أكدوا خلال منتدى «السلم في المجتمعات المسلمة» أهمية تجديد الخطاب الديني والتركيز على قيم التسامح

علماء دين يدعون إلى مواجهة الأفكار المتطرفة ونشر ثقافة الاعتدال

عبدالله بن زايد شهد افتتاح المنتدى بحضور عدد من العلماء. تصوير: نجيب محمود

شهد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، أمس، افتتاح فعاليات منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، في أبوظبي، بحضور أكثر من 350 عالماً ومفكراً إسلامياً من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى 60 متحدثاً، الذين دعوا إلى مواجهة الأفكار المتطرفة، ونشر ثقافة الاعتدال، رافضين تحميل الخطاب الديني وحده مسؤولية ظهور الجماعات التكفيرية، وأكدوا أهمية تجديد الخطاب الديني، والتركيز على قيم السلم والتسامح والمحبة والحوار، التي جاء بها الدين الإسلامي وعمل على نشرها بين الأمم.

وتفصيلاً، أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في كلمته أن الخطاب الديني لا يتحمل وحده مسؤولية ظهور «داعش» وغيرها من التنظيمات الإرهابية المسلحة، وإنما هناك عوامل أخرى ساهمت في ظهور هذه الجماعات.

تحذير من فتاوى الجماعات التكفيرية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/8ae6c6c54aa0819a014d00e2680a0006.jpg

نبّه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في كلمته إلى أن بعض الفتاوى والأحكام التي صدرت في عصور مضت إنما ظهرت في زمان غير زماننا، ووفق شروط اقتضتها الظروف، متطرقاً إلى استناد بعض الجمعات التكفيرية إلى فقه وأحكام ابن تيمية، حيث جرى تحريفها بما يخدم مصالحهم. وحذر من خطورة الاختراق الكبير من قبل الجماعات التكفيرية والإرهابية لوسائل الاتصال الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وقدرتهم على التأثير في الشباب واستقطابهم بشكل متنامٍ، داعياً إلى التصدي لهذا الخرق، عبر التواصل مع جيل الشباب، وتوضيح القيم الإسلامية الحقيقية السمحة.

وذكر أن «الحملات التي تشنها وسائل الإعلام على الخطاب الديني بحسبانه المسؤول الأول والأخير عن ظهور (داعش) وأخواتها وبنيها وحفدتها هي حملات تتصف بالسطحية في تبسيط الأمور، إذ تختزل أسباب ظهور هذه الجماعات في سبب واحد هو الخطاب الديني، فإنها تتغافل أو تتعامى عن عوامل أخرى دفينة دفعت بهؤلاء الشباب إلى انتهاج العنف المسلح كحل أخير يائس لتغيير مجتمعاتهم».

ولفت إلى أن «الإخفاقات المتتالية وثقافة التهميش التي عاشها هذا الجيل على أكثر من مستوى، أسهمت في شعور الكثيرين بالإحباط واليأس، خصوصاً الإخفاقات السياسية والاقتصادية والنفسية»، مشدداً على أن «الخطاب الديني وحده ليس هو الحل، بل جزء من حل المشكلة، فهناك خطابات عدة سياسية واقتصادية وتعليمية وثقافية وإعلامية وفنية كانت معاول هدم وتحطيم لآمال الناس وأحلامهم، وتحتاج إلى إصلاح لا يقل شأناً ولا خطراً عن إصلاح الخطاب الديني».

وأكد الطيب «الحاجة إلى مراجعة أمينة وقراءة نقدية لبعض المفاهيم في التراث الإسلامي، وبيانها للناشئة من التلاميذ، ولطلاب الجامعات في مقررات دراسية جادة تسهم في تحصين شباب العرب والمسلمين من الوقوع في براثن هذه الجماعات المسلحة».

وأكد «أهمية وضع رؤية استراتيجية واضحة المعالم بينة الأهداف والغايات، لانتشال الشباب من حالة الاضطراب والتذبذب العقدي والفكري، إلى حالة الهدوء النفسي والاستقرار الإيماني والفهم الصحيح للدين».

وشرح أن «الإسلام لا يبيح القتل إلا في حالة واحدة وحيدة، هي رد الاعتداء أو استيفاء حق من حقوق الله تعالى الثابتة بنص قطعي الدلالة والثبوت، ومن هنا ندرك لماذا حرّم الإسلام على المسلمين قتل الضعفاء في معسكر العدو، ومنع هدم بنيانهم، وحرق أشجارهم وقتل نحلهم وحيواناتهم إلا لضرورة الأكل وعلى قدرها، لا تتجاوزه ولا تتعداه».

وأكد أن «مهمة إحياء فقه السلام في دين الإسلام أصولاً وتراثاً أمر لم يعد ترفاً أو خياراً ممكناً، بل هو أشبه بطوق النجاة الآن، وحسناً فعل هذا المنتدى في تبنى مسؤولية جمع هذا الفقه وتجليته للخامل والنبيه على السواء».

ورأى أن «يتبنى المنتدى جمع الكتب والمجلات التي تصدرها الجماعات الإرهابية المسلحة، خصوصاً عبر وسائل النشر الإلكترونية، وتظهر بأكثر من لغة غير العربية، وتحمل خطراً داهماً على الشباب، بحيث يتم نقضها جملة وتفصيلاً، فضلاً عن محاصرة القواعد العقدية التي تنطلق منها جماعات القتل المسلحة، خصوصاً قاعدة التكفير أو مبدأ التكفير، الذي أصلوه في أدبياتهم، وضللوا به قطاعاً عريضاً من الشباب المسلم في الشرق والغرب».

ولفت إلى أن «جماعات الإرهاب المسلح اليوم تستند إلى أحكام ينقلونها عن ابن تيمية وابن كثير، تنص على أن النطق بالشهادتين لا يكفي للحكم بإسلام الشخص، بل لابد من اقتران العمل بهما، والخضوع الكامل لأحكام الإسلام والالتزام بالدفاع عن الجماعة والدولة الإسلامية والشريعة، وهذا فهم مغلوط، إذ قال ابن تيمية ذلك الكلام في القرنين السابع والثامن الهجريين، وكان مشغولاً بمواجهة المعارك العنيفة الدامية بين المسلمين وغارات التتار الذين أسقطوا بغداد واستولوا على الشام، ووصلوا إلى مصر التي هزمتهم في عين جالوت».

ونبّه إلى إن «هذه الفوضى الدموية التي تتخذ من مقولة التكفير حجة وسنداً، تحتاج إلى استنفار علماني يتصدى لهذه الفتنة في كل عواصم العالم العربي، بل في كل مدينة فيه، ولا يتحقق ذلك إلا بالنزول إلى حقول التعليم خصوصاً التعليم ما قبل الجامعي»، مبيناً أهمية «وجود مقرر دراسي جاد يفند أغاليط التكفيريين تفنيداً فكرياً وتربوياً على مستوى الوطن العربي، والتركيز على التعليم أو الخطاب التعليمي يعد أهم وأجدى من التركيز على خطاب الجمهور، لأن القاعدة العريضة من الجماهير لاتزال محصنة ضد ثقافة التكفير، لخلاف الجيل الجديد الذي يعول في اكتساب المعرفة على وسائل الاتصال الإلكترونية، وهي مخترقة اختراقاً كاملاً من قبل هذه الجماعات، وتستهدف أول ما تستهدف شباب الطلاب من المرحلة الثانوية والجامعية».

من جانبه، أكد رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الشيخ عبدالله بن بيه، أهمية تجديد الخطاب الديني والتركيز على قيم السلم والتسامح والمحبة والحوار، التي جاء بها الدين الإسلامي وعمل على نشرها بين الأمم، مشيراً إلى أهمية أن ينزل علماء الدين إلى الميدان وأرض الواقع لتبيان الأدلة الصحيحة لهذا الدين، ونقض كل التأويلات المغلوطة والتفسيرات المحرفة، التي تشكل غطاء للتطرف والعنف بكل أشكاله.

وعبّر بن بيه عن تفاؤله بأن ينجح المنتدى في تحقيق غايته الأساسية في نشر الاعتدال ومفاهيم السلم والحوار، خصوصاً أنه يعقد في رحاب دار زايد الخير وبرعاية قيادتها الرشيدة التي جعلت من دولة الإمارات واحة للاعتدال والوسطية والتآلف ما بين جميع الناس من مختلف الجنسيات والأعراق والأديان، فعكست بذلك صورة الإسلام الحقيقية الحضارية التي يعمل البعض من حيث يقصد أو لا يقصد على تشويهها والإساءة إليها.

وحذر بن بيه من التشويش على صفات الإسلام السلمية، خصوصاً في زمن انتشرت فيه الحروب والصراعات وأعمال الإرهاب، رافضاً تحميل المسؤولية بما آلت إليه أحوال المسلمين والصورة المشوّهة للإسلام التي تكونت في ذهن البعض عن الإسلام إلى نظرية المؤامرة فقط، بل لابد استدراك الأخطاء وتصويب البوصلة.

وقال إن المنتدى سيتطرق إلى مجموعة من المفاهيم مثل التكفير والجهاد التي يتخذها البعض ستاراً لتبرير أعماله الإرهابية ويلبسها لبوساً إسلامياً، والإسلام براء منها، موضحاً ان الجهاد له شروطه وأسبابه ودوافعه، وهو جاء في سياق تاريخي معين فرض وجوده لغاية محددة.

من جانبه، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في المملكة المغربية الدكتور أحمد التوفيق، أهمية السلم الذي هو أساس العبادة، إذ ينبغي على علماء الدين الإسلامي ان يكونوا من أحرص الناس على نشر السلم وتعاليمه، من اجل ضمان البيئة السليمة والصحيحة للعبادة.

وقال إن العلماء قادرون على إرساء دعائم السلم من خلال تولي اختصاصهم بالتبليغ وتصحيح المفاهيم الخاطئة والمشوهة للدين الحنيف، والتقرب من الناس وامتلاك قلوبهم بحسن العمل وطيب الكلمة، والتركيز على التعددية دون أن تخلق شقاقاً أو نزاعاً أو اختلافاً.

وأعرب عن شكره لدولة الإمارات على جهودها في استضافة المنتدى، الذي يحمل على عاتقه نشر رسالة الإسلام الصحيح، القائمة على السلم والاعتدال وتقبل الآخر، موضحاً أن الاستضافة تأتي تعبيراً عن النهج الوسطي المعتدل الذي تنتهجه الإمارات.

وشهد فعاليات المنتدى جلسات وورش عمل بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين، لنشر ثقافة السلام وتعزيز الجهود الرامية إلى مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة التي تخالف القيم الإنسانية ومبادئ الإسلام السمحة، بجانب التصدي لمخاطر الطائفية المذهبية والعنف الطائفي التي تسود العديد من المجتمعات العربية والإسلامية.

ويبحث المنتدى على مدى ثلاثة أيام حلولاً للقضايا التي تواجه المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وأسباب الانقسامات في المجتمعات الإسلامية، فيما تهدف رسالته إلى نبذ العنف وإرساء أسس السلام في كل مكان، وسيادة التفاهم بين الجميع، كما أنه مبادرة مهمة لدحض الأيديولوجيات المتطرفة بشكل كامل، مع تقديم الفهم الحقيقي للإسلام كدين الحكمة والرحمة والتسامح.

 

تويتر