نقطة حبر

بيوت الزجاج

ذات يوم شكا إليّ طالب من طلابي والده، الذي يمنعه من كل ما هو متاح أمامه، من تلفاز، وإنترنت، وكتب، وهاتف جوال، كما ينهاه عن مصادقة أي شاب من جيله، وهو دائم الارتياب في حركاته وسكناته، وكأنه يريده في صومعته لا يرى الناس ولا يرونه إلا قليلاً.

وعندما التقيتُ والده وجدته رجلاً متعلماً، وهو مع ذلك حاد الفكر، صلب الرأي، قوي العبارة، ويرفض أي فكر يخالف فكره ومعتقده في تربيته لابنه، ولا يجد غضاضة في ما يقوم به مع ابنه الجامعي من منع وزجر، وعنف في بعض الأحيان.

يذكرني هذا الوالد ببيوت الزجاج التي نحتاجها في استزراع بعض النباتات في غير وقت إنباتها، أو التي نزرعها في غير بيئتها الطبيعية، ومع تسليمنا بأهمية بيوت الزجاج، رغم أن ثمار نباتاتها لا تساوي في طبيعتها ومذاقها النباتات التي تنمو في بيئتها الطبيعية، إلا أن بيوت الزجاج لا تصلح أبداً في تربيتنا لأبنائنا، فالنبات الذي لا يتعرض للهواء والماء والشمس، بل وحتى الغبار؛ ينشأ ضعيف التكوين والبنيان، وكذلك الإنسان الذي ينشأ في معزل عن البيئة الاجتماعية بكل مكوناتها، وإن بدت سلبية، والتي تمثل حصانة له، وأجساماً مضادة تقيه أمراض البشر النفسية والسلوكية.

لا تخش أيها الوالد على ابنك، فالطبيعة تغرس الميول في النفوس، وتلونها كما تلون أوراق الأشجار، والشباب في هذه السن يورق لديهم الخيال والشعور والعاطفة، ومن الخطأ أن يتحدى الوالد الطبيعة، وأن يغلب بغرسه غرسها، وأن يطلب في ربيع العمر شجراً صلب العود قبل اكتمال النمو.

يبدو أن الوالد لا يستطيع فهم طبيعة النمو في تلك المرحلة من حياة الشباب، ولن يفلح ذلك الدثار الواقي، ولا الجدران العالية التي ما تلبث أن تنهار، لتذبل النبتة الخضراء عند اللمسة الأولى، ويندثر معها حرص الآباء وطموحاتهم وأحلامهم.

ولن تفلح ضغوط من شأنها أن تحول أبناءنا كهولاً صغاراً، يستيقظون صباحاً حامدين مشتاقين إلى المدرسة والمعلمين، ليسارعوا إلى الصلوات في وقتها، يتمون ركوعها وسجودها مطمئنين، ليركبوا الحافلة المدرسية مسبحين هادئين، وفي فصولهم خاشعين.. وهذا لن يكون من الأطفال إلى يوم الدين.

أيها الوالد، أخرج نبتتك إلى النور، وعرضها برفق للماء والهواء والشمس، ودعه يقرأ ويصادق ويحاول ويقاوم.. دعه يعش ربيع حياته.

تويتر