قانوني يؤكد أنها «تلاعب لا يرقى إلى التزوير».. وموظفون استخدموها مستندات ضـد أصحاب العمل

عمال يحملون شهادات رواتب وهمية لتخليص معاملاتهم

خطابات الرواتب الوهمية تسهّل الحصول على قروض بنكية واستقدام الزوجات. تصوير: دينيس مالاري

كشفت أحكام قضائية صدرت أخيراً من محاكم مختلفة داخل الدولة منح شركات موظفيها خطابات رواتب غير حقيقية، لتخليص معاملاتهم في الجهات التي تشترط حدّا أدنى للراتب لقبول المعاملة، مثل إدارات الجنسية والإقامة، والبنوك، وغيرها من الجهات.

كما كشفت محاولة عمال استخدام هذه الخطابات مستندات ضدّ أصحاب العمل للحصول على الراتب، أو على مكافأة نهاية الخدمة، على أساس الراتب المسجل في الخطاب وليس في عقود العمل.أ

وأكد محام لـ«الإمارات اليوم» أن إصدار الشركة شهادة راتب غير حقيقية لأحد عمالها، لا يعتبر تزويراً، وإنما هو نوع من التلاعب لا يرقى إلى جريمة التزوير.

وتفصيلاً، قضت محكمة جنح العين الجزائية بحبس موظف في إحدى شركات التأمين شهراً بتهمة تزوير شهادة راتب صادرة من الشركة، واستعمالها في محاولة الحصول على قرض من أحد البنوك.

وادعى الموظف أن الشركة هي التي منحته شهادة الراتب بناء على اتفاق بينهما لتخليص معاملته، والحصول على القرض، بسبب ضائقة مالية ألمت به.

وبعد استئناف الحكم، قضت المحكمة بتبرئته من تهمة التزوير. فيما رفضت محكمة النقض طعناً تقدم به عامل ضد حكم ابتدائي أيدته محكمة الاستئناف بإلزام الشركة بأن تؤدي له رواتبه المتأخرة، وتكلفة العودة إلى بلاده، إضافة إلى مستحقات نهاية الخدمة على أساس الراتب المدون في عقد العمل، على الرغم من أن العامل قدم في أوراق قضيته ما يفيد بحصوله على راتب أكبر، إلا أن صاحب العمل أكّد أن الراتب المدون في الخطاب غير حقيقيّ، وأنه وقّع الخطاب ليساعد العامل على جلب أسرته للإقامة داخل الدولة، لأن إدارة الجنسية والإقامة تشترط حدّا أدنى للراتب لا يقلّ عن 5000 درهم، إضافة إلى أهمية وجود السكن.

وقالت محكمة النقض في رفضها لطعن العامل إن لمحكمة الموضوع التي أصدرت الحكم سلطة تقدير حجية الأدلة، ومدى تأييدها لادعاءات العامل من عدمه، ما دامت لم تخالف صحيح القانون عند تقدير هذه الأدلة، كما أن الثابت من الكشوف البنكية أن راتب العامل لم يتغير، وأن المبالغ الإضافية التي كانت تحال إلى حسابه البنكي من الشركة كانت نظير عمولات وحوافز إضافية لم تتم إضافتها إلى الراتب.

من جهة أخرى، قال عزت عبدالهادي، مستثمر، إنه يمتلك منشأة في أبوظبي يعمل على كفالتها أربعة عمال تراوح رواتبهم بين 1200 و2500 درهم نظراً لضعف النشاط ومحدودية الأرباح.

وأضاف أن أحد العمال في مهنة كاتب ملفات من جنسيته نفسها طلب منه خطاب راتب لتقديمه إلى أحد البنوك المحلية للحصول على قرض سيارة مستعملة 40 ألف درهم، وتم الاتفاق على تحويل مبلغ 4000 درهم لحساب العامل في البنك حتى يتأكّد البنك من الراتب عن طريق كشف الحساب، على أن يرد العامل لصاحب العمل مبلغ 2000 درهم نقدا، وبعدما حرر خطاباً مختوماً بخاتم المنشأة براتب 4000 درهم، وحوّل المبلغ إلى حساب العامل، فوجئ بالعامل يتقدم بشكوى لوزارة العمل يطالب فيها بإلزام صاحب العمل بردّ المبالغ التي استقطعها من راتبه لمدة عام.

واعتبر يوسف حمد، صاحب رخصة تجارية، أن «بعض العمال يستغلون تعاطف أصحاب العمل معهم، خصوصاً المواطنين الذين يرغبون في مساعدة عمالهم للحصول على الاستقرار الذي ينعكس بالإيجاب على العمل، ففي حين يحاولون مساعدتهم على التغلب على بعض الإجراءات الإدارية التي لا تخالف القانون، مثل منحهم شهادات راتب صورية، أو تدوين مسميات وظيفية أكبر من المسمّى الحقيقيّ أو غيرها، يحاول العمال ابتزازهم عن طريق الخطابات التي يحصلون عليها».

وشرح للصحيفة أنه أعلن أخيراً عن وظيفة خالية لديه في المنشأة، فتقدمت إليها فتاة مناسبة من حيث العمر والمؤهلات الدراسية واللغة، وتم الاتفاق معها على راتب 3600 درهم، إلا أنها طلبت تسجيل راتب أكثر من 5000 درهم في عقد العمل حتى يتسنى لها ترك وظيفتها الحالية قبل مرور عامين، تماشياً مع إجراءات وزارة العمل الجديدة، لكنه رفض ذلك، لأن تسجيل الراتب في عقد العمل يعتبر إقراراً رسمياً منه بدفع الراتب المذكور.

وقالت ضحى نعمان، (معلمة)، إن مدرسة تعاقدت معها على العمل معلمة لمادة التربية الوطنية والدراسات الاجتماعية براتب شهري 3000 درهم من دون أيّ بدلات أخرى.

وبعد صدور قرار من مجلس أبوظبي للتعليم بإغلاق مدارس الفلل، قررت المدرسة إنهاء خدمات معظم العاملين فيها، فحاولت استعادة قيمة تكاليف الإقامة التي أرغمتها المدرسة على دفعها عن طريق خطاب راتب حصلت عليه من المدرسة لاصدار تأشيرة زيارة لزوجها، إلا أن وزارة العمل رفضت الاعتراف بهذا الراتب، فتم تحويل القضية إلى المحكمة العمالية التي قضت بإلزام إدارة المدرسة بردّ تكاليف الإقامة، ورفضت الاعتراف بخطاب الراتب لإثبات المستحقات.

من جانبه، قال مصدر قانوني في وزارة العمل - فضل عدم ذكر اسمه - إن الوزارة استقبلت كثيراً من الشكاوى من عمال يدعون أن مستحقات نهاية الخدمة التي احتسبها أصحاب العمل بعد انتهاء خدمتهم قائمة على راتب غير حقيقيّ، وطالبوا بإلزامهم بدفع مستحقاتهم على أساس آخر راتب كانوا يحصلون عليه.

وأكّد المصدر أن الوزارة تستدعي صاحب العمل أو مسؤول المنشأة فوراً، في هذه الحال، لمحاولة الوصول إلى مصالحة أو تسوية ودّية بين الطرفين. وفي حال فشلت التسوية بينهما ترجع الوزارة إلى عقد العمل المبرم بين الطرفين. وفي حال ادعاء العامل أنه يحصل على ما هو أكبر من الراتب المدون في عقد العمل تلجأ الوزارة إلى المستندات الأخرى التي يقدمها كل طرف لإثبات ادعائه. وإذا ادعى أحدهما التزوير في المستندات، أو أن أحدها صوريّ، تحال القضية إلى المحكمة العمالية المختصة التي تملك صلاحيات تخولها الوصول إلى الحقيقة بالاعتماد على الكشوف البنكية أو المراسلات بين الطرفين أو شهادة الشهود.

ولفت المصدر إلى أن هناك أحكاما قضائية لم تعتد بخطاب الراتب الموجّه باسم الشركة، بعدما ثبت لها أن الرواتب المسجلة غير حقيقية.

وقال المحامي علي العبادي إن إصدار الشركة شهادة راتب غير حقيقية لأحد عمالها لا يعتبر تزويراً، وإنما هو نوع من التلاعب لا يرقى إلى جريمة التزوير، لأن من بين أهم شروط ارتكاب جريمة التزوير هو التغيير في المحرّر الرّسمي أو العرفي، بالكشط أو التعديل، أو استعمال أختام غير حقيقية، أو تقليد توقيعات أو غيرها من الوسائل، بينما تعتبر الشهادة التي تصدرها أيّ شركة أو مؤسسة أو جهة عمل شهادة حقيقية تحتوي على بيانات غير حقيقية.

وأضاف العبادي أن أحد أوجه الخطورة المتمثلة في إصدار خطابات الراتب غير الحقيقية هي أن يقوم العامل باستغلال هذا الخطاب مستنداً رسمياً لمقاضاة جهة عمله ليحصل على الراتب المسجل في هذه الشهادة.

وأكّد أن هناك حالات كثيرة مشابهة وقعت فعلاً، إلا أن معظمها فضّته المحكمة المختصة، لأن معظم أصحاب العمل يتحوطون لذلك بالحصول على ورقة «ضد» من العامل، أو يشترطون توقيعه على ما يفيد بحصوله على مستحقاته، حتى لا يستخدم ورقة خطاب الراتب ضد الشركة.

تويتر