أكدوا أهميته في تحصين المجتمع ضد مروجي الشائعات والفتن

مختصون يطالبون بقانون يجــرّم التحريض على الكراهية

طالب مسؤولون ومختصون في الإعلام الاجتماعي وقانونيون، باستحداث قانون يجرّم التحريض على الكراهية، فعلاً وقولاً، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدي أو مواقع التواصل الاجتماعي، لتحصين المجتمع وحمايته، في ضوء ما تثيره هذه الجريمة من تداعيات سلبية خطرة، أهمها نشر الفتن والنعرات الطائفية التي تهدف إلى تقويض الاستقرار وهدم المنجزات الوطنية للدول.

مواد مقترحة

اقترح المحامي أحمد رمضان عدداً من المواد التي يمكن أن يتضمنها قانون الكراهية، ومنها: أن يحظر القيام أو الدعوة أو الحض بأي وسيلة من الوسائل على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع، أو إثارة الفتن الطائفية أو القبلية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أي عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو مذهب ديني أو جنس أو نسب، أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض، أو إذاعة أو نشر أو طبع أو بث أو إعادة بث أو إنتاج أو تداول أي محتوى أو مطبوع أو مادة مرئية أو مسموعة أو بث شائعات كاذبة تتضمن ما من شأنه أن يؤدي إلى ما تقدم، وكذا الحكم بالحبس على القائمين على إدارة أي مؤسسة تبث الكراهية ضد أي فئة من فئات المجتمع، وبمصادرة الوسائل والأموال والأدوات والصحف والمطبوعات المستعملة في ارتكاب الجريمة، وإلغاء الترخيص بمزاولة النشاط وتضاعف العقوبة في حالة العودة إلى ما أدى إليها.


250 ألف درهم عقوبة السبّ عبر «واتس أب»

أيدت المحكمة الاتحادية العليا طعن النيابة العامة ضد حكم استئناف قضى بعقوبة مخففة على متهم سب آخر بما يخدش اعتباره عبر برنامج الـ«واتس أب»، إذ أكدت وجوب تطبيق العقوبة التي نص عليها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وهي الغرامة 250 ألف درهم والإبعاد للأجنبي.

وأشارت المحكمة إلى أن «التهمة المسندة إلى المتهم تشكل جنحة وفقاً للمادة 20 من المرسوم للقانون رقم (5) لسنة 2012، في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ومن ثم فإنه لا يجوز أن تقضي المحكمة بغرامة تقل عن الحد الأدنى المقرر وقدرها 250 ألف درهم، بما يوجب نقض الحكم مع الإحالة». وأوضحت المحكمة أن القانون يعاقب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين ضد كل من سب الغير أو أسند إليه واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو الازدراء من قبل الآخرين.


انتحار

أشار الأكاديمي خبير المحتوى الرقمي ومجتمع المعرفة، الدكتور رامي عبود، إلى حادثة انتحار وزير إيرلندي في عام 2012 نتيجة الهجوم الشديد عليه عبر مواقع التواصل والرسائل النصية عبر الإنترنت بسبب أحد قراراته، كما سُجلت حالات انتحار مراهقين في السنوات الأخيرة بعد تعرضهم للاضطهاد عبر الإنترنت أو البلطجة، والتهديد عبر حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، لافتاً إلى أن ظاهرة التعبير الإسفافي السلبي عن الرأي، في مقابل التعبير الإيجابي عن الرأي، لا تقتصر على المجتمعات النامية أو الفقيرة، بل تمتد إلى الغنية.

ونوهوا بجهود القيادة في تكريس دولة القانون القائمة على العدل والمساواة، وإرساء مبدأ احترام الآخر، ونبذ العنصرية أو التحريض على الكراهية بأشكالها كافة، في الوقت الذي شهدت دول عربية انتشار تيارات وحملات تحريض على الكراهية، وتشويه الآخر، ونشر الشائعات المغرضة، ما أثار البلبلة والفوضى في هذه البلدان.

ورصدوا انتشار ظاهرة التحريض على الكراهية، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها الإساءة إلى دين معين، أو ممارسة العنف، والإيذاء ضد فئة بعينها، وإرسال رسائل الكراهية، والتقليل من شأن الآخرين، والإساءة إلى المواطن والوطن ونشر القصص المسيئة والنكت وغيرها من أفعال الكراهية.

شتائم وإثارة نعرات

وتفصيلاً، رصدت «الإمارات اليوم» على مواقع إلكترونية تجاوزات لفظية غير مقبولة تثير نعرات قبلية وطائفية بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، كما رصدت على موقعي التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة «فيس بوك» و«تويتر»، عدداً من التجاوزات اللفظية، ولاحظت أنها بدأت باختلاف في الرأي حول موضوع أو قضية، تبعه تراشق بالألفاظ وتلاسنات حادة، وصولاً إلى التجريح في الأعراض والسمعة، والتشكيك في الانتماءات، والسبّ والقذف بأقدح الكلمات والعبارات.

كما رصدت ردود فعل مبالغاً فيها، من شأنها أن تثير النعرات بين الأفراد على خلفية تباين وجدل في الآراء والمواقف، في ما بينهم تجاه قضايا سياسية مرتبطة بالتطورات السياسية التي يشهدها الوطن العربي.

وامتدت ظاهرة التراشق بالألفاظ النابية، وإثارة النعرات بين مشجعي مباريات كرة قدم على خلفية فوز فريق على آخر، ولم تسلم بعض الشخصيات المعروفة ومشاهير الفن والغناء من ظاهرة التجاوزات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وُجهت إلى بعضهم انتقادات حادة، وعبارات سبّ وقذف ضمن تغريدات على موقع «تويتر».

وفي هذا السياق، أثير محلياً، أخيراً، حوار ساخن عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بين ثلاثة مواطنين، وامرأة من جنسية دولة عربية، وتصاعد خلاف بين الجانبين إلى أن تحول إلى تبادل الشتائم والاتهامات، مستخدمين النعرات القبلية، ما دفع واحداً من أبناء إحدى القبائل التي تعرضت للسبّ والقذف إلى التقدم بشكوى إلى النيابة العامة ضد المرأة، فأمرت النيابة بإحضار المتهمين الأربعة والتحقيق معهم، بتهمة التحريض وإثارة النعرات القبلية والسبّ والقذف عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».

بلطجة رقمية

وحذر الأكاديمي خبير المحتوى الرقمي ومجتمع المعرفة، الدكتور رامي عبود، مما أسماه انفلاتاً مفاجئاً للمكبوتات الاجتماعية والثقافية والسياسية على المستوى العربي، عبر مسارب الـ(ويب)، لاسيما في ظل ازدياد مساحة الحرية الفردية، وقلة حدة الرقابة الخارجية على الذات، مشيراً إلى أن «فجائية هذا الانفلات أفضت إلى كثير من الممارسات السلوكية السلبية التي تعج بها الشبكات الاجتماعية وصفحات الـ(ويب)، وما فاقم من حدة هذه الممارسات السلبية هو تدني الوعي العربي بالتحولات الاجتماعية المصاحبة بمجتمع المعرفة».

وقال عبود: «المشرع ومن بعده السلطة التنفيذية، أمامهما تحدٍ كبير يكمن في كشف الخطوط الفاصلة بين ما هو تعبير عن الرأي من جانب، وما هو تحريض على العنف أو الكراهية أو السب والقذف أو ما بات يعرف بالبلطجة السيبرانية (cyberbullying) من جانب آخر، وما يفاقم من حدة التحديات هو الحجم الهائل لكتلة مستخدمي الإنترنت والإعلام الإجتماعي، ما يصعب من مهمة الرقابة، ويعزز آلية إنتاج أنماط السلوكيات السلبية بين مستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي، ولهذا يعاني موقع (تويتر) وغيره من شبكات معاناة شديدة في تتبع الحسابات التي يتم إنشاؤها كل لحظة، بهدف تجنيد الإرهابيين ونشر أفكار التطرف والتحريض على العنف في الشرق الأوسط والعالم».

ولفت عبود إلى أن «آليات التعبير عن الرأي ضمن الفضاء (السيبراني)، تتجاوز الفضاءات التقليدية، سواء كانت ورقية كالصحف والمجلات والكتب، أو عوالم رقمية، كالراديو والتلفزيون، وذلك من حيث محدداتها ومظاهرها».

وقال: «من حيث المحددات، فإن الحرية الفائقة المتاحة في الفضاء والناتجة عن انزياح الرقابة المجتمعية الخارجية التي عادة ما تردع الفرد، وتضبط ممارساته ضمن الجماعة الطبيعية؛ أما من حيث مظاهر التجلي، فنذكر على سبيل المثال، طبيعة الرسالة المعلوماتية من حيث استخدام تقنيات كمبيوترية متطورة، كالرسوم الغرافيكية وتقنيات الواقع الافتراضي، والتي تنتج رسائل بصرية فائقة تجعل المتلقي جزءاً منها، وتضعه تحت تأثيرها السحري».

وبين عبود أن «بعض كبريات الصحف أحجمت عن فتح التعليقات للقراء على نسخة مقالاتها المنشورة على الويب، بل إن كبار الكتاب رغم تمرسهم على النقد والنقد المضاد، يفضلون عدم فتح خاصية تعليق القراء على مقالاتهم، لما تسببه من إزعاج وضغوط نفسية للكتاب والصحافيين».

وأكد أنه لابد من استحداث قوانين وتشريعات وتفعيلها، بالتزامن مع نشر الوعي بين كل من أفراد المجتمع المحلي، والقائمين على تنفيذ التشريعات على حد سواء، بعبارة أخرى، إن وجود الرقيب الخارجي التشريعي أو الشرطي أو المجتمعي لا ينفي تفعيل الرقيب الداخلي أو الضمير، ذلك أن سلطة الضمير وفعله لابد وأن يكونا أسبق على السلطة الخارجية وفعلها.

قانون مفصل

من جهته، طالب الرئيس السابق للجنة الشؤون التشريعية والقانونية في المجلس الوطني الاتحادي، أحمد علي الزعابي، بدراسة سن تشريع يجرم التحريض على الكراهية والترويج لها عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، لافتاً إلى أهمية وجود قواعد قانونية تحدد مفهوم الكراهية وأشكالها، والعقوبات المترتبة على ارتكابها، مبيناً أن التحريض على الكراهية يُعد من السلوكيات البغيضة، التي تهدف إلى إثارة البلبلة والفتن والتناحر الطائفي والمذهبي بين أبناء المجتمع الواحد، لذا كان من الواجب أن يسن قانون يجرمها، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشهد تجاوزات غير قانونية وترويج شائعات وكراهية.

ونوه بجهود القيادة في تكريس دولة القانون القائمة على العدل وإرساء مبدأ عدم التحريض على الكراهية، وهو تطبيقاً لما يدعو إليه ديننا الإسلامي.

مظاهر الكراهية

من جانبه، أكد المحامي أحمد رمضان، أن الكراهية تعد من أخطر الأدوات الحديثة التي تفكك الروح الوطنية الواحدة وتدمر الإنسان وتجعله وحشاً شرساً تنعكس شروره على المجتمع والوطن، لافتاً إلى أن الكراهية يتبناها ويروجها مجموعة فاسدة، تبث سمومها وأحقادها عبر الوسائل المختلفة على مدار الساعة، لتحقيق أهداف مشبوهة.

واستعرض عدداً من مظاهر الكراهية، ومنها الإساءة إلى دين معين أو ممارسة العنف والإيذاء ضد فئة وإرسال رسائل الكراهية والتقليل من شأن الآخرين عبر الوسائل المختلفة، التي تبدو أكثر ظهوراً في الوقت الراهن عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الإساءة إلى المواطن والوطن وإثارة النزاعات التاريخية الميتة وإحيائها من جديد ورمي الكلمات الجارحة على الآخرين ونشر القصص والنكت، وغير ذلك من أفعال الكراهية بهدف التقليل من مكانتهم وتوسعة دائرة الكراهية نحوهم وهز الثقة بين أفراد المجتمع، ومحاولة الإساءة إلى النسيج الاجتماعي.

وأكد أهمية سن قانون يجرم الكراهية، ويعلي صوت الدولة الوطنية ويلجم كل الأصوات التي تنخر في المجتمع وتنشر الحقد والتحريض والكراهية، معتبراً أن وجود مثل هذا القانون بداية وخطوة مفيدة جداً في اتجاه نبذ العنف والكراهية، مشدّداً على أن المحاسبة القانونية هي حل رادع لمن سيطرت الكراهية عليهم، لاسيما في ظل ظروف أشد ما نحتاج فيها إلى التلاحم والتعاون والتكامل على خير يخدم المجتمع، مطالباً بتأسيس مفهوم جديد للتسامح والتعايش والتآلف يمنح حصانة ذاتية واجتماعية عالية ضد كل محاولات مروجي الكراهية وتغريرهم لضعاف النفوس.

شائعات مغرضة

من ناحيته، أشار نائب رئيس جمعية الإمارات للتطوع، محمد صالح بداه، إلى أهمية سن قانون يجرم أشكال الكراهية، ويحصن المجتمع ضد أي محاولات خبيثة تسعى إلى نشر الكراهية وإثارة الفتن والنعرات بين الأفراد، موضحاً أن هذا القانون يساعد الدولة في خططها التنموية والوطنية ويعزز من وحدة النسيج الوطني.

وحذر من مروجي الكراهية عبر مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، إذ يروجون الشائعات على أساس أنها حقائق مسلمة، ليتم تداولها عبر قطاع عريض من مستخدمي هذه المواقع، بحيث يتم خلق انطباع سلبي وكريه أو عدواني ضد شخص أو دولة أو موقف ما أو غير ذلك، مشيراً إلى أن رسائل الكراهية تحمل في طياتها سموماً تهدف إلى إثارة البلبلة والفتن والنعرات بين الأفراد وتفتيت الدول.

ولفت إلى أن الدولة أرست مبدأ عدم كراهية الآخر، أو التمييز ضد فئة بسبب دينها أو جنسيتها أو لونها، ووضعت القوانين الكفيلة لضمان حرية الأفراد، ولعل وجود أكثر من 200 جنسية تعيش حالياً في الدولة، هو خير دليل على انفتاح الإمارات على الآخرين، مؤكداً أن الدولة لا تسمح بإثارة النعرات والكراهية بين أفراد المجتمع، واللافت أن من يروجون لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هم فئات من خارج الدولة، معرباً عن تطلعه إلى أن يكون هناك تعاون عربي في توعية الأفراد بمخاطر الخلافات الفئوية وإثارة النعرات الطائفية.

الخطاب الديني

بدوره، نفى المختص في مجال الإعلام الأمني، الخبير الإعلامي عبدالله شاهين، أن يكون للقوانين وحدها الفاعلية السحرية لتعديل سلوكيات الأفراد على نحو عميق، موضحاً أن مناهضة أي سلوك سلبي والقضاء عليه يبدأ من الأسرة والمؤسسات المعنية بالتربية والتثقيف لترسيخ القيم الجمالية والحضارية، وغرسها في النفوس على نحو راسخ ومقنع بعيداً عن الجبر والإذعان.

وحمل شاهين بعض رجال الدين والوعاظ في بعض الدول مسؤولية ما نشهده من كراهية وازدراء لمخالفي الرأي وتنامي ظاهرة التباغض والتنابذ سواء المذهبي أو الفكري، وذلك ببثهم مقولات تنطوي على تحقير الآخر.

وأضاف شاهين أن الفضائيات (المتأسلمة) تنشغل بالخرافات والأساطير وعالم الأموات من دون أن تلقي الضوء على ما يعانيه العالم الاسلامي من جهل وفقر وتخلف، ولا نكاد نجد جهوداً إعلامية ودينية حقيقية وجادة تحض على المحبة والتسامح وتقبل الآخر ومشروعية الاختلاف، وغيرها من قيم التعايش والسلام التي يقوم عليها السلم الاجتماعي العام.

وتأكيداً لمسؤولية الإعلام عما نشهده من تنامي لظاهرة الكراهية والتحريض، انتقد شاهين إحدى القنوات الفضائية التي قدمت النموذج الأسوأ في الحوار بين الرأي والرأي الآخر لتغذية النعرات الإقليمية والمذهبية والتحزبات السياسية والدينية، وذلك تقديماً للمصلحة الآنية الضيقة على المصلحة العامة لشعوب المنطقة، ولقد اثبت الإعلام السائد تورطه السافر عبر دراسة أعدتها جامعة نايف للعلوم الأمنية في دور الاعلام بإثارة الكراهية في المجال الرياضي (كمثال)، وما يستخدمه من لغة استدعائية ومثيرة بين الجماهير الرياضية بغية الكسب المادي من دون مراعاة للحمة وطنية أو تماسك شعبي ما يؤصل لنهج الكراهية بين أبناء البلد الواحد، ويفتت عزمهم وطاقتهم على حقول هامشية.

تويتر