نقطة حبر

جهاز كشف الغيب

- قيل له: لماذا أردت الموت؟

- قال: لأني لم أعد أحتمل الحياة.

- هل وقع لك مكروه؟

- لا.

-هل تخشى وقوع مكروه في الأيام أو السنوات المقبلة؟

- لا.

- فلماذا أقدمت على الانتحار؟!

- رأيتُ في مرآة الاختراع العجيب أنني خلال السنوات العشر المقبلة لم يتغير شيء في حياتي، إلا ظهور التجاعيد في وجهي، وزيادة في راتبي، وطفلة جديدة رزقتها، يا لها من حياة مملة، فهل أنا أسير إلى هذا الغد؟ لطالما تخيلت المستقبل أجمل من ذلك بكثير، ما قيمة الغد وأنا أراه بعيني؟ ما معنى الانتظار وقد فقدت أمل الغد المختلف؟

وهكذا تنتهي قصة «الاختراع العجيب» لتوفيق الحكيم بمجموعة من التساؤلات المحيرة عن غيب إذا ما كُشف لنا صار كالرواية السينمائية، التي يملّها المشاهد لأنه يعرف أحداثها لمعرفته بالرواية مسبقاً، أو لتكرار الأحداث في روايات مماثلة.

ويبدو أن لعدم معرفة الإنسان بالغيب حكمة اقتضاها الله سبحانه لعلمه بخلقه، فالحياة الآدمية لا تستقيم بمعرفة الغيب، حيث تفقد الحياة معناها بفقدان الأمل في الغد، والذي نرتقبه ليأتينا بحال جديد، إن حالة الغموض التي تكتنف الغيب تجعل الإنسان يبذل جهده طمعاً في الأفضل، فيبني رغبة في البقاء، كما أن عدم المعرفة تقتضي أن يخشى الإنسان ليأمن الحساب، ويحرص من خوف الحسرة، ويتجنب اتقاء العاقبة.

وليس معنى هذا أن ينفصل الإنسان عن مستقبله، فهناك فرق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، وبين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ في استغلال اليوم الحاضر، وبين التوجس المربك المحير مما قد يأتي به الغد.

إننا نحتاج إلى توازن ذكي بين الاهتمام بالغيب، وبين نبذه وعدم التفكير فيه، إن ضوابط إعمار الكون، ومقتضيات بقائه مرهونة بإنسان حُجب عنه الغيب، وسُتر عنه المستقبل، وغطى بصره الواقع، وهذا معناه الانشغال بالحاضر، واستغلال كل لحظة فيه بكل ما هو نافع ومفيد وبنّاء.

أيها الإنسان لا تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغيب، فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير، واعلم أن الحاضر الماثل بين يديك، والظروف الباسمة أو الكالحة، التي تلقي بظلالها عليك، هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنها مستقبلك، فلا معنى للانتظار!

تويتر