رأي «الإمارات اليوم»

التطرف يخسر مجدداً

لا أحد كان يتوقع أن تذهب الأزمة الخليجية الأخيرة إلى تصعيد يهدد ثوابت التاريخ والجغرافيا، والمصالح، وقد تحققت أولى خطوات الانفراج، الخميس الماضي، مع توقيع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي على آلية لتنفيذ اتفاق الرياض.

مجلس التعاون، بصفته الصيغة الوحدوية العربية الناجحة منذ عقود، لا يستطيع المجازفة بمستقبل شعوبه، وسط عواصف الإقليم، لمجرد أن التطرف يريد أن يكسب معارك صغيرة، في هذه الدولة أو تلك، فأبرز ما أظهرته الأسابيع الماضية أن مياه الخليج العربي لا تصلح لهواة ركوب الأمواج، ورماله أكثر وضوحاً من أن يلمع بين كثبانها أي سراب، أو تختفي فيها أي خديعة.

ما حدث كان مخرجاً ذكياً وهادئاً للأزمة، فدول المجلس الست وقّعت على الآلية، وليست قطر وحدها، ما يجعل الالتزام أكثر وجوباً وشمولية، غير أن الدوحة أكثر من غيرها باتت أمام خيار نهائي هذه المرة، إما أن تكون ركناً مسؤولاً في البيت الخليجي العربي، أو أنها في خندق أعدائها.

سينهمك الإعلام الرسمي والاجتماعي في تسريبات وقراءات كثيرة، لمعرفة كيف تنفذ السياسة القطرية الاتفاق، وما السقوف الزمنية المطروحة، وسيذهب بعيداً في التحليل، لكن الأكيد هو أن التطرف الذي يعتاش تقليدياً على الأزمات قد خسر جداً الخميس الماضي، وهذا هو المكسب الأهم للشعوب العربية في الخليج، ويجب أن يتعاظم هذا الكسب بألا تنجرّ النخب والشعوب من المدونين والمغردين في الإعلام الاجتماعي، تحديداً، إلى ساحات يفتحها دعاة الفتنة للشروخ والصدوع والألم، مرة أخرى.

صحيح، أن كل تسوية سياسية تحتاج إلى جدول زمني للتنفيذ، وحسابات دقيقة له، لكن الأصح أن التردد في التنفيذ، والمماطلة في تفاصيله، والالتفاف عليه، ستأخذ العلاقات الخليجية إلى أسوأ مراحلها، وربما إلى طريق لا عودة فيه. فما يجب أن ينتهي فوراً هو دعم واستضافة التطرف الديني، والتوقف عن دعم «الإخوان المسلمين»، وعدم مساندة أي طرف في اليمن يضر بمصالح مجلس التعاون، فهذا نص اتفاق الرياض، والأشقاء في قطر يعرفون تماماً الطرق والوسائل التي تؤدي إلى تنفيذه على أكمل ما يُرضي أشقاءهم، وعلى أتمّ ما يكون الأمر حفاظاً على أمن قطر وأهلها وجيرانها.

يجب أن تعي الدوحة أن لا حواضن للتطرف والإرهاب في البيت الخليجي، ولا لدعاته، وقد كشفت لها الأزمة، قبل غيرها، أن رموز التدين السياسي، لم يراعوا الحدّ الأدنى من آداب الضيافة العربية وتقاليدها، فهم أكلوا من خبزها وملحها، وشربوا من قهوتها، وناموا في بيوتها العربية، ثم استغلوا منابرها للإساءة إلى جيرانها، والتحريض ضد أمنهم واستقرارهم، مع علمهم بمتانة النسيج الاجتماعي بين شعوب الخليج العربي، وعلمهم بأنّ بين كل دولة وأخرى مصاهرات وصلات دم وقربى، وقد سالت دماؤهم معاً دفاعاً عن شواطئ هذا الخليج ضد غزاته، منذ قرون.

ليغادر الممثلون البارعون في أدوار الظلام هذه البلاد، إلى أي مسرح مناسب لإيهام جمهور آخر، فهنا شعوب مسلمة، لا يخدعها التبشير السياسي، وتعرف أكثر منهم قيم الإسلام وسماحته واعتداله، ولن «تُلدغ من جحر واحد مرتين».

تويتر