نقطة حبر

الإرادة الطيبة

قرأت أخيراً قصة بطل أميركي في رياضة التزلج الأولمبي، استطاع أن يتزلج على منحدر ثلجي بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، كما سجل اسمه على لوائح لاعبي المصارعة، وقد حاز ميداليات ذهبية عدة في السباحة، والمدهش في الأمر أنه استطاع تسديد ضربة غولف من بعد 15 متراً دون أن يراها! لكن لم الدهشة من ذلك؟ تكمن الدهشة في أن هذا البطل قد فقد بصره في سن السنتين من عمره، لكنه أصر بقوة إيمان عجيبة على أن يتابع دورة حياته، موقناً أن فقدان البصر ليس إعاقة، وإنما هي حالة تتضاءل أمام الإرادة.

جاهد «كريغ ماكفرين» كي لا يكون عالة على هذه الحياة، وكلما تسربت إلى نفسه ظلال يأس سارع بأن ينفض عنها كل محبط، وقرر أن يتخذ الرياضة سبيلاً إلى القمة، وعزم عزماً أكيداً على أن يكون شيئاً مهماً من خلالها، وأعلن عن نيته أن يصبح لاعب هوكي، وقد حاول بعض أفراد عائلته إقناعه بالعدول عن هذه الفكرة، لكن الفتى ظل يحلم ويحلم حتى حقق إحدى عشرة بطولة كندية، وست بطولات عالمية في المصارعة والسباحة والركض، ورمي القرص والرمح، وانتهى به المطاف واحداً من مستشاري المجلس الرئاسي الأميركي للياقة البدنية والرياضة.

يذكرنا هذا بعميد الأدب العربي، طه حسين، الذي قهر الظلام بقوة الإرادة، مدركاً أنه موجود لغاية في هذه الحياة، فحذف من قاموسه اللغوي والحياتي كلمة «لا أستطيع»، معززاً معتقده بقيمة ذاته، وكلما قسا عليه حاقد أو احتال له كاره، أو فاجأته كبوة؛ نهض مستنفراً متمثلاً قول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: «العظمة ليست في ألا تسقط؛ بل في أن تسقط ثم تنهض من جديد».

وقد هضم الشاعر الهندي طاغور هذه المعاني، فكان يردد: «يا رب إذا جردتني من المال؛ فاترك لي الأمل، وإذا جردتني من النجاح؛ فاترك لي قوة الصبر حتى أتغلب على الفشل، وإذا جردتني من نعمة الصحة؛ فاترك لي نعمة الإيمان».

وفي هذا السياق علينا نحن المربّين أن ندرك ذوات أبنائنا، مؤمنين بما يفعلون، مقدرين إنجازاتهم، وإن بدت لنا صغيرة، ولنغرس في نفوسهم أن الحياة هبة مقدسة، يجب أن نكرسها بأعمال مشرفة، وأن مقياس النجاح فيها لا يقف عند حد معين، والحياة تفقد معناها إذا خلت من الطموح، وإذا فقدت طاقة الإيمان.

عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية ــ جامعة الحصن

تويتر