«التربية» تطالب بتعزيز الرقابة.. و«أبوظبي للتــعليم» يعدل لائحة السلوك

«التنمر» و«الفتونــة» يتسللان إلى مدارس في الدولة

تسللت إلى مدارس في الدولة سلوكيات غريبة أخيراً، مثل الهروب من المدرسة، والتدخين، وتعاطي مادة «تشيني كيني»، والترصد، وتدبير المكائد والمقالب لزملاء الدراسة،ما استدعى تربويين واختصاصيين اجتماعيين إلى رصدها، وأطلقوا عليها اسم «التنمر»، أو «الفتونة» أو «سن التمرد»،وفيما طالبت وزارة التربية والتعليم بتعزيز الرقابة على سلوكيات الطلبة من قبل مديري المدارس، تولى مجلس أبوظبي للتعليم، تعديل لائحة السلوك المدرسي، بناءً على ملاحظات إدارات المدارس والمعلمين، والاختصاصيين الاجتماعيين.

وتفصيلاً، قال تربويون إن التنمر أو الاستقواء ينتشر في المدارس بصورة متزايدة، إذ إن احساس الرجولة المبكر لدى طلاب وراء انتشار بعض السلوكيات الخاطئة في المدارس، مثل التدخين وتعاطي مادة «تشيني كيني»، وممارسة العنف على الغير، مشيرين إلى أن طلاباً يتعرضون لسلوكيات التنمر في المدرسة من جانب زملاء أكبر سناً أو أكثر قوة، وذلك عن طريق التهديد الذي يصل أحياناً إلى مرحلة الضرب، ما يؤدي إلى عواقب سلبية سواء جسدية أو نفسية على المدى البعيد.

فيما أفاد اختصاصيون اجتماعيون بأن ظاهرة التنمر تتخذ بعض الأشكال في المدارس، منها الإرهاب النفسي في الملعب أو حتى داخل الصف من خلال تعرض بعض الطلاب لزملائهم الذين يرون فيهم ضعفاً معيناً، فيستغلونه وينقضون عليهم معنوياً وجسدياً.

أشكال التنمر

وعرف اختصاصيون اجتماعيون التنمر بأنه يتخذ أشكالاً متعددة، قد يكون ناعماً ونفسياً مثل نشر الشائعات حول شخص ما، أو استبعاده من الحوارات والصداقات الطلابية، وقد يكون لفظياً عن طريق توجيه التهديدات أو الاستهزاء والتحقير، أو جسدياً عن طريق الاحتكاك والضرب والإيذاء البدني.

وأكد معلم تربية اسلامية، محمد صديق، أن «التنمر»، أو تخويف واستفزاز الآخرين نفسياً أو فعلياً، أصبح من أبرز المشكلات التي تواجه طلاب المدارس وتزداد بشكل متواصل.

وتابع أن هذه السلوكيات بدأت تنتشر في المدارس بين الطلاب، خصوصاً في الحلقتين الثانية والثالثة، حيث بدأت إدارة المدرسة تتلقى شكاوى من بعض الطلاب تفيد بتعرضهم إلى الإيذاء البدني والاعتداء بالضرب، سواء المباشر أو غير المباشر.

وأضاف أن الطلاب الأكثر تعرضاً لهذه السلوكيات، أصحاب البنية الجسمية الضعيفة، أو الأكثر بدانة، أو من ليس لديهم قدرات بشكل واضح، والمنعزلون اجتماعياً، والخجولون أو من يسهل استفزازهم، مشيراً إلى أن الطلبة المتنمرين دائماً يمارسون سطوتهم على هؤلاء الطلبة، على اعتبار أنهم فريسة سهلة.

تأثير الإعلام

فيما عزا الاختصاصي الاجتماعي، يوسف عبدالله، انتشار ظاهرة التنمر في المدارس إلى التغيرات التي حدثت في المجتمع، وتأثير الإعلام على المراهقين في المراحل المتوسطة والثانوية، واختلال العلاقات الاجتماعية في المجتمع، وتعدد الثقافات الناتجة عن كثرة الوافدين، وعدم قدرة ذوي الطلبة المتنمرين على ضبط سلوكيات أولادهم.

وأشار إلى أنه عادةً ما يكون هناك قائد لهؤلاء الطلبة المُتنمرين، يتسم بالقوة الجسمانية، وحب التملك، ودائماً ما يحاول أن يكون أكثر من يثير المشكلات في المدرسة، ويحرض الطلبة على الخروج عن اللوائح وإثارة الشغب في المدرسة، أو التدخين وتعاطي مادة «تشيني كيني».

فيما يرى الاختصاصي الاجتماعي، أحمد قيهان، أن أهم السمات التي تجمع الطلاب الذين يمارسون التنمر على زملائهم، عدم وجود الدافعية للتعلم والدراسة، بالإضافة إلى انتشار السلوكيات الخاطئة بينهم، مثل التدخين، والغياب، والتأخر الصباحي، إضافة الى العصبية التي تدفعهم الى المشاحنات والمشاجرة مع بعض الطلبة.

وعزا قيهان أسباب الظاهرة إلى أسلوب التربية الخاطئ للأبناء، إضافة إلى غياب التوجيهات السلوكية من قبل الوالدين، وعدم الإحساس بالأمان والاستقرار العاطفي في الأسرة والنزاع المستمر بين الوالدين، مطالباً بضرورة إسهام المجتمع بجميع هيئاته في بحث الظاهرة التي بدأت تنتشر بين الطلبة، وإيجاد برامج تدخل مدرسي للحد منها وإيقافها.

فيما أكد معلم كيمياء، في إحدى المدارس الخاصة، حسن عبدالقادر، أن ظاهرة التنمر في المدارس الخاصة، أكبر بكثير من المدارس الحكومية، وذلك لتنوع الجنسيات والثقافات داخل هذه المدارس، بالإضافة إلى أن إدارات المدارس الخاصة اكثر ليناً وتهاوناً في معاقبة الطلاب والاعتراف بهذه السلوكيات خوفاً من تعرض سمعة المدرسة للضرر.

وقال إن الطلبة في المدارس الخاصة أصبحوا لا يكتفون بالتنمر والفتونة على زملائهم، بل وصل الامر إلى التنمر على المعلمين، والسخرية منهم داخل الصف، أو اطلاق اسماء كرتونية عليهم ونشرها بين الطلبة للاستهزاء بهم.

التنمر النسائي

فيما أكدت معلمات أن ظاهرة التنمر لا تقتصر على مدارس الأولاد، لكنها بدأت في الظهور في مدارس البنات، لكن بشكل مختلف، تظهر من خلال اتخاذ بعض الطالبات موقفاً معيناً من طالبة بعينها، أو اطلاق اسم سخرية عليها، أو الضحك كلما حضرت، مشيرات إلى أن المدارس بدأت تشهد سلوكيات عنيفة من قبل طالبات تجاه أخريات، تتعدى الألفاظ السيئة وتصل إلى الضرب والعنف الجسدي بينهن.

وأشارت الاختصاصية الاجتماعية، مريم مطر، إلى أن أغلب الطالبات المتنمرات أو اللائي يمارسن الفتونة على زميلاتهن يعتقدن أن سلوكهن طبيعي بسبب قدومهن من عائلات أو بيئات اجتماعية تكثر فيها مشاعر الغضب، والصراخ، وتبادل الشتائم، لافتة إلى وجود جنسيات بعينها تكثر بينها حالات التنمر، وحب التملك لأشياء الغير.

من جانبها، طالبت وزارة التربية والتعليم بتعزيز الرقابة من قبل مديري المدارس على سلوكيات الطلبة، مناشدة ذوي الطلبة مراقبة سلوك وتصرفات أبنائهم ومعرفة أصدقائهم، وإيجاد تجمعات إيجابية بين الطلبة بهدف خدمة العملية التعليمية، سواء داخل الصف أو خارجه، وتنمية مفهوم العمل الجماعي بين الطلاب، مطالبة المعلمين بملاحظة سلوك الطلاب وتحديد الطلبة الذين يعانون مشكلات سلوكية ويحتاجون إلى علاج وتوجيه.

وأفاد مجلس أبوظبي للتعليم، بأن الاختصاصيين الاجتماعيين يسعون من خلال عملهم إلى دعم الجهود الرامية إلى تحقيق قيم المجلس وأهدافه ودعم نجاح مدارسهم، وتوسيع مشاركة ذوي الطلبة وغيرهم من الأطراف المعنية في العملية التعليمية، في إطار علاقة شراكة ناجحة تصب في النهاية في مصلحة الطلبة.

وكشف رئيس قسم التربية الخاصة في المجلس، آدم هيوز، عن أن المجلس تولى تعديل لائحة السلوك المدرسي، بناءً على ملاحظات إدارات المدارس والمعلمين، والاختصاصيين الاجتماعين، ووضع بنود تتيح للمدرسة محاسبة الطالب المسيء، وأصبح هناك عقاب أكبر للطالب المتنمر، مثل الحرمان من بعض الامتيازات المدرسية، واستدعاء ذويه ومناقشتهم في سلوكياته، وإشراكهم في خطة تقويمه.

وأوضح أن التنمر من السلوكيات الحادة، ولائحة السلوك الجديدة تعاقب الطالب المتنمر بالفصل فترة معينة من الدراسة عقاباً، ويتم خلال هذه الفترة تجهيز خطة لإعادة تأهيله وعلاج السلوك الخاطئ بمشاركة المنزل.

وأكد أن الاختصاصيين الاجتماعيين في مدارس المجلس، يعملون على توفير الدعم الأكاديمي والاجتماعي للطلبة، من خلال تعزيز العلاقة مع الطلبة أنفسهم وذويهم والإسهام في تحقيق رسالة المدرسة، إذ يركزون على إيجاد بيئة صحية وآمنة وفاعلة تشجع الطلبة على تطوير مهاراتهم وتحقيق أفضل مستويات الأداء، ويحرصون على تقديم المشورة والنصح اللازمين للطلبة بشأن النمو الشخصي أو التعامل مع المسائل المعقدة والحساسة.

وقال هيوز، إن الاختصاصي الاجتماعي يسهم بشكل فاعل في تعزيز وبناء المهارات التي تلبي احتياجات الطلبة، وفق مراحل نموهم واحتياجات المجتمع المدرسي والمحلي، مع التأكيد على اتباع الطرق العلمية والعمل الجماعي والتفاعل الحقيقي مع الحياة اليومية، واجراء عمليات تقييم للسلوك الطلابي، ووضع وتنفيذ البرامج الفردية والجماعية المطلوبة للتعامل مع السلوك غير المرغوب فيه.

تويتر