتمع ألزموا بتنظيف شوارع أو الخدمة في دور رعاية».

وأضاف أن «الحبس تقييد للحرية لكن في بعض الحالات لا يحقق النتيجة المرجوة، بدليل ارتكاب أشخاص جرائم حبسوا بسببها سابقاً»، مشيراً إلى أن «هناك تجاوزات تمس المجتمع بشكل مباشر، مثل التعدي بالسب على الآخرين، أو رمي المهملات في الطرق العامة وغيرها، وقد تجاوزت الدول المتقدمة فكرة الحبس بحق هذه التجاوزات، وأعادت للمجتمع حقوقه مباشرة، من خلال إلزام هؤلاء المتجاوزين بأداء خدمة عامة».

وأشار إلى أن «التنوع الذي يميز المجتمع الإماراتي، وتطور التشريعات في الدولة يجعلها جاهزة لتطبيق منظومة الخدمة المجتمعية بحق الجميع دون استثناء»، مؤكداً أنها «ستكون رادعة خصوصاً في ما يتعلق بالخدمات التي لا يتقبلها أفراد المجتمع بسهولة مثل تنظيف الشوارع».

وأوضح أنه «تواصل مع شباب اعتادوا ممارسة هوايات الاستعراض، عقب تطبيق عقوبة تنظيف الشوارع على شباب أثاروا الفوضى في منطقة سيتي ووك، وأكدوا له أنهم لن يحاولوا مجرد التفكير في الاستعراض بالشوارع العامة مجدداً، حتى لا يتعرضوا لذلك».

وذكر أن «هناك بعض الجرائم يرتكبها أحداث ومراهقون بحكم هذه المرحلة العمرية التي تجعلهم أكثر طيشاً، وهؤلاء حبسهم لن يفيد بشيء، بل ربما يخرجون أكثر نزقاً وجنوحاً»، لافتاً إلى أنه «شاهد محاكمة لمراهقين أميركيين حكم عليهم القاضي بالخدمة العامة لمدة 100 يوم، في جرائم مماثلة، لأن حبسهم لن يفيدهم أو يفيد المجتمع في شيء، لكن إلزامهم بخدمة عامة سوف يقوّم سلوكياتهم».

وبيّن أن «الخدمة العامة ستسهم في تعديل كثير من القناعات الخاطئة، مثل التعالي على القيام بأعمال معينة والنظر لأصحابها بطريقة دونية»، موضحاً أن «هناك شباباً يفضلون الحبس وتقييد حريتهم عن إلزامهم بتنظيف الشوارع، أو المشاركة في تنظيم فعاليات، ويعتبرونها تمس كرامتهم، وتالياً فإن إلزامهم بالخدمة العامة من شأنه تهذيب نفوسهم وإكسابهم احترام الآخرين».

وأفاد الزفين، بأن «هناك رسالة أخرى أكثر أهمية من تطبيق منظومة الخدمة المجتمعية، وهي أن المجتمع بذاته قادر على تربية أي شخص لا يتلقى التربية المناسبة في منزله، الذي لم يحدد له بشكل واضح ما له من حقوق، وما عليه من واجبات».

من جهته، قال مدير عام معهد دبي القضائي، القاضي الدكتور جمال السميطي، إن «القانون نظم بشكل واضح أعمال الخدمة المجتمعية، والجرائم البسيطة المشار إليها ربما تكون مثل السرقات المحدودة التي يرتكبها مراهقون، أو بعض الجرائم المرتبطة بقانون الهجرة، أو التجاوزات المرورية، وبشكل عام الممارسات التي لا يكون لها تأثير قوي».

وأضاف أن «الخدمة المجتمعية في هذه الحالات لها فلسفة أو هدف مختلف، يتعلق بإعادة تأهيل الشخص نفسه، وليس مجرد حبسه وإخراجه دون أي تغيير على شخصيته، مثل لاعب كرة القدم الشهير إيريك كانتونا الذي اعتدى على أحد أفراد الجمهور أثناء طرده من الملعب، فحكم عليه بخدمة عامة 200 ساعة في العناية بالأطفال، لأن التواجد معهم يرقق القلب ويهذب النفس، وهذا هو الهدف الأسمى من الخدمة المجتمعية».

وأشار إلى أن «المنظومة التي اعتمدها مجلس الوزراء أخيراً تحقق هذه الأهداف بشكل مباشر، إذ إن هناك أعمالاً مجتمعية ينص عليها القانون، ويمكن اختيار أي منها حسب الجرم الذي ارتكبه الشخص»، مقترحاً أن «يسبقها دائماً محاضرة تأهيلية للشخص المعاقب يُشرح له خلالها سبب اختيار هذه الخدمة المجتمعية، والدور المنوط به، وكيف أنها ليست عقاباً بقدر كونها تأهيلاً له». وأوضح أن «الخدمة المجتمعية، ربما تكون أكثر ردعاً في بعض الحالات من الحبس ذاته، مثل إلزام شخص بتنظيف الشوارع، وهذا عمل كبير على أفراد المجتمع، ويمكن أن يقبل الشخص التعرض لأي عقوبة مقابل عدم فعل ذلك، لكن هذا في حد ذاته اعتقاد خاطئ فعمال النظافة يلقون احتراماً كبيراً في دول متقدمة، مثل اليابان وغيرها، ويجب أن تنتقل هذه القناعات إلينا».

 

للإطلاع على الخدمة المجتمعية ، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر