والدتا «ناصر» و«ميرا» نجحتا في دمج ولديهما في المدارس الاعتيادية بمساعدة مركز «نمو الطفل»

مواطنتان تتركان وظيفتيهما وتتفرغان لعلاج ولديهما المصابين بـ «متلازمة دوان»

والدتا «ميرا» و«ناصر» سعيدتان بمتابعة ولديهما الصفوف الدراسية. تصوير: أحمد عرديتي

تركت امرأتان مواطنتان وظيفتيهما وتفرغتا للاهتمام بولديهما المصابين بمرض «متلازمة دوان»، وحققتا بعد «رحلة علاج مضنية» نجاحاً في علاج وتأهيل ولديهما حتى صارا فاعلين ويعتمدان على نفسيهما ومساهمين بشكل نشط في المسابقات المدرسية، في رحلة مملوءة بالتحديات النفسية والمجتمعية.

ضعف في القدرات الذهنية والنمو البدني

«ناصر» و«ميرا» مصابان بمتلازمة داون، ووفقاً للتعريف العلمي، فإن «مرض متلازمة داون ينتج عن تغير في الكروموسومات وتحديداً كروموسوم رقم 21 أو جزءاً منه، ويتسم المرض بوجود تغييرات كبيرة أو صغيرة في بنية الجسم، ويصاحبه غالباً ضعف في القدرات الذهنية والنمو البدني، كما يتضح بمظاهر وجهية مميزة، ويختلف النمو المعرفي بين المصابين بمتلازمة داون من شخص لآخر، ولا يمكن التنبؤ بمستوى قدرات المصاب عند ولادته بشكل يعتمد عليه، كما لا يمكن أن يتوقع نموه المعرفي بناء على سماته الجسدية الخاصة بالمرض».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/07/339866.jpg

«ميرا» و«ناصر» تغلبا على الصعاب واندمجا في المدارس الاعتيادية. الإمارات اليوم


معلمون متخصصون

أعربت أم ميرا وأم ناصر، عن سعادتهما الفائقة بتمكن ولديهما من متابعة الصفوف الدراسية، وأثنتا على جهود الدولة في دعم تلك الفئة من أفراد المجتمع، لا سيما مركز تطوير نمو الطفل الذي يتبنى استراتيجية تدريب وتأهيل الأسر على التعامل مع أطفالها، وهو الأمر الذي اعتبرته كل منهما الطريق الأمثل والأنجح للتغلب على نتائج المرض وتمكين الطفل ودمجه في المجتمع. لكنهما في الوقت نفسه أكدتا حاجتهما كما بقية الأسر التي تواجه الظروف نفسها، الى توفير كادر معلمين متفرغين ومتخصصين في المدارس العادية، لمتابعة الأطفال الذين لديهم اعاقه، مشيرتين إلا أن مهام المعلمين والمعلمات لا تعطيهم الفرصة لمتابعة الأطفال غير المصابين فكيف بالأطفال المرضى الذين يتطلبون قدرات متخصصة ومتفرغة، بينما لا يحظون حالياً الا باهتمام نابع من جهود وطاقات فردية يبذلها معلمون فاضت قلوبهم بالعطف والإنسانية.

وأكدت والدتا ناصر وميرا أنهما واجهتا إحباطات جسيمة في رحلتيهما، لكنهما رفضتا الاستسلام، ما جعلهما ينجحان في دمج طفليهما في المدارس الاعتيادية.

وتفصيلاً، تقول «أم ناصر» التي التقتها «الإمارات اليوم» مع «أم ميرا» في مركز تطوير نمو الطفل التابع لهيئة تنمية المجتمع في دبي، إن إصابة ابنها شخصت بعد شهور من ولادته، وحينها سألت الطبيب في المستشفى: ماذا تعنون تحديداً بمتلازمة داون، وماذا سيحدث لطفلي؟ فبادرها بإجابة اعتبرتها «مجردة من كل حس إنساني»: إنه طفل ليس منه فائدة، متخلف عقلياً، وستمكثين به في المنزل، هذا هو.. لا تعرفين؟ وقالت إن مفردات الطبيب صدمتها وأوجعتها، لكنها لم تنل من عزمها ولم تحبطها، لاسيما أنها قابلت لاحقاً أطباء وأخصائيين آخرين كانوا مصدر دعم ومساعدة في مشوار علاج طفلها.

وتابعت «تنقلت به في السنوات الأولى من مركز إلى آخر، حيث بدأت رحلة علاجه مبكراً، إذ تم افتتاح مركز تطوير نمو الطفل في دبي، فبدأت أتردد عليه منذ عام 2009 وباشرت بتطبيق الخطط العلاجية التي قررها الأخصائيون في المركز لمتابعة علاج ناصر».

وكانت أم ناصر قررت، بعد أن أيقنت مرض طفلها، ترك وظيفتها والتفرغ تماماً لرعايته منذ شهوره الأولى، حيث تطلب تدريبه على النطق سنوات، كما احتاج نحو عامين ونصف العام، ليتمكن من المشي، إذ غالباً ما يولد أطفال «متلازمة داون» بعضلات مرتخية تحتاج إلى جلسات علاجية تختلف بين حالة وأخرى. ونصحها أخصائي علاج النطق في بداية مشوارها، قائلاً: «هل تسمعين المعلقين الرياضيين في المباريات؟ أنت راح تصيرين واحداً منهم، عليك ان تكوني معلقاً رياضياً كل الوقت وليس في وقت معين».

وأضافت أنها كانت تشرح لـ «ناصر» كل ما تقوم به من أفعال على مدار الساعة، «الآن سنصعد إلى السيارة، وسنشغلها، ونسير بها إلى بيت جدتك، سنفتح باب المنزل حتى ندخل إليه»، وتقول إنها لاتزال تفعل ذلك حتى اليوم، على الرغم من أنه صار في الصف الرابع الابتدائي، ورغم أنها عينت له مدرسة ظل تساعده في المدرسة، غير أن ذلك لم يلغِ دورها اليومي في التدريب والتعليم اللذين يحتاجهما بشكل متواصل حتى يصل الى مرحلة يستطيع فيها الاعتماد على نفسه إلى حد كبير.

و«ناصر» طفل نشيط ومفعم بالطاقة، ويصر على المشاركة في كل المسابقات الفنية والرياضية المتاحة للطلاب، وكذلك البرامج التعليمية والاجتماعية، حتى إن والدته سجلته في جمعية الهلال الأحمر، وصار جزءاً أصيلاً في أسرة الفصل حتى كتب زملاؤه في نهاية العام إلى مدرسيهم إنهم لا يريدون الانتقال من الصف حتى لا يفارقون ناصر الذي يتفاعل معهم ويشاركهم كل نشاطاتهم.

أمّا «أم ميرا»، فصدمتها بإحدى المعلمات لا تقل عن صدمة «أم ناصر» بالطبيب، إذ قالت لها حين اصطحبت ميرا إلى إحدى المدارس لتسجيلها: «لماذا تأتين بها إلى هنا، ماذا ستستفيد؟ إنها غير قادرة على فهم أي شيء.. خليها في البيت». لكن أم ميرا لم تفعل، فتركت هي الأخرى وظيفتها، وقررت ألا تتخلى عنها، إلى أن تمكنها من التعلم الذي يؤهلها للاستقلال، حتى إن استغرق ذلك سنوات من الجهد والتدريب.

ونجحت «أم ميرا» في إقناع المعلمات والأطفال في المدرسة بأنهم قادرون على التعامل مع ميرا بعد أن قررت الذهاب يومياً والجلوس مع المعلمين، وحضور الصفوف كاملة لتدريبهم، على كيفية التعامل معها، حتى صارت ميرا اليوم المفضلة لدى زميلاتها ومدرساتها، ويلححن عليها للمشاركة في كل المناسبات واللقاءات حتى خارج المدرسة.

و«ميرا» طفلة هادئة ورقيقة، علمتها والدتها أن تفعل كل شيء بترتيب ونظافة، وستترفع في العام المقبل الى الصف السادس الابتدائي، وتقوم بوظائفها المدرسية وأداء الامتحانات مثلها مثل أقرانها في الصف. ورغم أنه يتم تعديل المنهج وفقاً لحالة الطفل العقلية والمعرفية، عند دمج الأطفال الذين لديهم إعاقة في المدارس العادية، الا أن «ميرا» واجهت معلمتها بغضبها لأنها لم تعطها ورقة امتحان مادة التربية الوطنية مثل بقية التلاميذ، فما كان من المعلمة الا أن اتصلت بوالدة ميرا وطلبت منها المجيء الى الصف ومراقبتها حتى تتمكن هي من الخروج لإعداد وطباعة ورقة الامتحان لميرا، التي قدمته في اليوم نفسه وحصلت فيه على الدرجة النهائية. وحين سألت أم ميرا المعلمة إذا كانت مستاءة من تصرف ميرا، قالت لها إنها سعيدة بها وفخورة بقدرتها على العطاء والتفاعل.

تويتر