زار مقرّ مؤتمر التقرير المعرفي العربي واطلع على فحوى المناقشات

محمد بن راشد: حضارة شعوبنا وتــــــقدمها لا يكتملان إلا بالمعرفة

صورة

أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أهمية الثقافة في بناء الحضارة. وقال سموه إن «حضارة شعوبنا وتقدمها لا يكتملان من دون ثقافة المعرفة، وإجراء الدراسات والبحوث الإسلامية والعربية التي تصبّ في تحقيق المعرفة لشعوبنا ومجتمعاتنا في شتى ميادين العلم والحياة».

وأثنى سموه خلال زيارته مقرّ مؤتمر التقرير المعرفي العربي 2010 - ،2011 الذي تنظمه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، بمشاركة وزارة التربية والتعليم في كل من الأردن والمغرب واليمن، على جهود مؤسسة محمد بن راشد، ودورها الريادي في نشر وترسيخ ثقافة المعرفة في أوساط الشباب العربي والمسلم.

واطلع سموه من عضو مجلس الإدارة المنتدب نائب رئيس مجلس الإدارة في المؤسسة عادل الشارد، على فحوى المناقشات التي دارت في جلسات المؤتمر، أمس وأول من أمس، ومن أهمها التقرير الخاص بإعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة في الوطن العربي، إلى جانب أربع دراسات عن حالة التعليم في الدول المشاركة.

وكان المشاركون في الحلقات النقاشية التي نظمتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، لبحث نتائج تقرير المعرفة العربي 2010/2011 بمناسبة إطلاقه، قد طرحوا عدداً من الأسئلة خلال جلسات أمس، حاولوا من خلالها سبر المعوقات الأساسية التي تحول دون الانتقال بالمجتمع العربي إلى مجتمع معرفي منتج متطور وحر.

وتناولت الأسئلة كثيراً من العناصر والجزيئات، إلا أن أبرزها جاء في سؤال ألهب الحوار، مفاده «هل تقوم الثقافة العربية على التعصب وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة؟»، فقد قال عدد من الخبراء، لا سيما المتحدثين في الجلسة الذين حاولوا الجواب عن السؤال، إن ثقافتنا العربية الآنية، هي ثقافة تلقائية مبرمجة، متعصبة، معتبرين أن تصاعد القوى الإسلامية السياسية المتطرفة في أعقاب تغير الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول العربية، يمثل نتيجة وحافزاً في الوقت نفسه، لمزيد من العوامل التي ترسخ ثقافة الجهل، وتعطل إمكان انعتاق النشء من القيود الثقافية، وتمنع اكتسابه فكراً نقدياً تحليلياً يمكنه من التحول الى متلقٍ ومنتج للمعرفة.

وحاولت الجلسات النقاشية للتقرير، التي اختتمت امس، الربط بين نتائج «الربيع العربي» وإمكان بناء البيئات المطلوبة للنهضة الشاملة في العالم العربي، إلا أن النقاش تركز في معظمه، على بحث المعضلات التي تعطل بناء ثقافة عربية منتجة للمعرفة، بمعزل عن الربيع العربي ونتائجه، معتبرة أن الوقت لايزال مبكراً حتى يأتي هذا الربيع بأثماره.

وجزم الكاتب والباحث السعودي إبراهيم البليهي، بأن الثقافة العربية متعصبة، حالها مثل حال كل الثقافات الأخرى، لكن الفرق أن بعض الثقافات انعتقت نسبياً من التعصب.

وعزا البليهي السبب في تعصب الثقافة العربية إلى أن الكائن البشري بطبيعته متعصب، تلقائي، يتشرب التعصب في طفولته، مضيفاً أن هناك قلة تستطيع الانعتاق من التعصب، إذا ما أتيح لها الفرصة والبيئة المناسبة لذلك.

وتابع: «ثقافتنا العربية ثقافة تلقائية، لم تتكون عبر البحث العلمي، والدراسة، والتمعن. وذلك يناقض ثقافة العلم التي تختلف عن الثقافات التي توهم العقل أنها الحقيقة المطلقة».

ورأى أن «مشكلتنا في المنطقة العربية لا تكمن في محتوى التعليم، وكمّ ونوع المعلومات التي نتلقاها، بل في عقولنا المعطلة بالثقافة التلقائية التي أوهمتنا أننا نملك الحكمة والمعرفة».

واعتبر البليهي أن «العرب يسيرون في اتجاه معاكس تماماً للحضارة، لأن الحضارة المعاصرة هي حضارة استثنائية، وليست امتداداً للحضارة القديمة، بل امتداد لحضارة العقل التي انشأها اليونانيون». مردفاً أن «الربيع العربي أزال أشخاصاً، لكنه لم يزل الثقافة التي صنعت هؤلاء الأشخاص»، مطالباً بضرورة تفكيك مكونات الثقافة العربية، وإعادة بنائها على أسس علمية ومنهجية، تمكن المجتمعات العربية من بناء مجتمع معرفي.

وتباينت آراء المشاركين في الجلسات النقاشية حول ما إذا كنا نريد الإصلاح والتطوير فعلاً، وليس حول الإطار التنفيذي والآليات المطلوب استخدامها في تطبيق الحلول للمشكلات والتحديات التي تعيق عملية الإصلاح والتطوير التعليمي في البلدان العربية، الذي اتفق على أنه المحرك الأساسي للانتقال بالمجتمع العربي إلى مجتمع معرفي ومنتج.

وشككت الباحثة الأكاديمية التونسية نائلة السليني، في وجود رغبة حقيقية في الإصلاح والتغيير، مشيرة إلى أن «القضايا التي تعيق التطور والمعرفة هي القضايا نفسها التي ندور في فلكها، ونحوم حولها منذ عام 2001»، مؤكدة ضرورة الاقتناع بأهمية منع هيمنة الحركات الإسلامية المتطرفة على حياتنا، وعلومنا، وعلى كل أوجه ومجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

واعتبرت السليني أن المجتمع والنشء العربي يعيش في عالم افتراضي «فهو منساق وموجه بفعل قنوات فضائية، يقوم محتواها على الفتاوى، وأبطالها هم الدعاة»، مضيفة أن ذلك «أدى إلى الاستعاضة عن الخبراء والاختصاصيين بالدعاة، الأمر الذي نتج عنه غياب الهوية المؤسسة لطبيعة كل مجتمع، وعطل استخدام أدوات بناء مجتمع مدني».

وحذرت السليني من أن «الخطاب الإسلامي السياسيّ المتعصب سيهيمن على كل رغبة في التقدم»، مشيرة إلى أن «الملاذ يكمن في بناء مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، لأن التجربة أكدت أن النجاة ليست بالأحزاب السياسية، ولا بتغيير الأنظمة الحاكمة، وإنما ببناء منظمات المجتمع المدني وترسيخ العمل الأهلي».

أما أمين عام مؤسسة الفكر العربي سليمان عبدالمنعم، فاعتبر أن قضية إصلاح العملية التعليمية ومؤسساتها «متشعبة جداً، ومعقدة»، شارحاً أن «القانوني فيها يشتبك بما هو سياسي واقتصادي واجتماعي». وأكد عدم إمكان فصل المنظومة القانونية عن الثقافية، واستحالة دراسة العلل بمعزل عن وضعها في إطارها العام، ومدى ارتباطها بالعملية التنموية.

وقال عبدالمنعم إنه «لا يمكن وضع العالم العربي كله في السلة نفسها، لأن هناك ثلاثة مستويات تقسم العالم العربي على صعيد نسبة الأمية، على سبيل المثال، إذ تنقسم تلك البلدان الى مستوى أول تقع فيه نسبة الأمية بين 7 و10٪ مثل الأردن، والكويت، ولبنان، فيما تصل في بلدان المستوى الثاني الى نحو 20٪ مثل السعودية، وتونس، مقابل دول المستوى الثالث مثل المغرب، التي تصل فيها نسبة الأمية إلى 43٪».

وأعرب عبدالمنعم عن استغرابه من وجود الأمية في المنطقة العربية، لا سيما مع كل تلك الإمكانات والتجهيزات في بعضها، في وقت استطاعت بلد مثل كوبا أن تصل بنسبة الأمية إلى الصفر.

واعتبر أن التحدي الحقيقيّ هو أن نتمكن من تجاوز التحدث النظري عما يحدث على الأرض، والانتقال إلى الإجراءات العملية. وقال: «إننا نبحث في أطر وآليات التمكين وأساليب التحفيز وتجهيز البيئات المطلوبة للتطوير والإصلاح في وقت لانزال فيه نفتقر إلى آليات قانونية للانتصاف، يستطيع أصحاب المواهب والكفاءات أن يلجؤوا إليها عند تعرضهم للهدر وعدم المساواة». ودعا عبدالمنعم إلى رؤية تعليمية تتصف بالجسارة، لأن العملية التعليمية ترتبط بالعملية التنموية، وتتطلب رؤية شاملة وجامعة، مشيراً إلى «افتقارنا إلى رؤية تجمع على سبيل المثال بين سوق العمل ودراسات وخطط وزارة التربية والتعليم، وضرب عبدالمنعم مثلاً على ذلك بقدرة وزير التربية والتعليم على مشاكسة وزير التعليم العالي، فقد يصل معدل نتائج الثانوية العامة إلى 90٪ فقط، حتى يحرجه». وفيما اعتبر أحد الخبراء أن عملية الإصلاح التعليمي تبدأ من المدرسة، رأى أحد المشاركين في الجلسات أن عملية التطوير لا يمكن أن تصل إلى أهدافها، إلا إذا اتخذت القيادة السياسية الواعية القرار في تنفيذ عملية التطوير التي بدورها تتصل بعدد من الحلقات المترابطة، تكون المؤسسة التعليمية في آخر سلسلتها.

من جهته، أكد مدير قطاع التعليم في إدارة التنمية البشرية التابع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي مراد الزين، أنه «لا يمكننا أن نبدأ عملية الإصلاح التعليمي بالمساءلة، لأن علينا أن نعمل أولاً على تحسين مهنية المعلم وتطوير المناهج، ومن ثم تتم المحاسبة، وفقاً للمعايير التي اتبعت في التقييم والتطوير».

وقال الزين إنه يجب أن ننتقل إلى الإطار التنفيذي في الإصلاح التعليمي عبر ثلاث مراحل، تبدأ بمرحلة فورية تقتضي وضع معايير لتقييم جودة التعليم، التي تسمح لكل دولة بمقارنة مردودها من التعليم، وتقييم مخرجاته حسب المقاييس المعتمدة، الأمر الذي يسمح لها بتحديد مكان الخلل وتشخيصه.

وأردف أن المرحلة الثانية يجب أن تتضمن فتح مجلس المدارس للحوار والبحث في المشكلات بكل شفافية، على أن يفتح المجال في المرحلة الثالثة للقطاع الخاص للاستثمار في إنشاء وتطوير المؤسسات التعليمية.

يشار إلى أن نقاش اليوم الثاني لحفل إطلاق تقرير المعرفة العربي توزّع على أربع جلسات، تخللتها مداخلات وأسئلة من المهتمين والباحثين.

تويتر