«الإمارات اليوم» تقترب من عالم النباشين.. وشركات تقدر الخسائر بـ ‬100 مليون درهم

«النباشة».. مهنـة تهـدد صناعــة التـدوير في الدولـة

صورة

يمتهن أشخاص من جنسيات دول آسيوية، ينتمون إلى فئتي العمالة السائبة والمخالفة، «النبش» في صناديق ومكبات النفايات. ويعتبرونها مصدراً أساسياً للمبالغ التي يحصّلونها من بيع ما يجدونه من علب معدنية من الحديد والألمنيوم وورق الكرتون والمواد البلاستيكية والزجاجية.

وقدر مسؤولون في شركات إعادة تدوير النفايات في الدولة، خسائر شركاتهم بما يقارب ‬100 مليون درهم سنوياً، بحدّ أدنى ‬10 ملايين درهم لكل شركة، محذرين من أن نبش النفايات يهدد قدرة الشركات العاملة في هذا المجال على الاستمرار.

وأكدت مصادر أن هناك سماسرة يديرون أعداداً من النباشين، ويتولون توزيعهم على المكبات وشراء معثوراتهم.

وحمّل مسؤولون في شركات إعادة تدوير البلديات المسؤولية عن ضعف الرقابة على الحاويات، فيما اعتبر مسؤولون في بلديات الدولة أن تعامل تجار مع النباشين وشراء المواد منهم هو السبب الأول في انتشار ظاهرة النبش.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2012/12/01-7-56478%20(1).jpg

ويبلغ إنتاج الفرد داخل الدولة من النفايات أربعة كيلوغرامات يومياً، يمكن الاستفادة من نصفها تقريباً في إعادة التدوير، فيما يراوح مجموع ما يحصل عليه النباش يومياً ما بين ‬10 و‬15 درهماً.

«الإمارات اليوم» رصدت الظاهرة، وتتبعت نباشين في مكبات نفايات مختلفة في دبي والشارقة، للوقوف على أسرار هذه السوق الخفيّة، ومعرفة أثر «النبش» على المجتمع اقتصادياً وصحياً.

ومع أن كثيرين فروا من المكان، بمجرد الاقتراب منهم، فقد تمكنت الصحيفة من إقناع بعضهم بسرد معلومات عن نشاطهم الذي قالوا إن ظروفهم الاجتماعية هي السبب الرئيس وراء انخراطهم فيه، على الرغم من معرفتهم بأنه يعرضهم للموت والمرض كل يوم.

وأضافوا أنهم يحصلون على مبلغ مالي لا يتجاوز بضعة دراهم، مؤكدين أنهم احترفوا هذه المهنة ويعتمدون عليها لأن عملهم الأساسي لا يوفر لهم دخلاً كافياً، فضلاً عن عدم وجود عمل آخر لهم داخل الدولة. لكنهم تجاهلوا أسئلة الصحيفة عن بطاقات عملهم وإقاماتهم.

وكشف نباشون أن هناك أسعاراً محددة للأشياء التي يبيعونها، يفرضها عليهم التجار الذين يتعاملون معهم، وهم في غالبيتهم أصحاب بقالات. وعلى سبيل المثال، فإن سعر الكيلوغرام الواحد من علب المشروبات الغازية المعدنية الفارغة، يباع بما يقلّ عن درهم واحد، لكن ثمنه يزداد في حال كان هناك طلب متزايد عليه.

وأكد آخرون وجود وسطاء وسماسرة يتولون توزيعهم على مكبات النفايات لجمع ما تحتوي عليه من «أشياء ثمينة».

وشرح نباش أن صندوق النفايات الذي يبتعد عنه المارة لكراهة رائحته، يعتبر كنزاً ثميناً بالنسبة له، مضيفاً أن أول ما يبحث عنه داخل الصندوق هو المعادن بمختلف أنواعها «لأنها أغلى سعراً من المواد الأخرى، وتالياً تحقق للنباش عائداً مالياً أكبر، فيما تأتي أوراق الكرتون والزجاج في المرتبة الثانية من اهتمام النباش لرخص سعرها مقابل المواد الأخرى».

وتابع أنه لا يحرص على اتباع أساليب وقائية تحميه من المخاطر الكامنة في صندوق النفايات، معتبراً أن التلوث بمحتويات الصندوق هو جزء من عمله اليومي.

لكنه يكتفي باستخدام عصا لنبش الصندوق، حتى يحمي يده من التعرض لجروح أو إصابات خطرة.

وأكد أنه تعرض لحوادث كثيرة أثناء البحث عن رزقه داخل صناديق القمامة. لكن ذلك لم يمنعه من معاودة العمل في هذا المجال، لأنه مصدر دخله الوحيد.

ورصدت الصحيفة في غرفة عمال كميات كبيرة من الكراتين، وعلب المشروبات الغازية وعلب المياه الفارغة مضغوطة في مكعبات بأحجام متساوية، إضافة الى أكياس الزجاج، والبلاستيك. وثبت عامل لوحة على جدار غرفته، قال إنه عثر عليها أخيراً في مكب النفايات، فيما وضع آخر قرب فراشه الأرضي باقة زهور بلاستيكية مغبرة.

كما لاحظت وجود أوانٍ معدنية، يستخدمها نباشون في إعداد طعامهم، إضافة إلى كراسي خشبية قديمة أجريت لها بعض التصليحات السريعة.

وأكد نباش أنها جزء من حصيلة النبش اليومي في صناديق القمامة، شارحاً أن «النفايات تختلف باختلاف المناطق السكنية، إذ تحفل صناديق النفايات في مناطق سكن المواطنين بكثير من المواد النافعة الثمينة، فيما تكون حاويات مناطق سكنية أخرى، شبه خاوية مما يمكن الاستفادة منه».

خسائر

مخاطر صحية

حذر مدير إدارة الطب الوقائي في وزارة الصحة الدكتور إبراهيم القاضي، من خطورة نبش صناديق ومكبات النفايات على الصحة العامة والمجتمع، معتبراً الأشخاص الممارسين لتلك المهنة بؤرا مرضية متنقلة، يمكن أن تصيب آخرون من المتعاملين معهم بأمراض خطرة، انتقلت إليهم من النفايات التي يتعاملون معها، دون أية تدابير وقائية. وأوضح أن صناديق القمامة تكن عادة مملوءة بالميكروبات والجراثيم الخطرة، الناتجة عن تحلل المواد العضوية بها، والتي يتطلب الاقتراب منها ارتداء ملابس وكمامات وقفازات ذات مواصفات صحية خاصة، تحمي صاحبها، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع هو تجرد هؤلاء العمال من كل هذه الضروريات والتعامل مع محتويات الصناديق بشكل مباشر، الأمر الذي يعرضهم لأمراض خطرة، ينشرونها في المجتمع من خلال مصافحة الآخرين أو القيام بطبخ الطعام في أماكن تجمعهم.

ولفت إلى أن أكثر المخاطر التي تتعرض لها هذه الفئة، هي وجود أجسام حادة ملوثة بين القمامة، تعرضهم لفيروسات شديدة الخطورة، تصيبهم بشكل مباشر وقد تقضي عليهم في وقت قصير، مشيراً إلى إمكانية تعرض كثيرين منهم إلى التسمم والموت خلال فترة زمنية قصيرة.

وطالب البلديات والجهات المسؤولة عن إدارة النفايات بضرورة إحكام غلق صناديق القمامة، والمكبات، للقضاء على هذه الممارسات الخطرة على المجتمع، ولوضع حد لانتشار الأمراض المعدية التي ينقلها هؤلاء العمال.

من جانب آخر، قال صاحب شركة «تدوير» إحدى أكبر الشركات المختصة في فرز وإعادة تدوير النفايات في الدولة، فارس سعيد، إن شركته تخسر سنوياً ما بين ‬10 و‬15 مليون درهم بسبب نباشي النفايات «إذ إنهم يجردون الصناديق والحاويات، ومكبات النفايات من كل مادة تصلح لإعادة التدوير، تاركين فقط النفايات العضوية، التي بالكاد تغطي نفقات إعادة تدويرها»، محذراً من أن «هذه الممارسات تهدد صناعة إعادة تدوير النفايات في الدولة» ومطالباً البلديات بدور أكبر في مراقبة الحاويات.

وأكد مدير عام إحدى أكبر شركات إعادة تدوير النفايات في الدولة، والخبير المتخصص في هذا الشأن، هيثم شقوارة، خسائر شركات إعادة التدوير بما يراوح بين ‬80 و‬100 مليون درهم سنوياً، بحدّ أدنى ‬10 ملايين درهم لكل شركة.

وأوضح شقوارة أن نباشي النفايات الذين تديرهم تشكيلات عصابية غامضة، يجردون صناديق ومكبات النفايات يومياً من نسبة تراوح بين ‬20 و‬25٪ من المواد القابلة لإعادة التدوير، التي تعتبر الركيزة الأساسية التي تقوم عليها صناعة إعادة التدوير، مؤكداً أن هذه الممارسات تكبد شركته خسائر تقدر بـ ‬15 مليون درهم سنوياً. وحث الجهات المعنية على تكثيف الرقابة على مكبات النفايات. وقدر مصدر اقتصادي، فضل عدم ذكر اسمه، حجم تجارة النفايات في السوق السوداء بـ ‬50 مليون درهم في دبي وحدها، كونها تنتج نفايات تعادل النفايات التي تنتجها بقية الإمارات مجتمعة، فيما يتجاوز حجم هذه التجارة ‬100 مليون درهم على مستوى الإمارات كافة، مشيراً إلى أن هذا الاستثمار يتزايد بشكل ملحوظ.

وأوضح أن أكبر معضلة تواجهها شركات إعادة التدوير بسبب هؤلاء النباشين هي عدم قدرتها على التوسع، إذ إن ما يصل إلى المصانع الرسمية المرخصة، لا يزيد على ‬30٪ من النفايات القابلة للتدوير، بعد أن يحصل النباشون على ما يريدونه من الحاويات، ويبيعونه في السوق السوداء.

ولم يستبعد المصدر أن تتسبب هذه الممارسات في تعريض صناعة إعادة التدوير في الدولة إلى تراجع كبير، وقد تضطر مصانع إلى الإغلاق نهائيا، فضلاً عن دفع المستثمرين إلى الإحجام عن إنشاء شركات إعادة تدوير جديدة داخل الدولة.

ولفت إلى أن النباشين يبيعون النفايات لتجار ووسطاء يتعاملون مع شركات مختصة في تصدير المواد الخام للخارج، منها شركات مرخصة وأخرى غير مرخصة، مطالباً بتطبيق قوانين تلزم الشركات بعدم تصدير النفايات للخارج.

وتابع أن هذا القطاع يحتاج لحماية قانونية تمكن الشركات العاملة من أداء دورها دون خسائر.

حلول

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2012/12/01-7-56478%20(2).jpg

بدورها، لفتت رئيسة مجموعة الإمارات للبيئة حبيبة المرعشي إلى أن رواج وانتشار ظاهرة النبش في النفايات مرتبطة بشكل رئيس بأسعار المواد القابلة للتدوير في السوق، إذ يراقب النباشون الأسعار ويعملون تبعا لعوائدها المالية، مطالبة بتكثيف الحملات الأمنية على هؤلاء العمال لضبطهم وترحيلهم من الدولة حفاظاً على الاقتصاد.

وأكد الخبير البيئي مستشار جمعية الدراسات الإنسانية الدكتور داوود كاظم، أن أبرز الحلول لعلاج هذه الظاهرة، هو فرز النفايات من المصدر، بحيث تخصص صناديق للمواد القابلة لإعادة التدوير في المناطق السكنية، تفرغها الشركات المختصة بإعادة التدوير يومياً، لتضيع بذلك الفرصة على ممتهني النبش في صناديق ومكبات النفايات.

واعتبر كاظم السياسة التي تدار بها النفايات في الدولة «غير مناسبة» بدءاً من خلط النفايات مع بعضها بعضا في صندوق واحد، ونقلها الى مكب واحد، لافتاً الى خطورة تفاعل هذه المواد المختلفة مع بعضها، وانتهاء بعدم وجود قوانين رادعة تقنن التعامل معها. وذكر أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن إنتاج الفرد داخل الدولة من النفايات يومياً يبلغ أربعة كيلوغرامات، في حين يبلغ الإنتاج اليومي الكلي ‬32 مليون كيلوغرام من النفايات العامة، ‬50٪ منها قابلة لإعادة التدوير، و‬50٪ نفايات عضوية لها استخدامات مفيدة للبيئة.

حملات ضبط

وذكر مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي العميد خليل المنصوري، أن شرطة دبي تنسق مع البلدية لتنفيذ حملات ضبط للنباشين بين حين وآخر، مضيفاً أن هذه الحملات كشفت أن غالبية النباشين المضبوطين ينتمون إلى فئة العمالة السائبة والعاطلين عن العمل، ومخالفي قوانين الإقامة في الدولة.

أما مدير إدارة النفايات في بلدية دبي المهندس عبدالمجيد سيفائي، فأفاد بأن حاويات النفايات الموجودة في الأحياء السكنية، تحتوي على ‬7800 طن من أنواع مختلفة، تستخلص من نصفها المواد القابلة لإعادة التدوير، فيما تتبقى النفايات العضوية، التي يتم تحويلها إلى مواد مفيدة للتربة.

وأكد أن البلدية تخاطب النباشين من خلال الصحف الناطقة بلغاتهم، لتوعيتهم بأخطار هذا العمل، فضلاً عن فرض مخالفة ‬500 درهم لمن يضبط وهو يعبث بصناديق القمامة، نافياً إمكان ضبط الجهات التي تدير هؤلاء العمال «لأنهم يعملون بشكل فردي».

وحمل الشركات الخاصة العاملة في صناعة المواد الخام، المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالشركات الأخرى العاملة في هذه الصناعة، لأنها تستقبل هذه المواد من العمال، إذ إنها «تسهم بذلك في إنعاش تجارة النبش، واستمرارها».

وعزا مدير إدارة التفتيش والتراخيص في مركز إدارة النفايات في أبوظبي فارس المزروعي، الظاهرة إلى ازدهار تجارة المواد القابلة لإعادة التدوير محلياً وعالمياً، الأمر الذي شجع أعداداً كبيرة من العمالة الآسيوية خصوصاً، التي ليس لديها عمل دائم، على جمع المواد القابلة لإعادة التدوير من الحاويات.

وتابع أن المركز يعمل على القضاء على هذه الظاهرة بتكثيف حملات التفتيش، والمراقبة، مشيراً إلى إيفاد عدد من المفتشين إلى دائرة القضاء، للحصول على إجازة سلطة الضبطية القضائية ومعاقبة المخالفين في حال ضبطهم. كما أن المركز في انتظار لوائح قانونية جديدة، تكافح هذه الظاهرة.

وقال رئيس قسم النفايات الصلبة في بلدية الشارقة يوسف عبدالله الأحمد، إن البلدية ترصد باستمرار أماكن النباشين وتطاردهم.

ووصف هذه الفئة من العمالة بالتشكيلات العصابية في سلوكياتها وتصرفاتها، شارحاً أنهم يوزعون أنفسهم على مناطق مختلفة، ويتجمعون بعدها في مناطق أخرى لبيع حصيلة نبشهم.

وأكد أن البلدية ضبطت سيارات تقف في أماكن بعيدة، محملة بنفايات جمعها نباشون.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2012/12/01-7-56478%20(3).jpg

تويتر