نقطة حبر

كيف صاروا عظاماً؟

كان دائم التساؤل، يسأل عن كل شيء يراه.. ما اسمه؟ وما فائدته؟ لماذا يحدث ذلك؟ وأين ومتى؟ كانت له أسئلة لا تنقطع، وإذا لم تشبعه الإجابة كان يعاود السؤال مرة ومرات، وكانت أمه تجيبه عن استفساراته التي لا تكاد تنتهي، ولم يكتف بالتساؤل بل كان يحاول أن يختبر بنفسه صحة ما يقال، كان يراقب كل شيء حتى زادت فطنته وقويت ملاحظته.

كان عمره سبع سنوات حينما بدأ يطرق سمعه كلمات من معلميه مثل: خفيف العقل، أبله، مصاب بمس، معوق، كلمات كالرصاص، ويبدو أن الطفل كاد يقتنع بذلك؛ إلا أن أمه سارعت إليه بوعيها تنفي عنه ما يقوله معلموه، وأخذت تعيد الثقة لنفسه، لتقنعه أنه مميز، وأنه سريع التعلم والفهم، وصارت تشجعه ليل نهار، وغرست فيه حب القراءة، حتى صار يستبدل بملابسه كتباً، وصار يجرب كل ما يقرأ، خصوصاً في مجال العلوم، واتخذ من بيته معملاً يقوم فيه بتجاربه منفقاً كل ما يدخره في سبيل ذلك. وذات يوم طالع جهاز البرق (التلغراف) فبهره شكله وعمله، فانطلق يسأل عن تركيبه، حتى صار بارعاً في فهم مكوناته وطريقة عمله، واستطاع أن يدخل تعديلات عليه كان من شأنها أن تدر عليه ربحاً غزيراً، ومن ثمَّ ينطلق بعدها لاختراع آخر وآخر لتصل اختراعاته إلى 1039 اختراعاً منها المصباح الكهربائي، الذي أجرى عليه 10 آلاف تجربة حتى نجح في تطويره في النهاية.

ولما سئل في أواخر حياته عن سر نجاحه، قال: أمي هي التي صنعتني، أشعرتني بأني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضرورياً من أجلها، وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط.

وأشار إلى أمر مهم للغاية وهو القراءة الدائمة، والعمل المستمر، ورفض اليأس، عن المصباح يقول: أصبحت الآن أعرف طريقة أخرى لا يمكن للمصباح أن يعمل بها.

إنه توماس أديسون، رافض اليأس والتشاؤم، الذي لم يستمع يوماً لأصوات الإحباط، والذي ملأ العالم دأباً وأملاً وتفاؤلاً، وضرب مثلاً لكل أب وأم ومعلم ليحرصوا كل الحرص على الكلمات الإيجابية والعبارات الاستثنائية التي من شأنها أن تولد عظاماً ترتقي بهم الأوطان، ويحفظهم التاريخ.

ولنهمس جميعاً في قلب كل يائس يلقي السمع لكل محبط حاسد، أن يجعل من أذنه غربالاً يعزل كل قول متشائم منتقد ومستهزئ، وأن يجعلها معبراً لكل قولٍ حسنٍ وصوت رحيم مشجع.

عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية جامعة الحصن

تويتر