الديون وتدخل الأهل والعناد والسهر خارج المنزل أهم أسباب الطلاق

أزواج يطرقون أبواب المحاكم في سنة أولى زواج

زيادة حالات الطلاق بين المتزوجين حديثاً فرضت نفسها على المنتديات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر»، خصوصاً بعد أن كشف خبراء مشورة أسرية، محاضرون في صندوق الزواج زيادة لجوء أزواج إلى شعبة الحالات الأسرية في المحاكم، في سنة أولى زواج للحصول على الطلاق، مطالبين بـ«تكثيف برامج ومحاضرات توعية المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثاً أيضاً، للحد من حالات الطلاق»، وفيما أفاد رئيس شعبة الحالات الأسرية، في محاكم دبي، المستشار الأسري، الدكتور عبدالعزيز الحمادي، أن أعداد قضايا الأحوال الشخصية تنمو بمقدار 10٪ سنوياً، إذ تلقت الشعبة 3013 مشكلة أسرية في عام ،2010 نتج عنها 798 حالة طلاق، عزا عديد من الأزواج والزوجات المطلقين أسباب انهيار الزواج في العام الأول، إلى خروج الزوج الدائم للقاء أصدقائه، ومطالبة الزوجة بحقها في الخروج للتنزه أو التسوق، وعدم تطابق طباع الزوجين، بالإضافة إلى مصروفات المنزل وأعباء أقساط الزواج، وتدخل الأهل، والـ«فيس بوك»، و«الشات» والإنترنت والتلفزيون.

وتفصيلاً، رصدت «الإمارات اليوم» نقاشات حادة بين مواطنين ومواطنات على منتديات اجتماعية على الإنترنت، حول أسباب مشكلات سنة أولى زواج، وما قد يصاحبها من انفصال أو لجوء إلى المحاكم، ما يصنع شرخاً بين الزوجين في بداية حياتهما.

تثقيف الشباب

قالت خبيرة المشورة الأسرية، المحاضرة في برنامج «إعداد»، اعتدال الشامسي، «نسعي من خلال برنامج إعداد إلى تثقيف الشباب وإطلاعهم على بعض الأفكار والمفاهيم التي ترتقي بهم للتواصل والتفاهم والحوار مع زوجاتهم وأسرهم».

وأوضحت أن هذا البرنامج يساعد على تقليل نسب الطلاق في المجتمع، ويدفع الزوجين إلى الشعور برغبة في إنجاح حياتهما الزوجية، مؤكدة أن أكبر نسبة طلاق في دول الخليج موجودة في المجتمع الإماراتي ووصلت 36٪ عام ،2010 مشيرة إلى أهمية هذه البرامج والمحاضرات ليس فقط للمقبلين على الزواج، بل للمتزوجين أيضاً للحد من هذه الظاهرة، وتقليل نسبة الطلاق. وطالبت بوجود دورات تنشيطية للمتزوجين لكسر حالات الملل التي تصيب الزوجين، مشيرة إلى أن هذه الدورات ينصح بها علماء الاجتماع وعلم النفس، حتى علماء الشريعة بدأوا يعطون هذا الموضوع أهمية قصوى، لأن الأسرة هي لبنة المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع.

واقترحت الشامسي عدم السماح للمقبلين على الزواج بعقد قرانهم إلا بشهادة تثبت حصولهم على هذا البرنامج، وحضورهم محاضراته بانتظام، مثلما يحدث عند شراء سيارة لا تتم إلا بحصول المشتري على رخصة قيادة تثبت أهليته لقيادة السيارة.

ملل الزوجات

قالت بعض الزوجات، إن الرجل في العام الأول من الزواج يظل يمارس حياته السابقة التي اعتاد عليها، من خروج وسهر، وعدم الحديث كثيراً مع الزوجة، ما يدفع الزوجة إلى الملل ويخلق مشكلات بينهما، خصوصاً أن معظم النقاشات في العام الأول غالباً ما تتحول إلى مشادات بسبب تمسك كل طرف برأيه.

وتقول (فاتن.ع) إن «زوجي كان يتعمد التقليل من شأني بشكل مستمر ودائماً يسفه رأيي، ولا يحب أن أناقشه في أي موضوع، والكلمة التي يقولها يريدها أن تنفذ دون نقاش، بالإضافة إلى أن معظم أوقات وجوده في البيت يقضيها أمام «بلاي ستيشن»، ولا يهتم بي أو يجلس معي، لذلك لم يستمر زواجنا سوى 11 شهراً فقط».

وترجع (مريم.ص) أسباب طلاقها قبل إتمام عام من الزواج إلى برامج التواصل الاجتماعي الـ«فيس بوك» و«الشات»، مؤكدة أن زوجها متعدد العلاقات النسائية على هذه البرامج، ويقضي معظم أوقاته في العالم الافتراضي.

وقالت: «اكتشفت أن كل ما يشغل بال زوجي هو النساء فقط، فلم يخل يوم من مكالمات غامضة، إلى جانب تأخره المستمر بعد العمل دون مبرر واضح، حتى تأكدت من علاقاته النسائية المتعددة، من خلال بعض الرسائل على البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى الأسماء المستعارة على هاتفه المحمول»، متابعة «لفت نظر زوجي أكثر من مرة، لكنه لم يهتم، وكان يقول إن هؤلاء النساء مجرد صديقات، وأنا الأهم عنده، لأني زوجته، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع قطع علاقته بهن، فطلبت الطلاق».

وتؤكد مشاركة أخرى في النقاشات (الخنساء)، أن حماتها كانت سبب طلاقها، موضحة أنها كانت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة في منزلها، وتتعمد انتقادها والتقليل من شأنها أمام الزوج، دون أن يدافع عنها، ولو لحفظ كرامتها، مشيرة إلى أنها عندما كانت تشكو إلى زوجها، يقول لها هذه أمي من حقها أن تقول وتفعل ما تريد، ويتهمها بالغيرة من والدته، ومحاولتها الوقيعة بينهما.

فيما ذكرت (سناء.م) أن أكثر ما يواجه حديثي الزواج من مشكلات سببه تخيل كل منهما أن الزواج هو امتداد لأيام الخطوبة من نزهات وكلمات حب في كل الأوقات، غير مدركين المسؤولية التي تنتظرهم، ومن أهمها إدارة الحياة المشتركة بالإمكانات المتوافرة لهما، خصوصاً أن العام الأول من الزواج دائماً ما يكون محملاً بأثقال تسديد مديـونيات الزواج التي غالباً ما تتراكم على الزوجين نتيجة سوء التخطيط من البداية.

وقالت: «أنا شخصياً فكرت في الانفصال بسبب تحول حياتي في بعض الأوقات إلى ما يشبه الجحيم»، موضحة أن «سداد ديون الزواج كان يستحوذ على أغلب راتبي وراتب زوجي، إلا أني عدلت عن فكرة الطلاق، ولم أعف نفسي من المسؤولية عما لحق بنا بسبب تراكم الديون»، معترفة بأنها بالغت في طلباتها خلال فترة الخطوبة.

من جانبها، أكدت إحدى المشاركات في النقاش (أم عمر) أنه في بداية كل زواج توجد مشكلات قد تؤدي إلى الانفصال، وهي شعور المتزوج بالوحدة أحياناً، على الرغم من وجود الطرف الآخر إلى جانبه، أو الشعور بالفتور وعدم الشعور بالدافع القوي للحب تجاه الطرف الآخر، بالإضافة إلى التغير الذي يطرأ على أحد الزوجين في الاهتمامات أو الشكل أو الهوايات، وعدم الاتفاق على كل شيء في الحياة العائلية بين الزوجين، واصطدام الزوجين بواقع الحياة ومشكلاتها، وتوقع كل طرف مزيداً من التضحيات من الطرف الآخر، واعتقاد الزوجين أن أيام الزواج ولياليها كلها سعادة ومتعة وفرح دون منغصات.

أسرار الأزواج

فيما حمل عديد من الأزواج زوجاتهم مسؤولية فشل الزواج وانهيار الأسرة بسبب التدليل الزائد، والطلبات المبالغ فيها، وإفشاء أسرار المنزل لأمهاتهن، ومقارنة أزوجهن بنجوم السينما، اعتقاداً منهن بأن الحياة الزوجية مثل ما يشاهدونه في الأفلام والمسلسلات الرومانسية.

ويقول مهندس برمجيات، خالد الحزين، «لجأت إلى الطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، بسبب إهمال زوجتي للبيت ولي شخصياً، والتفرغ إلى صديقاتها والتلفزيون والنوم، وأي شيء آخر يأتي بعد هذه الاهتمامات، فشعرت بأنني أعيش بمفردي في البيت، ولا يوجد أي فرق بين حياتي متزوجاً، وحياتي عازباً»، مشيراً إلى أنه شكا أكثر من مرة إلى أهل زوجته وطالبهم بنصيحتها بعد أن مل من لفت انتباهها، لكنهم لم يعطوا الأمر أي اهتمام، بل لم يظهروا أي تعاطف مع شكواه، وكذلك لم يحزنوا عندما وقع الطلاق.

فيما عزا فواز العاكف، أسباب طلاقه إلى مشاركة زوجته أمها في أسرار المنزل، ومقارنة حياتهما بحياة إخوتها وصديقتها، وعدم الرضا بأحوالهما مهما كانت، مشيراً إلى أن حماته كانت تشجع ابنتها دائماً على ذلك، ولم تنصحها بالرضا أو تحمل مسؤولياتها تجاه زوجها، لافتاً إلى أن أي قرار كان يتخذ داخل المنزل كانت زوجته ترفض الموافقة عليه قبل الرجوع إلى أمها واستشارتها فيه، ما دفعه لاتخاذ قرار الانفصال.

وقال محمد الصابر، إنه أثناء الخطوبة كانت عروسه مثل الملاك تفيض حباً وحناناً حتى إنه تعجل في إتمام الزواج ليكتشف أنها مجرد امرأة أنانية لا تحب سوى نفسها، ولا تسعى إلا لمتعتها فقط، لا تراعي ظروف الزوج، وما يتعرض له من ضغوط حياتية شديدة، في النهاية شعر بأنه يعيش مع إنسانة لا يعرفها، فقرر الطلاق للتخلص من حياة الملل التي يعيشها.

تصادم الطباع

من جانبه، قال الطبيب النفسي، أحمد صالح، إن السنة الأولى من الزواج تعد من أهم وأصعب سنوات الزواج التي تمر على الزوجين، لأنه قد يختلف الطرفان في العادات والتقاليد وأسلوب التفكير والتنشئة الاجتماعية وأسلوب معيشتهما قبل الزواج، وعدم تقارب طبعهما، فكل منهما يتمسك بقيمه الخاصة وتنشئته، فتتصادم الطباع بين الزوجين، وكل هذا يؤدي إلى ظهور العديد من الخلافات بينهما.

وأضاف صالح أن من أهم العوامل الموجودة في المجتمع حاليا وتؤدي إلى الطلاق في العام الأول من الزواج هو أن الأجيال الجديدة لا تقدر قيمة الأسرة، وليس لدى الزوجين استعداد لتقديم تنازلات حتى تستمر الأسرة.

وأوضح أن أبرز المشكلات التي تنشأ بين الزوجين في السنة الأولى هو فقدان المرأة الشعور بالأمان والحنان مع زوجها، أو تعرض زوجات لبعض الطرق التي تؤدي إلى الإيذاء النفسي أو العنف البدني من الأزواج، أو تدخل الحموات في الحياة الزوجية، أو تجاهل بعض الأزواج آراء زوجاتهم، وكل هذه المشكلات قد تجعل النساء حريصات على الابتعاد عن هذا الإيذاء، فيطلبن الطلاق، أو يشعر الرجل بإهمال الزوجة في شؤون البيت أو يحس باستهتارها بكرامته ورأيه فيطلقها على الفور حفاظاً على كرامته.

دعم وتوعية

في المقابل، أكدت مدير عام مؤسسة صندوق الزواج، حبيبة عيسى الحوسني، حرص الصندوق على تقديم الدعم المالي والتوعية اللازمة للمقبلين على الزواج، والإسهام في تكوين الأسرة الإماراتية القائمة على أسس سليمة لتحقيق التماسك والاستقرار، بالإضافة إلى متابعة المتزوجين ومساعدتهم على حل أي مشكلة قد تواجههم، لتفادي الانفصال.

وأوضحت أن الصندوق لديه خدمة الإرشاد الأسري التي تتولى مهمة الإرشاد والتوجيه كخدمة واجبة يقدمها الصندوق لدعم الأسرة وبناء المجتمع، وذلك عن طريق خطط وعمليات واعية ومستمرة، يستطيع الشخص أن يعالج من خلالها ما يواجهه من مشكلات، وذلك عن طريق المرشدين الاجتماعيين المتخصصين من ذوي الكفاءات العلمية والمهنية والخبرات المجتمعية.

وقالت الحوسني إن مؤسسة صندوق الزواج أطلقت حملة إعلامية توعوية أخيراً، تحت شعار «الحوار البناء وأهمية الاستقرار الأسري»، والتي تشمل محاضرات في جميع إمارات الدولة، وتصبو الحملة إلى خلق بيئة مناسبة لبناء أسرة مواطنة تتمتع بجميع مستلزمات الاستقرار والتماسك الذي يمكنها من إنجاب وتكوين أفراد مواطنين قادرين على خدمة وبناء وحماية الوطن.

وأشارت إلى أن الصندوق يسعى إلى تطوير أعماله وعدم قصرها على تقديم المنح المالية للمواطنين الشباب المقبلين على الزواج، بمبادرات داعمة مثل الحملات النصف السنوية التي يطلقها وتشمل الأهل والشباب والشابات المقبلين على الزواج، إلى جانب طلبة وطالبات الثانوية والجامعات والمعاهد والمدارس العسكرية، ويسعى الصندوق إلى تثقيفهم بمختلف أنواع المحاضرات والورش بأهمية الحوار، والتعامل الأسري والاجتماعي والعملي البناء والإيجابي والتفريق بينه وبين الحوار السلبي الهدام ونتائج كل منهما.

وأضافت الحوسني أن الصندوق أطلق برنامج «إعداد» للمقبلين على الزواج، الذي يشتمل على دورات تدريبية معتمدة للشباب الذين لديهم استعداد لزيادة المعرفة والوعي بمفهوم الزواج، وتقدير أهمية الخطوة التي سيقبلون عليها، لتوضيح التغيرات التي ستطرأ عند دخولهم حياة جديدة مغايرة لحياتهم السابقة التي عاشوها في كنف آبائهم.

مسؤوليات الزواج

إلى ذلك، قالت خبيرة المشورة الأسرية في صندوق الزواج، عائشة الحويدي، «نحن نعاني الأسر المفككة، وأشخاصاً غير مسؤولين، لا يعرفون عن الزواج ومسؤولياته شيئاً، والنتيجة تكون أبناء مدمرين».

وأضافت «لابد من تكاتف الجهات ذات العلاقة مع الأسرة، لمساعدة المتزوجين على التفاهم والاستقرار، وتطبيق برامج توعوية على المقبلين على الزواج، وإلزامهم بحضورها، والحصول على شهادة بذلك كشرط لعقد القران، مشيرة إلى أن ماليزيا من أنجح الدول التي طبقت مثل هذا البرنامج على المقبلين على الزواج، ونجحت في إخفاء ظاهرة الطلاق، بعد أن كانت من أعلى دول العالم في معدلات الطلاق.

فيما حذر رئيس شعبة الحالات الأسرية، في محاكم دبي، والمستشار الأسري، الدكتور عبدالعزيز الحمادي، من انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع، لافتاً إلى أنه لم يعد مرتبطاً بحديثي الزواج أو المتزوجين من أجنبيات فقط، بل شمل قطاعاً كبيراً من المجتمع، مطالباً الدولة بتبني مشروع حكومي يعالج ظاهرة الطلاق، ويعيد تقريب وجهات النظر بين المطلقين، لمساعدتهم على استئناف حياتهم، على أن تتولى هذه المسألة جمعيات اجتماعية، تعمل تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية.

تويتر