نقطة حبر

تربية الاختلاف «1»

قال تعالى في سورة الروم الآية 22: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ»، والمتأمل في معنى ما سبق ليجد أن الله تعالى شاء أن يجعلنا مختلفين في الهيئة والسمت، كأنها فطرة فُطرنا عليها تبدأ من الاختلاف لتنتهي إليه، وكأن التعددية أصل الأشياء وجزء من حكمة نظام هذا الكون الذي أعده إله واحد.

يؤيد ذلك ما نتعارف عليه الآن من أن لكل إنسان منا بصمة إصبع لا يشاركه فيها أحد، وبصمة عين لا تختلط مع أحد، وبصمة صوت تميزه عن غيره، والحديث الآن عن بصمة وجه يتفرد بها الإنسان بملامح لا يتشابه فيها اثنان. وكلها اختلافات محسوسة وملموسة للعيان، فما بالنا بالأمور غير المنظورة على نحو مباشر، أعني بها الأمور المجردة التي لا تُرى بالعين؛ كالإدراك، والذكاء، وسرعة البديهة، والتفكير، والانفعالات، والميول، والعواطف.. إنها قائمة طويلة من السمات الشخصية والنفسية، التي لا يمكن بحال من الأحوال أن يتشابه فيها اثنان من البشر، ولا أظن القارئ يختلف معي في ما سبق بعد قليل تأمل في الذات والآخرين.

ومع التسليم بتلك البدهيات؛ إلا أننا نجد كثيراً من الآباء والمربين يقرون الاختلاف أحياناً، ويرفضونه أحايين كثيرة، أعني لماذا نقر الاختلاف في الشكل، والفكر، والميول، والعواطف، ونرفضه في الرأي. إن اختلاف التفكير، والميول والعواطف، وغيرها من السمات السابقة، سيؤدي بلا شك إلى اختلاف الرؤية والمعتقد والرأي، إنها وجهة النظر التي نرددها كثيراً بيننا.

ولنخض تجربة نزداد بها يقيناً في معنى وجهة النظر؛ لو طالع اثنان شيئاً واحداً، وليكن لوحة فنية، أو قطعة أثاث، أو أي شيء يقع في منظور الرؤية لديهما؛ فهل تتساوى وجهتا النظر لهذا الشيء؟ بمعنى هل منظور الأول للوحة الفنية مثلاً يتساوى مع منظور الثاني؟ الإجابة بالطبع لا.

ما أعنيه هنا أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تتطابق وجهات النظر إلا بتطابق النظر إلى موضع محدد، وبعيون اتحدت فيها الأفكار والمشاعر والخبرات.. وهذا بالطبع من المستحيل.

عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة الحصن

تويتر