مـرضى إيـدز يطالبـون بحق العمـل والزواج والإنجاب

قسم الأمراض المُعدية في دبي يعالج مرضى الإيدز بسرية تامة. تصوير: دينيس مالاري

في قسم الأمراض المعدية في مستشفى راشد في دبي، كان رئيس القسم الدكتور عبدالله الاستادي، يتحدث لـ«الإمارات اليوم» عن معاناة مرضى الايدز، وبالمصادفة دق هاتفه الشخصي، وكان على الطرف الآخر، امرأة في الـ40 من العمر، اعتادت ان تتصل بالطبيب كل بضعة أيام، طالبة أن يجد لها مريضاً بالإيدز، يكون مناسباً للزواج بها.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل يرجى الضغط على هذا الرابط

هذه المريضة، وفق ما قالت لنا عبر الهاتف، اصيبت بفيروس الإيدز، اثناء خضوعها لعملية جراحية خارج الإمارات، وقبل خمسة أعوام، ارتبط بها شاب مناسب، واتفقا على الارتباط، وعندما توجها إلى مركز فحوص ما قبل الزواج، تلقت أكبر صدمة في حياتها، فقد أظهر تحليل مخبري أولي، وآخر تأكيدي، أنها مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).

وتضيف: عندما علم خطيبي بالأمر، قرر في الحال التراجع عن هذه الزيجة، تخلى عني وتركني أعاني أقسى أيام حياتي بمفردي، وكنت وقتها أظن أن أياماً قليلة تفصلني عن الموت.

لكن بعد انتظامي في العلاج اكتشفت ان «الإيدز» صار مرضاً عادياً لن يقتلني، ولن يجعلني قعيدة أو حبيسة المستشفيات، وبعد خمسة أعوام من العلاج، وجدت ان من حقي البحث عن زوج، يكون شريكاً لي في حياتي.

وتابعت «أنا على يقين أن أي شخص حين يعلم بمرضي سيبتعد عني، أو بالأدق يهرب مني، لذلك طلبت من الدكتور الاستادي أن يساعدني في الوصول شخص مصاب بالفيروس أرتبط به، موضحة «لجأت إلى الاستادي كونه الطبيب المعالج لي ويمكنه تحقيق هذا الطلب الشخصي، بعد ان عجزت تماماً عن العثور على جهة حكومية أو خيرية تزوّج مرضى الإيدز».

تكوين أسرة

ويؤكد الاستادي، الذي يتعامل مع مرضى الإيدز منذ أكثر من 24 عاماً، أن هذه المريضة مجرد نموذج لعدد كبير من المرضى، قد يزيد عددهم على 600 مصاب، النسبة الأكبر منهم في عمر الشباب، يطلبون حقوقهم الإنسانية في الزواج والانجاب والعمل، مضيفاً «كثيرا ما استقبل مرضى في مكتبي وأتلقى اتصالات منهم، يطلبون المساعدة في الزواج، أو توفير وظيفة لهم».

ويضيف: لأن الإيدز يتحول إلى مرض بسيط، اذ انتظم المريض في العلاج، ولأن المرضى اصبحوا يعيشون حياة طبيعية، فمن حقهم ان يبحثوا عن وظيفة، ويكوّنوا أسراً بالزواج والإنجاب، لافتاً إلى أن العلاج الحديث، والتقدم الطبي في الإمارات يتيح لهم تحقيق هذه المطالب.

وطالب بتأسيس جهة حكومية، تهتم بشؤون هؤلاء المرضى، وتوفر لهم العمل، وتوفق بين المرضى للزواج، محذراً من أن عدم توفير الزواج لمرضى معظمهم في عمر الشباب، قد يدفع بعضهم إلى سلوك منحرف، وبالتالي نقل العدوى إلى آخرين، وهنا يكمن الخطر.

قانون توظيف مرضى الإيدز حبيس «الأدراج»

في عام 2005 أعلن وزير الصحة في ذلك الوقت، حمد المدفع، أن تشريعاً يجري إعداده يحدد حقوق وواجبات المتعايشين مع مرض الإيدز في الدولة.

ورحل المدفع، وتولى من بعده الوزير حميد القطامي، الذي أعلن على مدار عامي ،2006 و2007 وحتى ،2009 أن قانون الإيدز سيصدر قريباً، لكنه نقل من موقعه الوزاري، ليأتي الوزير حنيف حسن، الذي أعلن مراراً عن قرب صدور القانون، وكان آخر تصريح له العام الماضي، ان صياغة القانون انتهت.

وانتظر مرضى الإيدز والمتخصصون صدور القانون، وطال انتظارهم، لكن المفاجأة أن القانون صدر قبل ما يزيد على عام، وتحديداً في أكتوبر ،2010 لكنه ظل حبيس الأدراج لدى مسؤولين عن الأمراض المعدية.

وسألت «الإمارات اليوم» أطباء ومرضى، عن علمهم بصدور القانون، فكانت الإجابة بالنفي، وأبدوا دهشتهم الشديدة من صدور القانون الذي يمس حياتهم بشكل مباشر، من دون أن يعلموا به. وحاولت الصحيفة الحصول على نسخة من القانون من إدارة التشريعات في وزارة الصحة، لكن امتنع مسؤولون عن تقديمه بأعذار مختلفة.

لكنّ مسؤولة البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، الدكتورة ندى المرزوقي، أكدت أن الفترة المقبلة ستشهد تفعيلاً للقانون، وتوعية المجتمع بأهدافه، وشرح مواده. وتوضح أن القانون يعطي مصابي الإيدز الحق في العمل، ويمنع فصلهم تعسفياً بسبب مرضهم، ويكفل لهم الحق في الدراسة، وفي الوقت نفسه يحدد واجباتهم تجاه المجتمع، مثل الحذر في عدم نقل العدوى.

من جانبه، طلب استشاري الصحة العامة والوبائيات الدكتور جمال المطوع، المؤسسات المعنية في الدولة بتفعيل القانون، وتطبيقه كونه يشكل الحماية التشريعية للمريض ويعطيه كل حقوقه.

العدوى والألم النفسي

ونظر الاستادي إلى تقرير طبي امامه بحزن شديد، وقال «هذا التقرير لمريضة من دولة آسيوية، تعرف إليها مريض بالايدز، وأقام معها علاقة، وبفحصها تبين أنها صارت مريضة مثله».

وأفاد بأن بعض الحالات المصابة بالمرض، خشيت من إجراء فحص ما قبل الزاوج، الذي يظهر الإصابة بالأمراض المعدية، واتجهت إلى دول قريبة لإجراء هذا الفحص، وعقدت القران فيها، ثم عادت إلى الدولة، وبسبب هذا التصرف انتقل المرض للطرف غير المصاب.

وتؤيد الرأي نفسه، الرئيسة السابقة لقسم الأمراض المعدية في مستشفى راشد، الدكتورة ليلى الدبل، محذرة من ان مرضى الايدز اذا لم يندمجوا في المجتمع، بالوظيفة والزواج، سيصابون بآلام نفسية شديدة تصل الى الاكتئاب الحاد، متابعة «تعاملت مع حالات عدة منها، لذلك ادعو الى تسهيل اجراءات زواج هؤلاء المرضى، وتوفير السرية الكاملة لهم عند عقد القران».

شريك الحياة مريض إيدز

وكشفت رئيسة قسم الأمراض المعدية في هيئة الصحة في أبوظبي، الدكتورة فريدة الحوسني، أن العامين الماضيين شهدا زواج ثلاث نساء غير مريضات برجال مصابين بالإيدز في أبوظبي.

وروت ان هؤلاء النساء كن على علم كامل بإصابة الطرف الثاني، وابدين رغبة حقيقية في الزواج منهم، وبدورنا أوضحنا لهم سبل الوقاية من انتقال العدوى، وشرحنا لهم فرص الإصابة، وبالفعل تم الزواج، ومازال مستمراً بنجاح، ولم تصب أي من الزوجات الثلاث بالفيروس.

لكن استشاري الصحة العامة والوبائيات، الدكتور جمال المطوع، يرفض زواج طرف مصاب من آخر غير مريض، معتبرا انه «خطر لأن الزوجين قد يتساهلان في الإجراءات الوقائية، ما يتسبب في نقل العدوى».

واجتماعياً، تتفق المستشارة الأسرية، وداد لوتاه، مع مطلب تزويج المصابين بالإيدز، وايجاد جمعية أو مؤسسة، تؤدي دور (الخاطبة) بينهم.

وتروي لـ«الإمارات اليوم» أنها منذ أشهر تجري اتصالات مع مستشفى الوصل في دبي، ومستشفيات أخرى، بحثاً عن مريضة إيدز، حتى تزوجها لشاب مصاب يبحث عن شريكة لحياته منذ فترة طويلة.

وترى لوتاه ان تزويج حالات مصابة بالفيروس، يحمي المجتمع والأمن الصحي، من أي انحراف سلوكي للمريض الشاب، الذي قد يضطر إلى البحث عن الجنس بطرق غير شرعية اذا لم يتزوج.

أجنة غير مصابة

ولم يوفر الطب الحديث في الإمارات، الزواج لمرضى الإيدز فحسب، بل تعداه إلى مرحلة إنجاب أطفال غير مرضى، من والدين مصاب أحدهما أو كلاهما بفيروس الايدز.

وتقول الحوسني: هناك طرق عدة لحماية الأجنة من فيروس الإيدز، منها خضوع الأم الحامل إلى إشراف طبي كامل، والحصول على أدوية تقلل نسبة الفيروسات في الدم، وعن طريق تقنيات حديثة مثل غسل المني والتلقيح الاصطناعي، وهي تقنيات اثبتت نجاحها في إنجاب أطفال غير مرضى من آباء مصابين بالإيدز.

ولا يمانع الاستادي في الانجاب من مرضى الايدز، موضحاً أنه «قبل توافر العلاج الحديث، كانت فرصة انجاب جنين غير مصاب بالفيروس 40٪، لكن مع توافر الدواء، وتوافر تقنيات غسيل المني، ارتفعت النسبة إلى 90٪، شرط الالتزام بالعلاج»، كاشفاً عن أن مستشفيات هيئة الصحة في دبي سجلت خلال الأشهر الأخيرة أربع حالات لمصابات بالإيدز، انجبن أطفالاً غير مرضى.

ويروي أن مريضة نصحها الأطباء بعدم الحمل، لكنها لم تستجب، وحملت توأماً، فقررنا أن الحل الأمثل هو الإجهاض، منعاً لمولد طفلين مصابين بالفيروس.

لمشاهدة المخطط بشكل واضح يرجى الضغط على هذا الرابط

وبالفعل، حصلنا على إذن شرعي، ووافقت المريضة على الإجهاض، وجاءت إلى مستشفى الوصل في الموعد المحدد، وارتدت ملابس العملية الجراحية، واثناء نقلها إلى سرير غرفة العمليات، صرخت طالبة الخروج من المستشفى، لأنها لا تريد ان تقتل طفليها، وستحتفظ بهما مهما حدث.

ويكمل الاستادي ادخلنا المريضة قسم الأمراض المعدية، وامضت الأسابيع الأخيرة من الحمل تحت إشراف الأطباء، ورزقت بطفلين غير مصابين بالفيروس، وهما الآن بصحة جيدة تماماً، مضيفاً «هناك حالات أخرى لإنجاب أطفال غير مرضى من أمهات مصابات، وأعمار هؤلاء وصلت الى 14 و16 عاماً، من دون اصابة.

إصابات الأجنة محدودة

وتشترط الخبيرة السابقة في البرنامج الانمائي للامم المتحدة للايدز، الدكتورة خديجة معلى، أن يبلغ الشخص المريض الطرف الثاني بحقيقة أصابته بالمرض، قبل اتمام الزواج، مشيرة إلى أن البرنامج سجل عدد كبير لحالات تزوجت من غير حاملين للفيروس، وزواجهم مستمر دون نقل العدوى، لالتزامهم بطرق الوقاية الطبية.

وتبشر معلى، الاسر المصابة بالايدز، بأن الحمل اذا تم تحت مراقبة طبية للتبويض، وتلقت الام علاجا مستمر ثلاثة أشهر قبل الولادة، فأن نسبة انجاب طفل مريض تكاد تكون معدومة، موضحة أن دراسة حديثة، أظهرت ان التزام النساء بالعلاج الكامل اثناء الحمل، يخفض فرصة الاصابة، لتصبح طفل مريض لكل 10 الاف حالة ولادة.

ديون تحاصر المرضى

يبقى المطلب الثالث والملحّ لمرضى الايدز واطبائهم في الإمارات، هو توفير فرص عمل لكل المصابين.

ويؤكد الاستادي، الذي يوصف بأنه «الاب الروحي» لمرضى الايدز في الدولة، لعلاقته بهم منذ ما يزيد على عقدين، انه يستقبل مرضى تعرضوا للفصل من وظائفهم، بسبب اصابتهم بالفيروس، ومرضى ظلوا عاطلين عن العمل سنوات طويلة، وهي أمور تقتل مصابي الإيدز نفسياً وتعرقل علاجهم.

وقال «لدي قائمة طويلة لمرضى، يعولون أسراً كبيرة، ليس لهم دخل شهري، ويعيشون على الإعانات، وآخرون تراكمت عليهم القروض البنكية ما قادهم إلى القضاء والحبس، على الرغم من أنهم قادرون تماماً على العمل والانتاج، مثلهم مثل أي شخص طبيعي».

ويعتبر الاستادي أن فصل موظف لمجرد أنه مصاب بالإيدز، يعد فصلاً تعسفياً، ويكشف عن جهل كبير بحقيقة المرض، فالمصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة، لا ينقل العدوى لزملائه في العمل، مهما كان بينه وبينهم من مصافحة أو تناول مشروبات في كوب واحد.

ويضيف «قطعاً، نحن لا نطلب ان يستمر طبيب جراح مصاب بالإيدز في اجراء عمليات، والأمر نفسه مع العاملين في مجال التمريض، لاشك ان هناك مهناً خطرة لا نسمح بأن يمارسها مصاب إيدز، لكن هذا لا يدعو الى فصلهم، والحل الأمثل نقلهم إلى أعمال كتابية، لأن فصل موظف من عمله لأنه ابتلي بمرض، يعني تحطيمه وقتله نفسياً».

رفض الموارد البشرية

وأفاد بأن المشكلة الكبرى في الإمارات، تكمن في مسؤولي الموارد البشرية في الشركات، إذ التقيت عدداً كبيراً منهم، وتحدثنا في اجتماعات عدة، وشرحت لهم طبيعة الإيدز الذي اتعامل مع مرضاه منذ أكثر من عقدين، لكنهم في النهاية متمسكون بمواقفهم، ويرفضون تعيين المرضى، خوفاً من العدوى.

ولفت إلى أنه يضطر، بالتعاون مع قسم شؤون المرضى في مستشفى راشد، للتواصل مع مسؤولين في شركات خاصة، لطلب وظيفة لمريض.

ويبدي الطبيب دهشته من خوف الناس من مريض الإيدز، اذا ما علموا بإصابته، لكنهم في الوقت نفسه يتعاملون في حياتهم اليومية مع أشخاص كثيرين قد يكون بينهم مرضى غير معروفين، متابعاً «أنا اجلس في نوادً أو (كوفي شوب)، وأرى مرضاي بين الحاضرين يتسامرون مع أصدقائهم، ويحتسون القهوة، بصورة طبيعية، لأن لا أحد من الحاضرين يعلم بإصابتهم».

المأساة الكبرى

وتصف الدكتورة فريدة الحوسني، بطالة مرضى الايدز بأنها «المأساة الكبرى»، مضيفة: يجب ان تنتهي نظرة المجتمع السلبية تجاه هؤلاء المرضى، ويتم النظر اليهم باعتبارهم مرضى تقليديين، لن يصيبوا أحداً بالعدوى، إلا من يختلطون معهم بالدم، او العلاقات الجنسية، وهي أمور لا تحدث في مواقع العمل. وأجمع أطباء يعالجون مرضى الايدز في الدولة، على ضرورة وجود جهة حكومية، تتولى توفير فرص عمل للمصابين، والتوفيق بينهم في الزواج، لكنهم يعترضون على منحهم اعانة شهرية، لأن هذه الإعانة قد تحول المريض الى شخص يعاني الفراغ، وقد يسلك سلوكاً منحرفاً، لكن توفير الوظيفة، هو المساعدة الصحيحة، لأنه في النهاية شخص طبيعي يحمل مرضاً مزمناً.

وشددوا على أن عائلات المرضى مطالبون بتقبل اصابات ابنائهم، وتوفير الدعم الاجتماعي لهم حتى يعيشوا حياة طبيعية، لكن استمرار «نظرة العار والنفور منهم» من أقرب الناس إليهم، يكاد يكون قاتلاً لهم.

تويتر