نقطة حبر

تربية الاختلاف (2 ــ 3)

د. محمد سعيد حسب النبي

ذكرت إحدى أساطير اليونان أن عدداً من المزارعين اختلفوا مع بعضهم حال رؤيتهم أحد الآلهة عندما كان يمر عليهم، فقد كان يرتدي قبعة ذات لونين أحمر وأصفر ـ هكذا تقول الأسطورة - فيظهر هذا الإله لبعض المزارعين بقبعته من جانبها الأصفر، فيقسمون أن قبعته صفراء، ويرى البعض الآخر الجانب المقابل للقبعة بلونها الأحمر، فيقسمون أنها حمراء، وكلاهما صادق وفق منظوره ومجال رؤيته. إنه اختلاف لا خلاف، فمن الطبيعي أن نختلف في ما بيننا كما أسلفنا سابقاً، ولكن ما لا نريده هو الخلاف الذي يزيد العداوة والشحناء في ما بيننا، ولاسيما إذا ما تمسك كل طرف بوجهة نظره، وأن المختلف معه رأياً وفكراً وثقافة على باطل وضلال، ويكفي هنا أن نشير إلى مقولة الإمام الشافعي رحمه الله: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».

لابد لنا من التأكيد على ثقافة الاختلاف، ولنجعلها أسلوباً تربوياً واستراتيجية منهجية في التعليم

إن التنوع الثقافي والحضاري الذي نعيشه الآن ألقت بظلاله على المجتمعات، وفي ظل انتشار وسائل الاتصال غير المحدودة التي جعلت العالم يتمثل في هاتف جوال، لابد لنا من التأكيد على ثقافة الاختلاف، ولنجعلها أسلوباً تربوياً واستراتيجية منهجية في التعليم، مؤكدين أن أوجه الاختلاف كثيرة ومجالاته متعددة، ففي الدين ما يعرف «بفقه الاختلاف»، وفي الأدب يبرز مصطلح «أدب الاختلاف» وفي العصر الحديث تواتر هذا المفهوم على نحو ملحوظ في كثير من السياقات.

ويجب على المربين والآباء استيعاب هذا المفهوم وتمثله جيداً، والتخلي عن المقولات السائدة في ثقافتنا العربية من أننا هكذا ربينا ونشأنا وتميزنا ولابد لنا أن نربي أبناءنا وفق هذه النشأة، إنه الإرث الثقافي والتربوي المفروض على الأبناء، وكأننا نريد لأبنائنا أن يكونوا نسخاً مكررة منا، ولا أظن أن هذا سيفلح، بل سيصبحون نسخاً مشوهة لا ينتمون لنا ولا للعصر الذي نعيش فيه. والعجيب أن التراث العربي يحدثنا بغير ذلك، فقد ورد عن الإمام علي، رضي الله عنه وكرم وجهه، أنه قال: «ربوا أبناءكم على غير شاكلتكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، أي لابد من التأكيد على الاختلاف في النشأة وفق مقتضيات العصر، وما أصطلح عليه شخصياً بفقه التربية المعاصرة. علينا أن نقبل اختلاف وجهات نظر أبنائنا، وألا يكون العقاب قرين من يبدي رأياً آخر أو يظهر اعتراضاً أو إعراضاً، وعلى المؤسسات التعليمية أن تعي دورها في غرس ثقافة الاختلاف والتأكيد عليها.

عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة الحصن

تويتر