حفاظاً على صورتها ومناصبها المرموقة

شخصيات مجتمعية تطلب العلاج النفسي «في المنزل»

يتوجه المرضى النفسيون إلى العيادات أو المراكز المتخصصة بتقديم العلاجات والاستشارات النفسية، لكن بعض أفراد المجتمع من الشخصيات العامة والمجتمعية، لا تستطيع التصرف بهذه البساطة، لأن صورتهم ومكانتهم في محيطهم، أو مناصبهم المرموقة، تشكل عائقاً أمام تلقيهم العلاج، ما يدفعهم إلى طلبه في منازلهم حفاظاً على السرية.

وقال طبيبان نفسيان لـ «الإمارات اليوم» إن «هذه النظرة المجتمعية الخاطئة هي السبب في رواج ظاهرة العلاج النفسي المنزلي»، وفيما أكد أحدهما تفهمه لهذا النوع من العلاجات في حال واحدة فقط، هي أن يكون الوضع الصحي للمريض حرجاً، أعرب الآخر عن تفهمه الوضع الاجتماعي الضاغط الذي يعيشه المريض النفسي، إذا كان مسؤولاً، أو شخصية عامة.

المواطنة «أم خالد»، البالغة 58 عاماً، أصيبت باكتئاب نفسي حاد بعدما علمت باقتران زوجها بأخرى قبل أربعة أعوام، الأمر الذي أشعرها بالخذلان وعدم الأمان. ونتيجة لذلك فضّلت عدم الخروج من المنزل بعد أن كانت سيدة ذات حضور لامع في المناسبات المجتمعية والتطوعية، إذ عملت لأكثر من 25 عاماً إدارية في إحدى جامعات الدولة قبل تقاعدها.

تقول: «سافرت إلى دول كثيرة حتى أخرج من عزلتي وأعود إلى حياتي السابقة، إلا أنني فشلت في ذلك، ما اضطرني للاستعانة بطبيب نفسي للعلاج. ورغبة مني في إبقاء الأمر سرياً، طلبت من الطبيب تقديم العلاج لي في منزلي، تجنباً لنظرات المجتمع التي ترى في المرض النفسي شيئاً معيباً لا ينبغي الإقرار به».

وأفادت «ن.ع» بأنها عرفت أياماً صعبة بعد وفاة أخيها في حادث مروري، نتج عنه شعورها الدائم بالحزن العميق وبالرغبة في العزلة، وقضاء وقتها وحيدة. وقالت إنها استمرت على تلك الحال لأشهر عدة، إلى أن نصحتها صديقة لها بالتوجه إلى عيادة نفسية، إلا أنها ترددت كونها شخصية معروفة، فهي ناشطة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولديها ما يزيد على مليون ونصف المليون متابع في موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام».

وتضيف أن «وضعها النفسي ازداد سوءاً مع مرور الأيام، ما اضطرها للتواصل مع عيادة نفسية للاستفسار عن إمكان تلقيها خدمات علاجية نفسية في المنزل»، مضيفة: «حين أكدوا لي توافرها سررت كثيراً، وبدأ الطبيب بزيارتي في المنزل بعد اتفاقي معه، ووضع جدولاً زمنياً للمراجعات وجلسات العلاج وصرف الأدوية، وشعرت بتحسن ملحوظ بعد نحو ثلاثة أشهر من بداية العلاج».

وعزت حرصها على سرية العلاج إلى النظرة المجتمعية السائدة، التي تعتبر أحد عوامل تطور المرض النفسي إلى الأسوأ، إذ يوصف من يتخذ قراراً باستشارة الطبيب النفسي بالجنون، خصوصاً مع وجود فئات لا تتمتع بالقدر الكافي من الثقافة الطبية.

وأكدت المستشارة النفسية والأسرية في مركز همسة للاستشارات النفسية، في دبي، الدكتورة هيام عبدالله أبومشعل، أن «المركز يستقبل حالات تطلب حضور الاستشاري النفسي إليهم في منازلهم. وفي هذه الحال، فإننا نقدم الخدمات العلاجية المطلوبة تبعاً لظروف المريض، إذا كانت حالته الصحية حرجة، أما إذا كان في وسعه الحضور الى العيادة، وفضل تلقي العلاج في منزله لاعتبارات اجتماعية، مثل الخجل من النظرة المجتمعية له باعتباره شخصية معروفة، فإننا نرفض الاستجابة له».

وأوضحت أن «هناك أشخاصاً يتجنبون التوجه للطبيب النفسي حفاظاً على صورتهم الاجتماعية، التي يحرصون على أن تبقى مثالية أمام الجميع. ولكن ذلك ينطوي على قبول بالنظرة السلبية الرائجة التي يوجهها كثيرون الى المرضى النفسيين».

بدوره، ذكر أخصائي الطب النفسي، الدكتور محمد سامح طالب، أن الخدمات العلاجية النفسية المقدمة من العيادات الخاصة للمرضى النفسيين في منازلهم لا تقتصر على الحالات التي يتعذر حضورها الى العيادة، بل تشمل الأشخاص الذين يبدون رغبة في تلقي العلاج بعيداً عن أعين الجميع. وشرح أن هناك مرضى نفسيين من أصحاب المناصب والأسماء المعروفة يفضلون عند مرورهم بحالة نفسية أو مرض نفسي، أن تقدم لهم العلاجات النفسية في منازلهم، اعتقاداً منهم بأن المرض النفسي «عار» ويرتبط بوصف المريض بأنه مجنون، وفقاً للسائد بين أفراد المجتمع.

وأوضح طالب أن عدد زيارات الطبيب للمرضى النفسيين في المنازل تختلف من حالة لأخرى، أما تكاليف العلاج في المنازل فتكون مضاعفة، مقارنة بتكاليف الخدمات المقدمة في العيادات النفسية، في حين أن الطبيب هو من يحدد وقت الزيارات المنزلية وفقاً لارتباطاته مع مواعيد المرضى في العيادة. وعلى الرغم من تأكيده أن مكان تقديم العلاج لا يمثل أولوية بالنسبة إلى الطبيب، وأن المهم أن يتلقى المرضى علاجهم، فقد دعا الى التوعية بأن هناك أنواعاً مختلفة ومستويات متباينة من الإصابة بالمرض النفسي.

تويتر