مشاعل والكبيسي يرفضان إجازته ويؤكدان أن الرأي الطبي لا يصح دائماً

أطباء يطالبون بفتوى تجيز إجهاض «أجنة الثلاسيميا»

أطفال الثلاسيميا يعانون كثيراً خلال عمليات نقل الدم الدورية. أ.ف.ب

طالب أطباء في الدولة علماء الدين الإسلامي باستصدار فتوى تبيح إجهاض الأجنة المصابة بمرض الثلاسيميا، التي يبلغ عمرها في الرحم أقل من 10 أسابيع، أسوة بدول إسلامية أخرى أصدرت فتاوى تجيز اجهاض تلك الاجنة إذا ما ظهرت عليها أعراض الإصابة بالثلاسيميا.

وتروي المواطنة شيخة راشد (56 عاماً) معاناتها مع مرض الثلاسيميا، الذي أدى إلى وفاة بنتين من بناتها، مؤكدة أنها كانت تأمل أن تكون هذه الفحوص والتحاليل متوافرة قبل 35 عاماً لتجنب أولادها هذا المرض.

اجتهادات العلماء

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/351391.jpg

شهدت دول إسلامية عدة اجتهاد علماء الدين، وصدرت عنهم فتاوى بشأن إجهاض الأجنة بشكل عام، وتختلف آراء العلماء بهذا الشأن، إذ إن عدداً من العلماء يجيزون إجهاض الجنين إذا أثبتت الاختبارات الطبية في المرحلة المبكرة من الحمل أنه يعاني بعض التشوهات الخلقية التي لا يمكن علاجها، والتي قد تتسبب في معاناة كبيرة للطفل بعد ولادته، واشترط العلماء في هذه الحالة أن يكون عمر الجنين أقل من 120 يوماً.

ويخالف عدد آخر من العلماء هذا الرأي الديني ويرون أن عمر الجنين القابل للإجهاض ينبغي أن يكون أقل من 42 يوماً، ويعتقد فريق ثالث أن الإجهاض غير جائز على الاطلاق في مثل هذه الحالات. كما أن هناك رأياً يؤيده عامة علماء المسلمين، هو أن الإجهاض غير جائز بعد مرور 120 يوماً للجنين داخل الرحم إلا إذا كان هناك خلل في مبيض الأم من شأنه أن يعرض حياتها للخطر.

وتقول شيخة: «تزوجت ابن عمي وكلانا حامل لمورث الثلاسيميا، ولهذا السبب أصيب بعض أطفالي بهذا المرض، وفقدت اثنتين من بناتي بسبب هذا المرض»، وتضيف أن رعاية مرضى الثلاسيميا من أصعب الامور، فقد كان عليها ان تحمل طفلتها عندما كان عمرها أشهراً قليلة من أجل عمليات نقل الدم، لافتة إلى أنها كانت تفعل ذلك كل ثلاثة أسابيع في المستشفى، وكانت طفلتاها عنيدتين، وكثيراً ما رفضتا الطعن بالابر في الحلق كل يوم من أجل إدخال الدواء، ونتيجة لذلك فشلت كلتاهما في المدرسة، وتم طردهما منها في المستوى السادس، كما أنهما أصيبتا بداء السكري والقلب وتوفيتا بالذبحة الصدرية.

وتابعت راشد أن ابنتها الكبرى ماتت في سن 18 عاماً، أما الصغرى ففي سن 16 عاماً بسبب المرض نفسه. وذكرت انه وفق أطباء فإن مريض الثلاسيميا لا يموت بسبب المرض نفسه، وإنما بسبب مضاعفات أخرى حادة ناتجة عن المرض وعمليات نقل الدم في الأساس. وأكدت أنها لو قدر لها أن تعود مرة أخرى إلى ذلك الزمن وتتوافر لديها فرصة للفحوص فإنها كانت ستجري عملية إجهاض حتى لا تنجب طفلاً مصاباً بالثلاسيميا، وتعايشه وهو يعاني ويتألم أمام عينيها.

من جانبه، طالب أحد الأطباء في دبي، طلب عدم ذكر اسمه، علماء الدين الاسلامي بإيجاد مخرج ديني لهذه المشكلة من خلال الحوار مع الأطباء وأسر الأطفال المصابين بالثلاسيميا، وزيارة هؤلاء الاطفال في المستشفيات والوقوف على معاناتهم اليومية قبل أن يصدروا أي فتوى بشأن الإجهاض.

وقال «أعالج أطفالاً مرضى بالثلاسيميا منذ أكثر من عقدين من الزمان، وخلال هذه الفترة شاهدت معاناتهم اليومية»، موضحاً أن «بعض هؤلاء الاطفال يخضعون لعمليات نقل دم في بعض الأحيان بعد ولادتهم بستة أشهر، فمن الصعب على طفل في مثل هذا العمر ان يتحمل عملية نقل دم تدوم أكثر من خمس ساعات، كما أنه ليس امراً سهلاً بالنسبة للطاقم الطبي ووالدي الطفل».

وأشار هذا الطبيب إلى الألم الشديد الذي يقاسيه الطفل من وخز الإبر أثناء نقل الدم كل ثلاثة أسابيع، كما أنه يتعرض أيضا للحقن يومياً من أجل جرعات دواء الثلاسيميا الاخرى في البيت، مؤكداً أن هذا ليس بالعمل السهل على الطفل، لافتاً إلى ان هؤلاء الاطفال محرومون من التمتع بالحياة الطبيعية والنشوء مثل أقرانهم الأصحاء، فمثل هذا الوضع يتسبب في مشكلات كبيرة في حياتهم.

وأشار إلى أنه وفقاً للمراجع الطبية فإن طفل الثلاسيميا لا يعيش أكثر من 15 عاماً، ويموت كثير منهم قبل هذه السن إذا لم تتوافر لديهم العناية الصحية اللازمة في المنزل، كما أنهم يصابون نتيجة ذلك بأمراض أخرى مثل أمراض القلب والسكري.

وقالت اختصاصية أمراض النساء والولاده زميلة الكلية الملكية البريطانية بمستشفي النور في العين، الدكتورة سميرة عبدالرحمن غرد لـ«الإمارات اليوم»، «هناك نوعان من الإصابة بمرض الثلاسيميا، الأول (بيتا)، ويتعرض الطفل المصاب بهذا النوع من المرض للوفاةأ فى بطن أمه أو أثناء الولادة، أو في مراحل مبكرة جداً من العمر، أما النوع الثاني من المرض (الفا) فيمكن للطفل المصاب به العيش لمرحلة متقدمة فقط من العمر مع الاحتياج إلى عمليات نقل دم مستمرة».

وأكدت أن ثوابتها المهنية تحول دون القيام بعمليات الإجهاض، لافتة إلى ضرورة الاستعانه بالرأي الفقهي عند عدم قدرة الوالد على تحمل التكاليف المالية للطفل المصاب.

وأفاد أستاذ طبيب في مستشفى للتوليد في أبوظبي، رفض ذكر اسمه، بأن «الأم تصاب بحزن وألم شديدين عندما تعلم أن جنينها مصاب بالثلاسيميا»، لافتاً إلى أن أطفال الثلاسيميا لا يعيشون حياة عادية مثل بقية الأطفال، بل يقضون معظم حياتهم في العلاج وتلقي الأدوية، وبعضهم يتوفى وعمره أشهر قليلة، والبعض يعيش بضع سنوات ويتعلق به قلب الأم ثم يموت، مطالباً علماء الدين بإجازة عملية إجهاض الأجنة إذا ثبتت إصابتها بالثلاسيميا وعمرها 10 أسابيع، مثل دول إسلامية أجازت هذه العمليات. وأشار إلى أن العديد من الزيجات فشل بسبب هذا المرض، قائلاً إنه «في كثير من الحالات يتهم الزوج زوجته بأنها هي السبب في إصابة الطفل بهذا المرض، وفي بعض الحالات يترك الاب طفله ووالدته لمواجهة مصيرهما وحدهما، وفي بعض الحالات تكرس الأم حياتها لرعاية الطفل»، مشيراً إلى أن هناك بعض الامهات والآباء بعد الانفصال يرغبون في الاقتران برفيق حياة آخر، وفي هذه الحالة يفقد الطفل رعاية والديه ويموت كثير منهم بسبب عدم تلقيه العلاج المناسب.

ويقول كبير المفتين في دبي، والمشرف على الفتاوى الإلكترونية في موقع دائرة الشؤون الإسلامية، الدكتور علي مشاعل، إن علماء الدين الاسلامي لديهم العديد من الفتاوى المتعلقة بإجهاض الاجنة المصابة بمرض الثلاسيميا، لافتاً إلى أن بعضهم يجيز مثل هذا الاجهاض لكنه لا يقر إجهاض تلك الاجنة إذا كان عمرها أكثر من 120 يوماً، أما البعض الآخر من العلماء المسلمين فيقول إنهم يرون عدم إجهاض تلك الأجنة حتى لو كانت أقل من 120 يوماً.

وأفاد مشاعل بأنه ثبت في حالات عدة خطأ التنبؤات الطبية، لافتاً إلى أنه في بعض الحالات التي تقول الاختبارات الطبية إن الجنين يعاني مشكلات طبية كبيرة، فإن الاطفال يولدون بصحة جيدة، والامر يعود أولا وأخيراً الى مشيئة الله.

بينما يرى العلامة الشيخ أحمد الكبيسي، أنه من غير الجائز إجهاض الجنين حتى لو ثبت أنه مصاب بمرض الثلاسيميا، متابعاً «أعتقد أنه لا يجوز إجهاض أجنة الثلاسيميا، على الرغم من أنني أعلم أن ذلك من شأنه أن يتسبب في مشكلات للطفل وعائلته، وعلى العموم كل ذلك بمشيئة الله، حتى لو أكد الطبيب أن الطفل لا يعيش أكثر من 15 عاماً فإن ذلك ليس حقيقة ثابتة، لأن كثيراً من هؤلاء الأطفال عاش أكثر من ذلك، وكثيراً منهم تزوج وكون عائلة لنفسه». وأضاف الكبيسي أن الحالة الوحيدة التي يتم فيها إجهاض الطفل إذا ثبت أنه مصاب بتشوهات كبيرة جداً، ضارباً مثالاً بأن «نساء الفلوجة في العراق أنجبن أطفالاً مصابين بتشوهات كبيرة، حتى إن الأطباء لم يعرفوا ما إذا كان هذا المولود كائناً بشرياً أم لا، وفي كثير من هذه الحالات يأتي هؤلاء الأطفال الى الوجود بأشكال مختلفة، وفي هذه الحالة فقط أرى من الجائز إجهاض الاجنة، كما أنني أعتقد أن النساء في مثل هذه البلاد ينبغي ألا تحمل، وحرام عليهن الحمل».

تويتر