أحمد يستدين لإطعام أسرته.. و«الشؤون» لا تعترف بمرضه.. وحسن مطارد من البنوك

البطالة «تقتل» مرضى الإيدز نفسيـاً.. والديون تهددهم بالسجن

مريض بالإيدز تحدث إلى«الإمارات اليوم». تصوير: دينيس مالاري

تستكمل «الإمارات اليوم» تحقيقاتها، التي بدأت نشرها، أمس، حول واقع مرض الإيدز في الدولة، وترصد آلام مصابين بالمرض.. تحدوا الفيروس وتعايشوا معه، وصاروا أشخاصاً طبيعيين بشهادة أطبائهم، لكن ما يقتلهم، وفق وصفهم، رفض الجهات الحكومية والخاصة في الدولة تعيينهم.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل يرجى الضغط على هذا الرابط

قابلنا مرضى (نحتفظ بأرقام هواتفهم لمن يهمه الأمر) فصلوا من أعمالهم بعد اكتشاف إصابتهم، وتوقفت مصادر دخلهم، ولم يجدوا سوى القروض، والاستدانة من ذويهم ليوفروا قوت أبنائهم.. وتراكمت عليهم الديون، من دون أمل بالسداد، وصاروا مطاردين من البنوك الدائنة، ومهددين بالسجن.

وتنفرد «الصحيفة» بنشر مواد قرار مجلس الوزراء، الذي يحفظ لمرضى الإيدز حقوقهم في العمل والدراسة والزواج... وهو القرار الذي صدر منذ ما يزيد على عام، لكنه ظل «حبيس الأدراج» في الوزارات والهيئات الحكومية، ولم يتم تفعيله.

ولم يعلم بصدوره المرضى ولم يصل الى اطباء مختصين في الأمراض المعدية.

وأجرت «الإمارات اليوم» حواراً مع كبير المفتين في دبي الدكتور أحمد الحداد، حول مطلب مرضى إيدز، بالزواج والإنجاب، فأفتى بأن الشرع يجيز هذا الزواج، ولا يمـانع الإنجاب، بشرط اتخاذ التدابير الواقية لمنع انتقال العدوى.

ولأن بين المصابين شباباً وفتيات، طلـبوا، في التحقيق الذي نشرته «الإمارات اليـوم»، أمس، وجود كيان يوفق بينهم في الزواج.. نسلط الضوء على جمعية خيرية سعودية، زوجت 94 حالة لمصابين بالفيروس، أنجبوا 79 طفلاً غير مرضى، ولم تسجل أي حالة لمولود مصاب بالإيدز بينـهم. وتحاورت الصحيفة مع رئيسة مجلس إدارة الجمعية عبر الهاتف وتعرفت على التجربة، آملة تكرارها في الإمارات. وأثار ما كشفته «الإمارات اليوم»، أمس، عن تحول الإيدز في الإمارات إلى «مرض غير قاتل»، ووجود حالات زواج بمصابين وإنجابهم، ردود فعل واسعة، في الإذاعات ومواقع الانترنت المحلية، ونقلته وكالات انباء، وأفردت له صحف عربية مساحات واسعة على مواقعها الإلكترونية، بينما التزم المسؤولون الحكوميون في الدولة بـ«الصمت». ولم يبد أي منهم أي رد فعل ايجابي اتجاه 660 مواطناً مريضاً بالإيدز «يطلبون حقهم في الحياة».

في منزل صغير بإمارة أبوظبي، يعيش مريض الإيدز، «أحمد.ع» يعاني البطالة، والفراغ والدخل المحدود الذي ينفق منه على ابنائه الأربعة وزوجته.

استقبل «الإمارات اليوم» بترحاب، وكان حريصاً على عدم المصافحة، ولولا اني مددت إليه يدي لما تصفاحنا.

وعود وزارية.. لا ترى النور

قضية رفض توظيف مرضى الإيدز، ليست جديدة، فعلى الصفحة الأولى من «الإمارات اليوم» قبل خمسة أعوام، نشرنا مقابلة مع المريض محمد عمر، الذي ظل سنوات طويلة يبحث عن وظيفة، لكن الرفض كان هو الجواب الوحيد، فلم يجد امامه سوى ان يطرح قضيته على الرأي العام، عبر الجريدة. وما ان نشرت قصته، حتى تلقى وعوداً بتوظيفه، وتوجه الى من وعدوه بالعمل، لكنهم خالفوا وعدهم، ومازال هذا المريض يبحث عن عمل الى اليوم. وفي عام ،2008 نظمت وزارة الصحة مؤتمراً صحافياً، تحدث فيه إماراتي مصاب بالإيدز، مؤكداً ان عدم الحصول على وظيفة سبب معاناة كل المصابين، فقرر وزير الصحة وقتها، حميد القطامي، توفير وظيفة له، ووعد بتوظيف غيره من المرضى. وفي عام ،2009 طرحت قضية بطالة مرضى الإيدز، تحت قبة المجلس الوطني الاتحادي، فرد وزير الصحة في ذلك الوقت، حميد القطامي، معلناً أن الوزارة تعكف على وضع إجراءات لدمج المرضى في المجتمع. والعام الماضي، قال وزير الصحة السابق، حنيف حسن، إن الوزارة تطبق اجراءات لتقديم الدعم لمرضى الإيدز، وتوفير حياة كريمة لهم.

وبدأ كلامه قائلاً، سأقدم لك القهوة، لأن هذا واجب الضيافة، لكن أرجوك لا تتناولها اذا كنت تخشى العدوى، وأضاف «عندما أصبت بالمرض، دعاني الطبيب المعالج، وطلب مني أن أشرب نصف كوب ماء امامه، وما ان فعلت ذلك، حتى مد الطبيب يده وشرب من الكوب نفسه، ليثبت لي أن الفيروس، لا ينتقل باللعاب، أو باستخدام أدوات الطعام المشتركة».

ويكمل أحمد وهو يلهو مع أطفاله الصغار، قائلاً: كل شخص يعلم بإصابتي، يتوقف عن زيارتي أنا وأسرتي، حتى أقاربي من الدرجة الأولى، يهربون دوماً منا، وأرى في أعينهم «نظرات القلق».

ويروي احمد قصته مع المرض، قائلاً: قبل سبعة أعوام، كنت أعمل في وظيفة حكومية، وهي وظيفة تشترط إجراء فحوص دم دورية للموظفين، وبعد إجراء آخر تحليل، فوجئت بهم يستدعونني، لإجراء فحص مخبري ثانٍ، وتأكدوا من اصابتي بالإيدز.

كادت الصدمة أن تقتلني، لأني حتى هذه اللحظة لا أعرف من أين اصبت بالفيروس؟ لكن أطباء الأمراض المعدية، استطاعوا أن يخففوا من صدمتي، وألحقوني ببرنامج علاج متكامل، وأنا الآن أعيش حياة طبيعية، بين أبنائي ومع زوجتي، ولم يصب أحد منهم بالفيروس، وفق نتائج تحاليل نجريها كل فترة.

وتابع أن معاناتي الكبرى تكمن في فصلي من عملي، وأحصل على راتب تقاعدي 10 آلاف درهم، وهو نصف راتبي الأصلي، ومضطر إلى استقطاع أكثر من 5000 درهم منها، لسداد قسط الإسكان وقرض بنكي، والبقية، لا تكفي بالطبع نفقات أسرتي.

ويواصل أحمد، وهو شاب يبلغ من العمر 32 عاماً، ويتمتع بجسد رياضي «كما ترى أنا حريص على ممارسة الرياضة، واملك (سي في) قوياً جدا، وكل من يقرأه من المسؤولين في الشركات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة، يعجب بمؤهلاتي العلمية وخبراتي، ويتحدث إلي وكأني سأتسلم وظيفتي غداً، لكن الامر يتبدل كلياً، حين يكتشف امر اصابتي بالمرض، وينتهي الامر بالعبارة المعتادة (سوف نتصل بك)».

لقد مللت طرق ابواب الهيئات والدوائر والشركات، بحثاً عن فرصة عمل، لأني أعرف في النهاية أن الرفض، سيكون مصيري.

وقال أحمد إن الذي يؤلمني بشدة، أني توجهت الى وزارة الشؤون الاجتماعية، طالباً إعانة شهرية، وطلبوا مني تقريراً طبياً يوضح نسبة العجز الجسدي، لأن هذه الاعانة لا تخرج الا لمن يعانون نسبة عجز، فصدر التقرير يؤكد أني لا اعاني أي إعاقة جسدية، وبالتالي رفضت الوزارة طلبي.

قرار مجلس الوزراء يحظر فصل مرضى الإيدز

تنفرد «الإمارات اليوم» بنشر أبرز مواد قرار مجلس الوزراء رقم (29) لعام ،2010 في شأن نظام وقاية المجتمع من فيروس نقص المناعة البشري، وحماية حقوق المتعايشين معه، وهو القرار الذي صدر قبل ما يزيد على عام، ولم يعلم بوجوده مصابون بالإيدز، أو مسؤولون صحيون معنيون بعلاج الحالات المصابة. ويحظر القرار وضع قيود أو شروط خاصة على المتعايشين مع الفيروس تحول دون حصولهم على الحقوق المقررة لأفراد المجتمع كافة. ويحظر على الجهات المعنية رفض إلحاق المتعايش مع الفيروس بالعمل لديها بسبب اصابته بالفيروس، اذا كانت حالته الصحية تسمح له بمزاولة المهام الوظيفية التي سيكلف بها، وكانت طبيعة العمل لا تشكل خطراً على الصحة العامة. ويلزم القرار الجهات المعنية باستمرار المتعايش مع الفيروس في عمله لديها، ولا يتم تغيير طبيعة عمله لديها أو فصله أو إجباره على التقاعد، إلا اذا تبين أن حالته الصحية تتعارض مع أداء متطلبات عمله.

 

أنا في دوامة صعبة، الوظيفة الحكومية اعتبرتني لا أصلح للعمل، والشؤون الاجتماعية تراني قادراً على العمل، وليس من حقي الإعانة، لحظتها تألمت بشدة وشعرت بمهانة، فأنا لا اريد المساعدة، ولم اسعى لها يوماً، لكن اسرتي كبيرة، وأنا احرمهم ابسط أحتياجاتهم لأني لا املك المال الكافي، ومنذ فصلي من العمل لا يمر شهر الا وأستدين من عائلتي لأوفر قوت واحتياجات أبنائي.

صدمة عريس

انتقلنا إلى إمارة رأس الخيمة، وفيها حسن (30 عاماً)، الذي تحول إلى إنسان مطارد من البنوك، ومهدد بالحبس، منذ اصابته بالمرض. ويروي قصته، قائلاً: في عام ،2005 كنت مهندساً في شركة كبرى، ولأني كنت كفئاً، ومتميزاً في وظيفتي، كنت اتحصل على راتب ومكافآت شهرية تزيد على 22 الف درهم، حتى جاء موعد الفحص الدوري للموظفين، الذي أظهر أني مصاب بفيروس الإيدز.

اسودت الحياة في عيني، وكنت وقتها مازلت عريساً جديداً، اصبت بحالة نفسية سيئة جداً، وازداد الأمر سواداً، حين تسلمت قراراً بفصلي، لأني غير لائق طبياً.

ولأنهم فصلوني، لا أحصل على أي راتب شهري، في حين انهم لو احالوني إلى التقاعد لحصلت على راتب تقاعدي. فجأة، وجدت نفسي من دون دخل، وأنا حاصل على قرض بـ 200 الف درهم، منذ سنوات لبناء بيت الزوجية، وبعد توقفي عن السداد، وتراكم الفائدة ارتفع المبلغ المطلوب سداده الى أكثر من 500 الف درهم.

وأضاف حسن بحثت عن وظائف في مختلف الجهات، لكن بمجرد إجراء الفحص الطبي، يصدر قرار فوري، برفض تعييني. لم أجد أمامي سوى وزارة الشؤون الاجتماعية التي تساعدني شهرياً بمبلغ 4300 درهم، لا تكفي لأسدد قسط البنك. ويكمل «أنجبت بعد اصابتي بالمرض طفلاً غير مريض، وزوجتي، والحمدلله لم تنتقل اليها العدوى، لأننا نطبق اسس الوقاية الطبية».

أنا الآن، مطارد من البنك، ومهدد بالحبس في أي وقت، وإذا ما سجنت لا أعرف من سيرعى أسرتي، ويوفر لها سبل الحياة.

ويتابع: كل قرض بنكي يتم التأمين عليه، وشركة التأمين تتولى سداد القرض اذا مات المقترض، أو أصيب بعجز، لكنها في حالتي، لم تعترف بمرضي، ولم تسدد القرض نيابة عني.

وكل ما أطلبه، ان يكون هناك هيئة حكومية، مخصصة للتعامل مع حاملي هذا الفيروس، وتوفر لهم الوظائف، وتساعدهم على حل مشكلاتهم، لأني لا أريد ان أعيش عالة على المجتمع، فأنا في عز شبابي وقادر على العمل والإنتاج، وأتمنى ان أسدد ديني من راتبي.

مخدرات بالإيدز

وفي الشارقة، كان لنا موعد مع (ف.س) الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، وانتقل اليه المرض اثناء تعاطيه المخدرات بالإبر، واكتشف الفيروس حين كان يجري فحصاً طبياً.

ويقول: منذ ذلك اليوم انقلبت حياتي إلى جحيم، خصوصاً بعد فصلي من وظيفتي، وكانت وظيفة تدر دخلاً مالياً كبيراً، ومضى عليّ سنوات طويلة دون عمل، وكلما تقدمت إلى وظيفة يكون الرفض جاهزاً لأني مصاب بمرض خطر، بل وأواجه بحالة نفور من أي صاحب عمل. لا أنكر اني اخطأت حين تعاطيت المخدرات، لكن هل يكون جزائي فقد مصدر رزقي، ولا اجد ما أنفقه على اسرتي وأظل طوال عمري منتظراً لمساعدات الغير التي قد لا تأتي؟

ويكمل: حالتي ليست الوحيدة، بل هناك حالات أخرى، صدرت بشأنها احكام قضائية، لعدم قدرتها على سداد الديون، وهؤلاء مصابون الآن بآلام نفسية شديدة، وعلى الرغم من انهم هزموا المرض، لكن البطالة، تقتلهم نفسياً، وقد تدفعهم إلى الانتحار.

جمعية سعودية تزوج 94 مصاباً بالإيدز

في المملكة العربية السعودية، تجربة ناجحة، لجمعية خيرية، تتولى منذ أكثر من أربعة أعوام، تزويج مرضى الايدز، ورعايتهم، وتوفير فرص عمل لهم.

وعبر الهاتف من الرياض، تحدثت رئيسة مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز، الدكتورة سناء مصطفى فلمبان، لـ«الإمارات اليوم» أن الجمعية نجحت في اتمام 94 حالة للزواج بين المتعايشين مع فيروس الايدز بالتعاون مع مركز المعالجة في وزارة الصحة السعودية، وخضعت النساء المتزوجات لمتابعة صحية دقيقة خلال فترة الحمل وحصلن على العلاج اللازم، وبلغ عدد المواليد الأصحاء من آباء مرضى 79 طفلاً ليس بينهم مصاب بفيروس الإيدز. وتؤكد فلمبان، وهي أيضاً، مديرة برنامج الايدز في وزارة الصحة السعودية، أن الجمعية تستقبل مريض الايدز الراغب في الزواج، وتطلب منه تحرير استمارة توضح المواصفات التي يطلبها في الشريك، ويتم بحث هذه المواصفات في الاستمارات الاخرى الموجودة مسبقاً للطلبات التي تقدم بها المتعايشون الآخرون ويتم اختيار المتطابق مع هذه المواصفات، والاتصال به وإعطاؤه المعلومات عن الطرف الراغب في الزواج، وفي حال استحسن المواصفات يتم التوفيق بينهما واحالتهما إلى الطبيب المختص في مركز معالجة الايدز لإعطائهم التقرير الطبي بعد إجراء الفحوص الطبية اللازمة.

 

أيام في «المبنى المخيف»

 

ترددت «الإمارات اليوم» على مدار أيام عدة، على «المبنى المخيف» في هيئة الصحة في دبي. وهذا الوصف، يطلقه، البعض، على القسم رقم 4 في مستشفى راشد.. قسم (الأمراض المعدية)، الذي يستقبل مرضى الإيدز، وكل مصابي الامراض المعدية والخطرة. قضينا أكثر من ساعة نبحث عن هذا القسم، طفنا كل طرقات المستشفى، ولم نصل اليه، حتى دلنا عامل بسيط، إلى موقعه، واكتشفنا أنه مبنى منعزل كلياً عن المستشفى، وفي منطقة خلفية، مختفية عن الأعين، ولا يحمل أي عبارة توضح أنه يعالج الأمراض المعدية. أمام ابواب المبنى، كان خمسة من رجال شرطة دبي، يراقبون كل من يدخل إليه أو يخرج منه، واكتشفنا، أنهم مرافقون لمساجين مصابين بالايدز يتلقون العلاج مجاناً داخل القسم، بعضهم يبيت في غرفة العلاج، وآخرون ينهون جلسة العلاج ويعود إلى السجن. أبواب القسم، لا تفتح الا ببطاقة إلكترونية، ومزودة بكاميرا للمراقبة، على مدار الساعة. بعد حصولنا، على موافقات من هيئة الصحة، ومستشفى راشد، أصبح مسموحاً لنا دخول، هذا المبنى، وحين تقترب منه، لا شك سوف تصيبك رهبة الخوف، والقلق خشية الاصابة بعدوى. حين تفتح الابواب، تقابلك رائحة سوائل التعقيم التي تعم المكان، وتلفت نظرك ماكينات غسل اليدين بالمطهرات، المثبته بعدد كبير على كل الجدران، حين تمضي داخل القسم، تقابلك صالتان، الاولى للمرضى الرجال، والثانية للنساء، وفيهما، ترى المرضى ينامون على اسرتهم، في غرف بجدار زجاجي، بعضهم يؤدي الصلاة، وآخرون يتناولون طعامهم، أو يشاهدون التلفاز.

وكان واضحاً، أن دخول أي من هذه الغرف، غير مسموح به سوى لأطباء محدودين، يمرون اولاً بصالة صغيرة ملحقة بكل غرفة، يرتدون فيها أقنعة وقفازات واقية، ثم ينتقلون للمريض. ولا تنتهي حالة القلق الا حين تصل إلى غرفة استشاري الامراض المعدية الدكتور عبدالله الاستادي، الذي يستقبلك بابتسامة ويدعوك للاطمئنان، فلن تنتقل اليك أي عدوى. في هذه الغرفة، يستقبل الاستادي مرضى الإيدز، القادمين من منازلهم، وترى انهم يتعاملون مع الطبيب، باعتباره أخاً كبيراً لهم، من طول السنوات التي يقضونها في تلقي العلاج على يديه. ويبدو أن هذا المكتب تحول الى مقر مصغر للشؤون الاجتماعية، بداخله يبوح مرضى الإيدز بمعاناتهم، وآلامهم في المجتمع الذي يطاردهم بوصمة العار. وبعضهم يذرف الدموع ألماً، لأنه لا يجد وظيفة ينفق منها على اسرته، ويشكو مطاردة مندوبي البنك، مطالبينه بقسط القرض. ويدعوهم الأستادي إلى التفاؤل، ويمدهم بالأمل وكثيراً ما يجري اتصالات مع جهات عدة، لمساعدة هؤلاء المرضى، والعمل على حل مشكلاتهم قدر استطاعته، والحد من معاناتهم.

 

كبير المفتين في دبي اشترط ضمان عدم انتقال العدوى

زواج مرضى الإيدز بأصحاء..جائــز شرعاً

أجاز كبير المفتين في دبي الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد «زواج شخص مصاب بالايدز من طرف غير مصاب، بشرط تأكيد أطباء أن هذا الزواج، لن يكون سبباً في نقل العدوى للشخص السليم».

وقال في مقابلة مع «الإمارات اليوم» إنه لا يدعو إلى زواج مصاب بمرض معدٍ مثل الايدز، من آخر غير مريض، طالما سيكون هذا الزواج سبباً في نقل العدوى، مشيراً إلى أن إنجاب مرضى الايدز جائز بشرط توافر ضمانة طبية بإنجاب مولود غير حامل للفيروس.

هل يجوز أن يتزوج شخص مريض بالإيدز من شخص غير مريض علماً بأن هناك أدوية تعمل على منع نقل الفيروس؟

تنهى الشريعة الإسلامية عن الافعال التي قد تضر بالإنسان وتقتله، وتلقي به إلى التهلكة، والزواج من طرف مصاب بمرض خطر، ينقل العدوى، هو زواج غير جائز، لكن اذا ما انتفى هذا السبب فالزواج جائز.

وسبق أن اصدرت فتوى، جاء في نصها أن «الإسلام حرص على سلامة الإنسان وحمايته من الأمراض المعدية، ليكون إنساناً قوياً فاعلاً، فقد نهى الله تعالى الإنسان أن يُلقي بنفسه إلى التهلكة أو أن يقتل نفسه، والدخول في زواج فيه مثل هذه العدوى هو قتل للنفس بشكل بطيء، وإلقاء لها كذلك في معمعة المهالك، لأن النتيجة السيئة تكاد تكون حتمية من هذا الداء العضال، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم، نهياً مباشراً عن كل ما يكون سببا لانتقال العدوى»، فقال: «لا يورِدَن ممرض على مُصح» أي لا يرد المريض على الصحيح خشية أن يتأثر به، وهذا نص في الموضوع لا يحتمل التأويل، بل نهى عن الدخول في أرض الوباء، فقال: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، كل ذلك من أجل أن يحمي الإنسان من الوقوع في براثن الأمراض الفتاكة، وهذا من سبق الإسلام لما يعرف اليوم بالحجر الصحي، الذي تنادي به كل القوانين الصحية الدولية، لأن حماية الإنسان من الأمراض الفتاكة مثل هذا الوباء المعدي من أوجب الواجبات على الفرد نفسه وعلى مجتمعه.

واضافت الفتوى «إذا تطور الطب تطوراً يمنع من العدوى فذلك خير وبركة، وعند تحققه فإنه لا مانع من زواجهما بشرط تقرير الأطباء بسلامة ما يُنسلانه من مرض معدٍ، وأن يظلا تحت مراقبتهم ومسؤوليتهم، لأن حكم المنع كان بسبب العدوى، فإذا انتفت انتفى، للقاعدة الأصولية المشهورة (الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً)». والفتوى في جواز زواجهما وعدمه تكون مبنية على تقرير الأطباء الثقات.

فإن أمن النسل، وكان كل من الرجل والمرأة حاملين للمرض، أو أحدهما، ولن يزداد أحدهما بالزواج شيئاً جديداً، أو تلحقه عدوى، فإن القول بمشروعية الزواج عندئذ يكون وجِيها، إذ الغائلة التي يخاف منها هي موجودة فعلا، أو مأمونة، فإذا رضي كل منهما بعيب صاحبه، وأراد أن يعيش بقية حياته بزواج شرعي فلا أرى بأساً بذلك.

وهل قابلتم حالات لزواج من هذا النوع؟

نعم وردتني أخيراً حالة من هذا النوع من قبل طبيبة مختصة، وكانا يرغبان في الزواج، وقامت الطبيبة بواجبها في حمايتهما من العدوى، والمحكمة الشرعية لم تمانع ذلك مع وجود الرعاية الطبية.

هل هناك مانع شرعي إذا ما رغبت مريضة بالإيدز في الإنجاب وإذا ما كان هناك علاج لذلك هل يكون جائزاً؟

إذا وجد الدواء النافع الحائل من العدوى فإنه لا مانع من ذلك، فإن الذرية من مقاصد الزواج العظيمة، وهي زهرة الحياة الدنيا وزينتها.

جهات التوظيف تخشى تعيين مرضى الإيدز، وتتذرع بأن الشرع يمنع توظيف المرضى، حتى لا يكونوا سبباً في الضرر للآخرين، ما تعليقكم؟

العمل والكسب حق لكل قادر على ذلك من ذكر وأنثى، ما دام أنه مأمون العدوى، ومعلوم أن هذا المرض ليس معديا بالعمل والمصافحة ونحوهما بل بالالتقاء الجنسي أو الدم، وليس في العمل شيء من ذلك، بل إن العمل يخفف عن المريض آلامه النفسية ويشعره بالقرب من الناس، وهذا من حقوقه على المجتمع.

ما رأي الشرع في تعامل الناس مع مريض الإيدز بنفور؟

هذه نظرة جاهلية ينبغي للمجتمع المثالي أن ينأى بنفسه عن ذلك، فهذا المصاب وإن كانت إصابته حصلت بسبب وقوعه في الغلط، فإنه لا ينبغي أن يعامل كنكِرةٍ في المجتمع حتى لا ينتقم منه، أو أن يكره الحياة فينتقم من نفسه، ويكون المجتمع سبباً في ذلك، بل ينبغي أن يخفف عنه ويواسى، ولعله يكون قد تاب توبة لو قسمت على المجتمع لو سعتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم، ينهى عن مثل ذلك، كما جرى لمن أقيم عليه حد شارب الخمر مراراً، فقال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان»، لكن قولوا: رحمك الله»، وينبغي أن يكون عبرة لمن رحمه الله بترك المعاصي، فيحمد الله تعالى على السلامة والعافية.

تويتر