نقطة حبر

جيل اللحظة

تلقيت العديد من الاتصالات، بعد أن نشرت مقال حلقات الأجيال، فقد أثار المقال تساؤلات عدة، منها أي الأجيال أفضل؟ فقد كنا كآباء أفضل حالاً وأكثر صلابة وصبراً من أبنائنا، والجيل الحالي يريد كل شيء أن يكون في لحظة، وبطرفة عين، فلا طاقة له بالانتظار والتروي.

وأعتقد أنه لا غرابة في ذلك، فالعصر الذي نعيشه لم يعد عصر السرعة، وإنما عصر اللحظة، وإن أناة الجيل الماضي وصبره قد تلاشيا، فعصرنا قد بسّط ويسّر وذلل كل عقبة وصعب ومعقد في حياتنا، فأنت في مقعدك تستطيع أن ترى ما يحدث في أبعد نقطة على وجه الأرض، وتستطيع بهاتفك الجوال أن تقضي كل حاجاتك في الداخل والخارج، وبهاتفك أيضاً تطالع أخبار العالم من حولك، وتستمع لوجهات نظر تختلف باختلاف الأصقاع والبقاع، والثقافات والأفكار، ما استقام منها وما حاد عن الصواب.

وفي ظل ذلك اختلفت حاجات هذا الجيل، فصار اختصار اللحظة هو أولى رغباته، وأضحى يبحث عن كل ما يسهم في تذويب الزمن، وصارت كبسة زر الحاسوب ثقيلة على هذا الجيل الذي يبحث، دون كلل، عن أي شيء يستجيب لحاجاته بمجرد التفكير فيها.

قرأت يوماً لتوفيق الحكيم أن آلة جبارة اختُرعت، ولها عقل عجيب يستطيع أن يقوم عن الإنسان بحل أصعب العمليات الحسابية. فماذا لو كان بيننا الآن ليرى هذا الاختراع العجيب الذي فاق بقدراته الخيال الإنساني؟!

وعلى الآباء والمربين أن يعلموا أنه لن تفلح جهود تهدف إلى إجبار الأبناء على التروي والصبر والتمهل، فعجلة الزمن تمضي إلى الأمام، والحياة لا تعود القهقرى، ولا تتمهل عند الأمس. ومن سلفنا الصالح من سبق بعقله وفكره آفاق عصره، فقد أشار الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إلى ضرورة اختلاف التربية باختلاف العصور، فقال: «ربوا أبناءكم على غير شاكلتكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم».

إن جيل اللحظة جُرّد، بفعل التكنولوجيا، من كثير من السمات الشخصية والعقلية لأجيال سبقت، وقد حلّت محله آلات تفكر له، وتبصر له، وتسمع له، وتقرأ له، وتحسب له، وأظننا نتفق الآن أن الآلة قد باتت ولها خصائص الإنسان، وأن الإنسان قد غدا بروح آلة.

عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة الحصن

تويتر