ضبط عصابات تخزِّن «خلطات دوائية سامة» في شقق سكنية.. وخدمة التوصيل مجاناً

%95 من أدوية الإنترنت والمستحــضرات المهربة مغشوشة وقاتلة (2-2)

حقائق ومعلومات صادمة، أو بالأدق مفزعة، كشفتها مقابلة «الإمارات اليوم» مع وكيل وزارة الصحة المساعد لسياسة الصحة العامة والتراخيص، الدكتور أمين الأميري، حول المستحضرات العشبية ذات الادعاء الطبي.

إذ قال الأميري إن أقسام الطوارئ بمستشفيات في الدولة استقبلت شباباً ونساء ومسنين، أصيبوا بمضاعفات صحية، بعضها خطر، نتيجة اعتمادهم على منتجات عشبية ومكملات غذائية مهربة، أو أشتروها عبر المواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف.

وأضاف: «سجلت وزارة الصحة حالات أصيبت باضطرابات في القلب، وارتفاع وانخفاض في ضغط الدم، وحالات إغماء، وضعف في البدن، ومضاعفات في المعدة والأمعاء، وغيرها من الأعراض الصحية، وتبين للأطباء أن هؤلاء المرضى وقعوا ضحية تناول مستحضرات طبية محظورة عالمياً، ومحذر منها محلياً، لاحتوائها على مواد كيميائية شديدة الضرر».

ويروي أن قسم التفتيش الصيدلي تلقى شكوى من والد فتاة، دخلت المستشفى بعد استخدامها كبسولات عشبية تزعم خفض الوزن، وعند فحص عينات من الكبسولات في مختبر الوزارة، تبين أن لها أضراراً بالغة على الصحة، إذ تحوي مواد محظوراً استخدامها في الدواء عالمياً.

وأوضح أن «التحليل أظهر وجود مادة سيبوترامين المحظورة، لخطورتها على القلب والشرايين، وتسببها في الإصابة بالجلطة الدماغية، ومادة فينولفيثالين التي تستخدم مادة مليّنة، وأوقف استخدامها دولياً لاعتبارها مادة مسرطنة». وللخطورة الشديدة لهذا المنتج، أصدرت الوزارة تعميماً على المستشفيات والجهات الحكومية المعنية، لمنع تناول هذا المستحضر، وحظر بيعه في الدولة.

سموم في طرود بريدية

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


حتى وقت قريب كان كثير من الأطباء ينصحون بالاعتماد على المستحضرات العشبية، كونها مستمدة من الطبيعة وآمنة، ولا تسبب آثاراً جانبية على الصحة العامة، لكن بعدما أظهرت دراسات وتقارير لمنظمات صحية دولية أن 95% من الأدوية المبيعة عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة والمستحضرات المهربة، مغشوشة وخطرة على الصحة، وظهور «تجار الموت» الذين حولوا المنتجات العشبية إلى «خلطات مضاف إليها مواد كيميائية قاتلة»، أصبح الأطباء أنفسهم يحذرون من «عبوات المستحضرات النباتية»، ويحظرون تناولها كلياً، مؤكدين أنها تحولت إلى «مركبات سامة ومسرطنة، تفتك بالكلى والكبد، وتصيب بنزف المعدة والأمعاء، وتهدد بجلطات قلبية ودماغية».

مسؤولون حكوميون أعلنوا ضبط كميات كبيرة من المستحضرات الطبية مغشوشة مضاف إليها مواد سامة في أسواق الإمارات ودول عربية عدة، وأطباء وأكاديميون وخبراء في علوم الصيدلة، يعتبرون هذه المنتجات «آفة العصر»، وأنها صارت «الطريق السريع للموت».

«الإمارات اليوم» تواصل حملتها التحذيرية من «تجارة الموت»، والتي بدأتها قبل ثلاث سنوات، للتوعية بخطورة تلك المنتجات التي تفتك بالأجساد، ويتساقط ضحاياها يوماً تلو الآخر.

ولكن كيف وصلت المنتجات العشبية المحظورة إلى الضحايا؟

يجيب الأميري، وهو رئيس اللجنة العليا للغش الدوائي، ورئيس لجنة اليقظة الدوائية، بأن مروجي هذه المنتجات ينجحون في الوصول إلى ضحاياهم عبر وسائل التواصل الحديثة، ومواقع الإنترنت، وعبر إعلانات القنوات الفضائية التي تبث من الخارج، وبمجرد أن يسدد المشتري قيمة المستحضر إلكترونياً، تصله الشحنة في طرد بريدي مباشرة، بعيداً عن رقابة الجهات الصحية. ويشير إلى أن هؤلاء التجار عديمي الضمائر يغرقون مواقع الإنترنت بمستحضراتهم السامة والخطرة، وأظهرت دراسات وتقارير لمنظمات صحية دولية أن 95% من الأدوية المبيعة عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة والمستحضرات المهربة، مغشوشة وخطرة على الصحة.

وكشف الأميري أن الأمر لا يقتصر على البيع عبر الإنترنت، بل نجح كثيرون في تهريب كميات من هذه المنتجات إلى داخل الدولة، ورصدت وزارة الصحة العام الماضي أكثر من 16 حالة لأشخاص وشركات يبيعون مستحضرات طبية وأدوية محظورة وخطرة على الصحة، داخل الدولة، بعد الترويج لها عبر تطبيق «واتس أب» ووسائل التواصل الاجتماعي.

وذكر أنه تم إبلاغ الجهات الأمنية بما تم رصده، وبدورها تولت ضبطهم واتخاذ الإجراءات القانونية معهم، لـ«تجارتهم المجرّمة قانوناً».

وأوضح أن «تلك الشركات تبيع الوهم في صورة مستحضرات دوائية لراغبي خفض الوزن أو الباحثين عن علاج للنحافة، أو طالبي مواد دوائية للتجميل وتبييض البشرة، أو الباحثين عن المقويات الجنسية، أو حالات العقم، إلى جانب المصابين بتساقط الشعر والصلع».

كما أنها تروج أدوية «زاعمة أنها تعالج أمراضاً مستعصية، مثل السرطان وأمراض الكبد والكلى والسكري والصلع، ما يُشكل خطراً كبيراً على صحة المرضى».

وأوضح أن الأشخاص الذين يروجون مستحضرات ذات ادعاء طبي في الدولة يخالفون أربعة قوانين تتعلق بـ: المسؤولية الطبية والصيدلة والإعلانات الصحية وممارسة الطب.

تحايل على القوانين

وذكر الأميري أن مهربي تلك المستحضرات يدّعون أنها مكملات غذائية للتحايل على قوانين الاستيراد، والهروب من رقابة الجهات الصحية، ويخزنون منتجاتهم في وحدات سكنية أو مخازن غير مرخصة، ويوظفون أشخاصاً لتوصيلها إلى المنازل مجاناً.

وتابع: «ضبطت الجهات الأمنية مروجين منهم، وأجرت الوزارة تحاليل مخبرية لمنتجاتهم التي يدعون أنها طبيعية، وتبين احتواؤها على مواد كيميائية بالغة الضرر، تتسبب في تعطل الأعضاء الحيوية بالجسم، مثل الكبد والكلى، وتصيب بالاكتئاب، ما يدفع إلى الانتحار، ويصل خطرها إلى حد الموت».

ويروي الأميري أن وزارة الصحة تعاونت مع جهات أمنية في المناطق الشمالية، وضبطت أربع مجموعات تبيع أدوية ومستحضرات عشبية محظورة، أو غير مرخص بتداولها في الدولة.

وكانت تلك المجموعات تروّج أدويتها عبر قنوات فضائية تبث من الخارج، وتستأجر شققاً في مناطق مختلفة من الدولة، لتخزينها ونقلها إلى منازل المشترين بخدمة توصيل مجاني.

وأوضح أن بعض هذه المستحضرات دخلت الدولة بطرق غير قانونية، وتوصلت الوزارة إلى هذه المجموعات عبر تتبع أرقام الهواتف المحلية التي تبثها بعض الفضائيات، والتواصل مع المروجين، وإعداد كمائن أمنية انتهت بالقبض عليهم.

وأخيراً، ضبطت وزارة الصحة، بالتعاون مع جهات حكومية، كميات كبيرة من منتج عشبي اسمه «ULTRA POWER CAPSULE»، يتم تسويقه والدعاية له عبر قنوات فضائية على أنه يحفز الخلايا الجذعية، ويقوي المناعة، ويمنح الشخص الحيوية والشباب، ويزيد القوة الجنسية لمرضى السكري وضغط الدم.

وأثبتت نتائج التحاليل المخبرية أن المنتج مغشوش بمادة التيتراسيكلين، وهي مضاد حيوي، تكثر أعراضه الجانبية التي تشمل التهاب الكبد وصعوبة التنفس.

وقال الأميري إن الكميات المضبوطة كانت قادمة إلى الدولة عن طريق دولة عربية، كما وصلت كميات منها عن طريق الشحن، لشخص تم التغرير به، وإيهامه بأن المنتج يعيد الحيوية إلى الجسم ويقوي المناعة.

وكشف أن وزارة الصحة تصدر كل عام نحو 120 تعميماً تحذيرياً من منتجات عشبية مخلوطة بمواد خطرة، معظمها للقوة الجنسية وخفض الوزن.

تخسيس بمواد مسرطنة

ولفت الأميري إلى أن المستحضرات التي تدعي خفض الوزن في مقدمة المنتجات العشبية المغشوشة التي تم تهريبها إلى الدولة، أو تباع عبر الإنترنت.

وأضاف: «تحوي كثير من هذه المنتجات مادة (Phenolphthalein) التي تصيب بالأورام السرطانية، وهي مادة صدرت ضدها تحذيرات دولية من منظمات صحية عالمية».

وشدد الأميري على ضرورة شراء المنتجات الدوائية من الصيدليات، كونها تقدم العقاقير المسجلة في الوزارة، والمعتمدة من منظمات الدواء العالمية.

حجب مواقع إلكترونية

وأفاد الأميري بأن الوزارة تتصدى للأدوية عبر الإنترنت، من خلال حجب المواقع الإلكترونية في الدولة نهائياً، بالتعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات، مشيراً إلى أنه تم حجب 20 موقعاً الكترونياً في الفترة الأخيرة، لترويجها منتجات طبية محظورة، تشكل خطراً كبيراً على الصحة، وقد تؤدي إلى الوفاة.

وقال إن تلك المواقع تسوّق مستحضرات تخاطب النساء بالرشاقة والجمال، وتخاطب الرجال بالقوة الجنسية، وتعرض منتجاتها بأسعار زهيدة، مدعية أنها منتجات من النباتات.

ولفت إلى أن «الكثير من تلك المنتجات صدرت بشأنها تحذيرات من وزارة الصحة، وهيئة الصحة الكندية، وهيئة الدواء والغذاء الأميركية، لاحتوائها على مواد كيميائية تدمر الجسم».

من المسؤول؟

السؤال الذي يطرح نفسه، من المسؤول عن وجود هذه المنتجات في الأسواق، ومن المعني بالتفتيش ومصادرتها؟

وزارة الصحة أفادت بأنها تصدر تعميمات بخطورة كل مستحضر خطر يتم اكتشافه، وتبلّغ وزارة البيئة والمياه بوصفها مسؤولة عن البلديات حتى تسحبها من الأسواق.

لكن وزارة البيئة والمياه، ردت على سؤال لـ«الإمارات اليوم» حول دورها في سحب تلك المنتجات بأنها «تنسق بين البلديات في مجالات المشروعات الوطنية، وتبادل الخبرات، أما ما يخص مراقبة المنتجات العشبية المستمدة من الطبيعة، والتي تحمل ادعاءات طبية، وتباع بوصفها منتجات عشبية في أسواق الدولة، فهي من اختصاص وزارة الصحة».

سموم عشبية في الدولة

إلى ذلك، قال مدير المختبر الجنائي في شرطة دبي، خبير السموم، المقدم خالد السميطي، إن مختبر الشرطة يتلقى بصورة دائمة عبوات لمستحضرات ضبطتها البلدية أو قدمت بشأنها بلاغات، بعد تعرض مستخدميها لأمراض ومضاعفات صحية، وبتحليلها تبين أنها تحوي مواد محظورة من هيئة الدواء الأميركية، وهيئات دوائية كبرى، كونها مواد مسرطنة، أو تسبب جلطات وتهدد سلامة القلب.

وأشار إلى أن نسبة كبيرة من هذه المنتجات تأتي من الصين والهند، وبعضها يصنّع في الدولة.

ولفت السميطي إلى أن إحدى القضايا كانت لشخص يحوز مسحوقاً أبيض، تبين أنها مادة مقوية جنسياً، كان يستعد لخلطها بمنتجات عشبية لبيعها في الدولة، ما يشكل خطراً كبيراً على المستخدمين.

وأفاد بأن كثيرين ممن يقفون خلف هذه المنتجات، يشكلون عصابات هدفها تحقيق الربح على حساب صحة الضحايا، ممن ينخدعون بعبارات كاذبة وتضليل إعلانات المستحضرات العشبية.

وذكر أن تجار المستحضرات المغشوشة، يعاقبون بالغرامة ومصادرة المضبوطات، معتبراً أن «هذه العقوبة غير كافية».

وطالب بصدور تشريع يغلظ العقوبات على هؤلاء المروجين، ويوحّد جهود الجهات الحكومية للتصدي لتلك المنتجات، ومنع تهريبها إلى الدولة والحد من وصولها إلى الأسواق.

مطالب بقانون للمنتجات العشبية

ويتفق أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية الصيدلة في جامعة عجمان، الدكتور مؤيد شهوان، على ضرورة صدور قانون خاص لمواجهة الأدوية والمستحضرات الطبية المغشوشة.

وأوضح أن «خطورة هذه المنتجات أنها مخلوطة بكميات وتركيزات عالية من المواد الدوائية الخطرة، التي يفترض أن تعطى بنسب دقيقة للمريض، ما يتسبب في تعرض متناولها لمضاعفات صحية بالغة في وقت قصير». وأشار إلى أن أكاديميين في مجال الصيدلة أجروا دراسات حول المستحضرات العشبية، وتبين أن كثيراً منها يحوي مواد شديدة الخطورة بتركيزات عالية جداً، وتناولها يسبب جلطات الدماغ والسرطان، ويصيب بفشل كلوي والتهاب كبدي، ما يسبب الوفاة.

واعتبر أن صدور قانون للمستحضرات العشبية، يساعد على فحص كل منتج وتحليل محتواه قبل وصوله إلى المستهلك.

عقوبات

من جانبها، قالت المستشارة القانونية، سامية الرئيسي، إن قانون الصيدلة نص في المادة (86) على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة أو إحداهما لكل من غش أو قلّد مستحضراً صيدلانياً أو باعه، مع علمه بذلك، ونظم القانون عملية استيراد الدواء، وشدد على ضرورة الحصول على الترخيص والإذن من الجهات المختصة قبل عرضه وتداوله، كما أن المعاملة برمتها يمكن أن تندرج تحت مخالفة المادة (399) من قانون العقوبات المتعلقة بالاحتيال، مشيرة إلى أن المادة (29) من قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية تقضي بتوقيع عقوبة إضافية بالحبس والغرامة على من ارتكب جريمة باستخدام وسيلة إلكترونية.

منقوع السرطان والسكري

ولا تكتفي عصابات المستحضرات الطبية بترويج منتجات تتعلق بالسمنة والقوة الجنسية، بل تتعدى ذلك إلى ترويج منتجات تعلاج أمراضاً عجز الطب الحديث عن علاجها، مثل السكري والسرطان وضغط الدم والبهاق والصدفية.

وأشهر تلك المنتجات «منقوع باما العشبي»، الذي يتم ترويجه على نطاق واسع عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت. وأفاد تقرير لوزارة الصحة بأن إدارة الرقابة الدوائية رصدت إعلانات هذا المنتج، وتبين أن كثيرين أقبلوا على شرائه، كونه يدعي علاج العديد من الأمراض، ومنها أمراض السرطان والسكري وضغط الدم، وأمراض القلب، والتهابات المفاصل، وأمرض العيون، والحكة الجلدية، والنزلات المعوية، وتنشيط الدورة الدموية، ويساعد على النوم العميق. وقال التقرير إن هذه الادعاءات لا تعتمد على أي دليل علمي، والشركة المنتجة تسوّق وتبيع المنتج دون الحصول على ترخيص من وزارة الصحة. مؤكداً أن الوزارة اتخذت الإجراءات اللازمة مع الشركة المروجة، بما يكفل حماية المجتمع من التضليل.

 

لقراءة الحلقة الأولى من ملف "تجارة الموت" : 

«تجارة الموت».. سرطان وسكتـــة دماغية في عبوة «دواء»

تويتر