100 متطوع ينضمّون لـ «صنّاع الأمل» بمبادرة «عربكم»

النقبي تقوّم الأحداث بالفن.. و«العم موسى» جسر أمان للأطفال

صورة

تتلقى مبادرة «صنّاع الأمل» قصص نجاح ومبادرات جديدة، كل يوم، يحاول أصحابها تحسين نوعية الحياة، دون انتظار مقابل لما يصنعون سوى فتح نافذة أمل لمن حولهم.

ومنذ إطلاق مبادرة «صنّاع الأمل»، مطلع الشهر الجاري، نجحت في جذب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي، يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. وتلقت مبادرة «صنّاع الأمل»، حتى اليوم، أكثر من 50 ألف قصة أمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشروعات ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم.

وسعياً لمشاركة الناس هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، تستعرض مبادرة «صنّاع الأمل» بعض قصص صنّاع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.


النقبي تغرس الأمل في نفوس الأحداث


العمل دون مقابل

تتكون «عربكم» من 100 متطوع ومتطوعة، معظمهم طلبة يدرسون في مختلف كليات جامعة مؤتة الأردنية، يرفعون شعار «العمل معاً لخدمة الآخرين دون مقابل».

ومنذ انطلاق المبادرة، قبل نحو عامين، باتت جزءاً من المشهد المجتمعي في مدينة الكرك، كما عُرفت بنشاطها الخدمي والتطوعي والتثقيفي في جامعة مؤتة من خلال العديد من الورش والدورات التدريبية التي تتناول آليات العمل التطوعي.


رسالة شكر

يعتبر «العم موسى» مساعدة تلاميذ المدارس في عبور الشوارع إلى مدارسهم، أحب الأعمال إلى قلبه، خصوصاً أن الأطفال يشعرون معه باطمئنان، ومنذ ثلاثة عقود يمارس «العم موسى» هوايته بسعادة، ولم يتخلف عنها يوماً واحداً.

ومن حين لآخر يهديه التلاميذ «رسمة» أو يكتبون له رسالة شكر، حيث يحتفظ بعدد كبير من هذه التذكارات والرسائل الثمينة التي تذكّره بنبل رسالته.

ما نزرعه من جمال وإبداع وحب وعطاء هو ما نحصده، مقولة آمنت بها شيخة النقبي، ولمستها على أرض الواقع من خلال تجربة إنسانية نفذتها، وعاشت نتائجها.

والنقبي فنانة تشكيلية تعمل في إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة، تعشق الفن والمسرح، وتعود قصتها في عام 2011 عندما بدأت تصميم ورش فنية وتشكيلية ومسرحية وفوتوغرافية وتقديمها إلى مجموعة من الأحداث المقيمين في مراكز الأحداث في إمارتي الشارقة والفجيرة، بهدف مساعدتهم على اكتشاف مواهبهم وتقدير الفن والإبداع، وتوجيه طاقاتهم بصورة إيجابية، على نحو يسهم مستقبلاً في إقصائهم عن عوالم الجريمة والانحراف.

وترى النقبي أن مثل هذه الدورات مهمة لهؤلاء الأحداث، فالمراكز التي تؤويهم تأهيلية بالدرجة الأولى، ومن شأن مثل هذه التجربة الفنية أن تشجعهم على بناء شخصياتهم وتعزيز قدراتهم، وتسهيل عودتهم إلى حياتهم الطبيعية ما قبل التحاقهم بالمؤسسة الإصلاحية، لأي سبب كان، كما قد تكون باباً يفتح لهم مجالاً لتطوير مواهبهم الفنية، سواء بالدراسة المتخصصة أو من خلال العمل في هذا المجال.

وقالت النقبي إن عشقها للفن غيّر حياتها للأفضل، وهو تغيير فضلت أن تتقاسمه مع الآخرين، مشيرة إلى أن اختيارها فئة الأحداث تحديداً لقناعتها بأنهم الأجدر باكتشاف مجالات وفرص متنوعة للإبداع، كي لا يسقطوا في الفراغ أو اليأس، وكي لا يكونوا نهباً للأفكار والسلوكيات الهدامة.

وخلال سنوات عملها في تدريب الأحداث، استطاعت النقبي أن تبرز أفضل ما لدى هؤلاء الفتية، الواقعة أعمارهم بين 11 و18 عاماً، ولمست تغييراً واضحاً في شخصياتهم، إذ غدا لدى عدد كبير منهم الأمل بأن يبدأ حياة جديدة، حياة أكثر عطاء وإبداعاً وإيجابية في انتظارهم خارج المؤسسة الإصلاحية، هذا التغيير بحد ذاته مدعاة لشعور النقبي بالفرح، وبأن عطاءها ترك أثراً طيباً وأثمر نتائج إيجابية.

وتدرك النقبي أن مبادرتها الفردية سيكون تأثيرها أكبر لو قُدِّر لها الحصول على الإمكانات والتسهيلات اللازمة التي تمكنها من تطوير برامجها وتدريب آخرين، كي يشاركوها صناعة الأمل وتعزيز قيم الإيجابية وسط شريحة مهمة في المجتمع، مثل الأحداث، فأن تسهم في بناء إنسان صالح، مبدع، ومعطاء، هو أن تبني أجمل أمل وأجمل وطن.

«العم موسى» وهب نفسه لمساعدة التلاميذ

بينما كان موسى الزويري، في طريقه إلى العمل، في العاصمة الأردنية عمّان، شاهد حادث دهس راح ضحيته طفل صغير كان يحاول عبور الشارع إلى المدرسة، كان مشهداً مؤلماً بحق، والأكثر إيلاماً أنه وقع أمام مجموعة من التلاميذ الصغار الذين تجمّدوا من الخوف أمام منظر زميلهم المسجى في الشارع غارقاً في دمائه.

وحاول الزويري أن يهدئ من روع التلاميذ الصغار، فـأخذهم من أيديهم، ليساعدهم في عبور الشارع إلى مدرستهم بسلام.

كان ذلك الحادث منذ نحو 30 عاماً، ومنذ ذلك التاريخ، قرر الزويري أن يكون عوناً للطلبة الصغار في مختلف مدارس عمّان، حريصاً منذ ساعات الصباح الأولى، مع توجه التلاميذ إلى مدارسهم، على أن يكون متواجداً بالقرب من مدرسة تطل على شارع لا تهدأ فيه حركة السيارات، حيث يتولى تجميع التلاميذ على الرصيف، ثم إيقاف السيارات والعبور بمجموعة منهم إلى المدرسة، قبل العودة إلى دفعة ثانية وهكذا، حتى يتأكد من دخول جميع التلاميذ بسلام إلى مدارسهم، أياً كان عددهم، وكما يبدأ موسى اليوم الدراسي مع الصغار، فإنه ينهيه معهم، حيث يكون في انتظارهم آخر الدوام عند بوابة المدرسة ليقطع بهم الشارع إلى الضفة الأخرى.

مع الوقت، بات الزويري، أو «العم موسى»، كما يلقبه الصغار، وجهاً مألوفاً، يشعر التلاميذ بوجوده بالأمان، فسلّط الإعلام الضوء عليه، الأمر الذي دعا المسؤولين في «أمانة عمّان» إلى زيارة الموقع ومعاينته، ومن ثم بناء جسر لعبور المشاة.

فما كان من «العم موسى» إلا أن بحث عن مدرسة أخرى، كي يتابع رسالته الإنسانية، متنقلاً خلال العقود الثلاثة الماضية بين مواقع عدة لمساعدة الطلبة على عبور الشوارع، وسط دعم وزارة التربية له، خصوصاً حين قام بتشكيل وتدريب عدد من فرق الإرشاد المروري من طلبة وطالبات المدارس الأكبر سناً لمساعدة زملائهم في العبور الآمن إلى مدارسهم.

خلال العقود الثلاثة الماضية، تم بناء جسور مشاة عدة في عمّان بالقرب من مواقع المدارس، التي اشتغل فيها الزويري، سعيداً وهو يرى رسالته تؤدي غايتها وتؤتي ثمارها، فهذه الجسور لم تكن ربما لتُبنى إلا لأنه اختار أن يكون هو نفسه جسراً آمناً وسالماً للصغار، يحميهم من وحوش الطرق المسرعة.

اليوم، لايزال العم موسى يؤدي مهمته التي نذر حياته من أجلها، مسجلاً بذلك ما قد يكون العمل التطوعي الفردي الأطول عمراً.

ولا يخفي العم موسى سعادته واعتزازه بعمله، فخلال السنوات التي ساعد فيها التلاميذ على عبور الشوارع لم يقع حادث واحد أو يتعرض أي طفل للخطر، وهذا بحد ذاته فرق.. فرق كبير لصالح الحياة.

«عربكم» من رحم جامعة مؤتة

عظمة الفكرة، مهما كانت بساطتها، هي في نتائجها، هذا ما تثبته مبادرة «عربكم» التطوعية التي أطلقتها مجموعة من الشباب في جامعة مؤتة بمدينة الكرك في الأردن.

صاحب الفكرة ومؤسس المبادرة الشاب ليث المجالي، مع عدد من رفاقه، ولم يكن يتخيل أن فكرته، التي بدت عابرة للوهلة الأولى، يمكن أن تترك صدى كبيراً لدى زملائه في الجامعة، بل حتى إن عشرات منهم لم يترددوا في مشاركته فكرته الإنسانية، وهكذا انطلقت «عربكم» كمبادرة تطوعية شبابية تهدف إلى خدمة المجتمع المحلي من خلال تقديم خدمات وتبرعات ومساعدات إنسانية وأعمال تطوعية متنوعة.

واستطاعت «عربكم» أن تترك بصمة عبر مجموعة من الأنشطة والأعمال الإنسانية والخيرية الهادفة إلى نشر الأمل في مجتمعهم، ومن أحدث مبادرات المجموعة توزيع 500 طرد خيري في شهر رمضان، وتوزيع ملابس على أكثر من 1000 عائلة متعففة، وزراعة الأشجار لتجميل البيئة المحلية، وصيانة عدد من المباني والمرافق العامة، وزيارة مرضى في المستشفيات للاطمئنان عليهم والتخفيف عنهم، إلى جانب تنظيم العديد من الحملات التوعوية لحث الشباب على التطوع والانخراط في العمل الإنساني، وتوضيح المجالات المتاحة لخدمة مجتمعهم.

ويبلغ عدد المنضوين في «عربكم» 100 متطوع ومتطوعة، ويوماً بعد آخر تكتسب المبادرة زخماً وانتشاراً، وسط إقبال عدد متزايد من الشباب المتحمس على أن يكون جزءاً من رسالتها.

و«عربكم» مبادرة تطوعية غير ربحية تعمل بتمويل ذاتي، أما الحلم فهو أن تكبر المبادرة لتصبح مؤسسة، ذات برامج تطوعية شاملة، تقدم خدمات وبرامج مساعدات إنسانية شاملة، يستفيد منها المجتمع المحلي بصورة أكبر، فالمتطوعون في «عربكم» يؤمنون بأن الأمل يكون أجمل كلما شمل أكبر عدد من الناس.

تويتر