تضم مبادرات تساعد الناس وتحسّن نوعية الحياة وتبحث عن حلول لتحديات تواجه المجتمعات

«صنّاع الأمل» تستقبل 50 ألف قصة من العالم العربي

صورة

نجحت مبادرة «صنّاع الأمل»، منذ إطلاقها مطلع الشهر الجاري، في جذب عدد كبير من مشاركات الشباب من مختلف أنحاء العالم العربي، الذين يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. وتلقت المبادرة، حتى اليوم، أكثر من 50 ألف قصة أمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشروعات ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة، أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم.

دعم الابتكارات الشبابية

أفادت الأستاذ المساعد بكلية التربية النوعية في جامعة القاهرة، الدكتورة غادة عبدالرحيم، بأن جمعية «ولادها سندها» لا تقبل أي تمويل خارجي، وكل أوجه الدعم الذي تتلقاه المؤسسة عن طريق الصندوق الاجتماعي ووزارة التعاون الدولي في مصر، وبعض الشركات الخاصة التي تقدم دعماً للمشروعات الصغيرة التي يشرف عليها الشباب.

وتابعت أن «ولادها سندها» نجحت في دعم العديد من الابتكارات الشبابية التي حصدت الجوائز العالمية، وسجلت الكثير من براءات الاختراع، وتوجت مبتكرين من مختلف الأعمار، أصغرهم طفل يبلغ من العمر ست سنوات، ابتكر سيارة للكشف عن المفرقعات.

وكان العالم المصري الدكتور فاروق الباز، أعلن دعمه لـ«ولادها سندها» في مسابقة «صنّاع الأمل»، كما تلقت عبدالرحيم دعماً من عدد كبير من نجوم مصر، مثل يسرا وعزت أبوعوف ومها أبوعوف وتامر عبدالمنعم وأحمد بدير، وغيرهم.


«صنّاع الأمل» تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في العالم العربي من المحيط إلى الخليج.

وتستعرض المبادرة بعض قصص صنّاع الأمل، التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، سعياً لمشاركة الناس هذه القصص، كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل.

«الحاجة أم الاختراع» حكمة قديمة، طبقها الشاب الفلسطيني جهاد شجاعية، عندما كان يحتاج إلى التعليم فابتكر طريقة لمساعدة زملائه من الطلبة المحتاجين لمواصلة تعليمهم الجامعي، إيماناً منه بقطف المعرفة على الرغم من أنف التحديات والظروف الصعبة، فأصبح أحد وجوه صناعة الأمل الجميل.

انطلقت فكرة شجاعية، عام 2007 من معاناة شخصية عاشها، حين كان طالباً في إحدى الجامعات الفلسطينية، يجاهد لسداد أقساطه الدراسية، في ظل أوضاع سياسية واقتصادية صعبة في البلاد.

وحين أتمّ تعليمه الجامعي بنجاح، أدرك أنه يستطيع أن يسهم في التخفيف من معاناة بعض الطلبة الفقراء، خصوصاً المتفوقين منهم، فجاء مشروع «من طالب لطالب»، لمساعدة الطلبة الفقراء في الجامعات الفلسطينية لمواصلة تعليمهم وتوفير الدعم المالي لهم، عبر تغطية كلفة دراستهم الجامعية، وفي المقابل، يتعين على كل طالب جامعي يتلقى الدعم أن يتولى تدريس أربعة طلاب مدرسة على الأقل، ممن يعانون أوضاعاً مالية سيئة أو لديهم ضعف في التحصيل العلمي، بحيث يخصص الطالب الجامعي المستفيد من المنحة بضع ساعات متفقاً عليها أسبوعياً لتدريس هؤلاء الطلبة.

ومع نجاح الفكرة، تطور المشروع إلى «الفلسطينية لإسناد الطلبة» كمبادرة توفر الدعم حالياً لمئات الطلبة في مختلف أنحاء الجامعات الفلسطينية، وذلك من خلال صندوق «إسناد» للمنح الدراسية الجامعية.

وقال شجاعية، المؤسس والمدير التنفيذي لـ«الفلسطينية لإسناد الطلبة»، إن الهدف من المبادرة ليس فقط مساعدة الشباب الفلسطينيين على مواصلة تعليمهم الجامعي وتحسين فرصهم في العمل والحياة فحسب، وإنما تثقيفهم بقيمة العطاء وتشجيعهم على الانخراط في العمل التطوعي لخدمة مجتمعهم.

وحول آليات التمويل، أوضح أن المشروع في البداية بدأ على نطاق محدود، معتمداً على تبرعات فردية في الغالب، قبل أن يتوسع مع الوقت وتتسع دائرة الاستفادة منه، مع ازدياد عدد المانحين والمتبرعين من أفراد وشركات في القطاع الخاص، واستفاد من المبادرة أكثر من 2400 شاب وشابة، حتى اليوم.

وأفاد بأن «الفلسطينية لإسناد الطلبة» تتبنى ما يصفه بـ«التمييز الإيجابي» لصالح الفتيات الجامعيات اللاتي ينتزعن حصة الأسد من منح صندوق «إسناد»، واللاتي يثبتن أيضاً أنهن الأكثر التزاماً بالعمل التطوعي من خلال تدريس عدد أكبر من طلبة المدارس، وتحقيق نتائج أفضل معهم.

بحسب شجاعية، فإن «الفلسطينية لإسناد الطلبة» نجحت في بناء شخصية الطالب نفسياً وفكرياً وإنسانياً، إذ بات المستفيدون من المبادرة أكثر تحملاً للمسؤولية، وأكثر ثقةً بالنفس، وأكثر وعياً بأهمية مساعدة الآخرين وتعميم قيم الخير.

وأوضح أنها بدأت «من طالب لطالب»، وكبرت الفكرة ونمت لتصبح من مئات الطلبة لمئات ومئات الطلبة، كما انبثقت عنها عشرات المبادرات والمشروعات الشبابية الأخرى، والهدف في النهاية واحد: بناء ثقافة الأمل في مجتمع يقبض على جمر العلم والتعليم بأي ثمن، فالتعليم هو أول خطوة نحو الحرية.

برنامج «التعلُّم النشط»

القصة الثانية لمعلِّم في إحدى مدارس مدينة صور في سلطنة عمان، علي العريني، الذي يعتبر أن التعليم أكثر من مجرد مهنة، والحصص الدراسية لا تعني حشر رؤوس الطلبة بالمعلومات، ويؤمن بأن دوره كمعلم أن يضمن أن المعرفة استقرت في عقل طلبته وفي قلوبهم.في عام 2016، لاحظ العريني تراجعاً في نتائج طلبته في بعض المواد، مثل الرياضيات والعلوم، فبادر الى إنشاء فصل للتعلُّم النشط داخل مدرسته، بهدف رفع مستوى تحصيلهم الدراسي وإشراكهم في العملية التعليمية، وتحويل البيئة التعليمية إلى بيئة جاذبة ومحفزة لهم.

وانطلقت المبادرة مطلع العام الجاري، وعمل العريني على وضع استراتيجيات لتدريب المعلمين على أسس ومبادئ وتقنيات طريقة «التعلُّم النشط»، وتمّ تطبيق هذه الطريقة عمليّاً في أكثر من فصل داخل المدرسة، وسرعان ما لاحظ العريني وزملاؤه المعلّمون تحسناً ملحوظاً في نتائج الطلبة، فازداد عدد المعلمين الذين أقبلوا على تبنّي «التعلم النشط»، وازداد في الوقت نفسه تفاعل الطلاب مع هذا الأسلوب بصورة إيجابية.

وبدأت أولى مراحل تنفيذ برنامج «التعلُّم النشط» في أكتوبر 2016، وحتى الآن تم افتتاح فصلين لتفعيل استراتيجيات هذه الطريقة المبتكرة في التعليم، بعدما وافقت المدرسة على توفير المساحة اللازمة لذلك، كما تم إلزام كل معلم بتقديم حصة واحدة على الأقل أسبوعياً تطبّق منهجية «التعلّم النشط».

وواجه البرنامج تحديات جمة، كون التمويل ذاتيّاً من قِبل معلّمي المدرسة أنفسهم، وهو أمر لا يكفل استمرار البرنامج وتطوره، كما أن ضعف الموارد المالية يحول دون تأهيل جميع المعلمين لتبنّي «التعلّم النشط». ويطمح العريني الى أن تكون مدرسته محوريةً في تدريب وتأهيل الكفاءات التعليمية على «التعلم النشط»، وأن يتم تعميم الفكرة على جميع مدارس سلطنة عمان، بحيث لا تخلو أي مدرسة من فصل واحد على الأقل يطبّق استراتيجية «التعلّم النشط»، وقطع العريني أول خطوة نحو صناعة الأمل، ويتطلع إلى أن يتواصل هذا الأمل.

أجيال قادرة على القيادة

لم تعلم الأستاذ المساعد بكلية التربية النوعية في جامعة القاهرة، الدكتورة غادة عبدالرحيم، أن شغفها في الدراسات والبحث العلمي سيقودها إلى شغف آخر لدعم الشباب أصحاب الكفاءات في بلدها مصر، التي تخسر سنوياً مليارات الدولارات بسبب هجرة العقول.

وحلمت عبدالرحيم بجمع الشباب المصري المتفوق علمياً والمبتكر في المجال الثقافي والعلمي تحت مظلة واحدة بهدف إنتاج أفكار إبداعية، وتخريج أجيال قادرة على قيادة المجتمع، فأسست جمعية «ولادها سندها» مطلع 2015، واستلهمت فكرتها من أحد المشروعات الشبابية في نيجيريا، والتي تجمع سنوياً 100 شاب وشابة في مكان واحد بهدف توليد 100 فكرة إبداعية تعود بالفائدة على مجتمعهم. وسعت من خلال «ولادها سندها» إلى تأهيل 100 شاب وشابة مصرية من أصل آلاف الشباب الذين ينتمون للجمعية، وتدعم الجمعية اليوم أكثر من 500 من شباب مصر ممّن يمتلكون أكثر من 500 مشروع علمي قادر على دعم مسيرة التنمية في بلدهم وقيادة مشروعات مستقبلية.

وتحلم غادة بالحصول على الدعم الكافي والقادر على تمويل آلاف المشروعات الصغيرة التي قد تصل إلى 20 ألف مشروع، لدعم مسيرة التنمية والاقتصاد ومستقبل مصر.

وتؤمن عبدالرحيم بأن مستقبل مصر يكمن في شبابها، ولهذا هم بحاجة للكشف عن مواهبهم وتحفيزهم على الابتكار والبحث العلمي، إلى جانب كل الفنون، ونقلهم من حالة الإحباط واليأس، إلى التنمية وخدمة الوطن. وتدعم مبادرة «ولادها سندها» المواهب الشبابية، وتساعد أصحاب الابتكارات العلمية والمواهب الفنية، وتسهل مشاركاتهم الدولية لعرض ابتكاراتهم وإبداعاتهم، وتوفير الدعم المالي اللازم لهم إن لزم الأمر، لتنشر الأمل وفق معيار وحيد هو الإبداع العلمي والابتكار.

وقالت عبدالرحيم: «كل المبادرات والمشروعات التي نعمل عليها، كمؤسسة أهلية، تسعى إلى تعزيز ثقافة الأمل، خصوصاً أننا نتوجه للفئات والشرائح الاجتماعية التي يمثل الأمل لها الدافع والحافز الملهم، على المستويين الشخصي والجماعي، للوصول إلى غد أفضل».

وأشارت إلى أن إيجاد الأمل ورعايته ودعمه لدى الفرد والجماعة على السواء، صناعة تحتاج إلى تخطيط وجهد منظم ووعي، لتفجير الطاقات واكتشافها ومساندتها، لتنطلق وتتحقق على أرض الواقع، وتصنع حياة أجمل وأكثر إنسانية».

تويتر