«التربية» تجرّمها.. و«أبوظبي للتعليم» يفصل العاملين بها

إعلانات تنذر بعودة قوية للـــدروس الخصوصية

المدارس الحكومية توفر لطلابها مساعدة علمية مجاناً خارج وقت الدراسة. أرشيفية

رصدت «الإمارات اليوم» عودة إعلانات الدروس الخصوصية في الجرائد الإعلانية، التي تعلن عن استعداد أصحابها لإعطاء دروس خصوصية لطلبة المدارس في جميع الصفوف الدراسية، إذ تجاوز عدد الإعلانات في جريدة إعلانية صادرة أول من أمس 200 إعلان.

فيما كررت وزارة التربية والتعليم، ومجلس أبوظبي للتعليم، رفضهما قيام أي معلم يتبعهما بإعطاء دروس خصوصية بأجر، مطالبين ذوي الطلبة بمساعدتهما في مكافحة هذه الظاهرة، واللجوء إلى المدرسة حال احتياج الطالب الى المساعدة العلمية والدعم الأكاديمي.

وقال طلاب إن معلمين معروفين في هذا المجال، رفضوا ضمّهم إلى الطلاب الذين يقدمون لهم دروساً خصوصية، معلنين عن اكتمال قوائمهم، وعدم وجود أماكن خالية لطلبة جدد.

وتفصيلاً، بدأت ظاهرة الدروس الخصوصية تطلّ برأسها قبيل انطلاقة العام الدراسي الجديد. وحفلت الصحف الإعلانية خلال الأيام الماضية بأرقام هواتف تخصّ معلمين في مواد ومناهج من المراحل الدراسية كافة. وعلمت «الإمارات اليوم» من طلبة وأهالٍ أن الاتفاق على الدروس الخصوصية مع المعلمين يبدأ قبل بداية العام الدراسي بشهر، وأن كثيراً من الطلاب حجزوا أماكنهم في قوائم معلمي الدروس الخصوصية.

وأضافوا أن سعر الحصة لطلاب الابتدائي والإعدادي يبدأ من 100 درهم للساعة الواحدة، ويصل إلى 300 درهم، وشرحوا أن سعر الحصة تحدده المسافة بين منزل الطالب والمدرسة، والمسافة التي يقضيها المعلم للوصول إليه، إضافة إلى عدد الطلاب الذين يتلقون الدروس، أما المدرسون الخصوصيون للمرحلة الثانوية، فتختلف أسعار الحصص لديهم باختلاف نوعية المادة، وتبدأ من 250 درهماً لتصل إلى 500 درهم، وفقاً لشهرة المعلم ومدى الإقبال عليه.

وأكد والد ثلاثة طلاب في الحلقتين الثانية والثالثة، سعيد عبدالرحمن، أن ذوي الطلبة مضطرون إلى إعطاء أبنائهم دروساً خصوصية، نظراً لضعف مستوياتهم، وصعوبة المناهج الدراسية، ورغبتهم في أن يحقق أبناؤهم النجاح حتى لو كان ذلك على حساب استنزاف مدخراتهم.

ولفت والد طالبتين في الثانوية، ناصر خميس، إلى أن «أسعار معلمي المدارس الحكومية أعلى من أسعار معلمي المدارس الخاصة»، عازياً ذلك إلى اعتقاد البعض بأنهم الأفضل والأقدر على الشرح، ومساعدة الطلبة، بسبب شروط اختيار وزارة التربية، ومجلس أبوظبي للتعليم لمعلميهما، وحرصهما على اختيار الأفضل من أصحاب الخبرات، على عكس المدارس الخاصة التي لا تمانع في توظيف معلمين من دون خبرات تربوية، بسبب قلة رواتبهم، موضحاً أن سعر الحصة لدى معلم المدرسة الحكومية يصل إلى الضعف في المدارس الخاصة.

وأكدت والدة طالب في الصف الثاني عشر علمي، تدعى «أم خالد» أن سعر حصص الدروس الخصوصية زاد على سعر العام الماضي بنسبة تصل إلى 30٪، مشيرة إلى أنها اتفقت مع معلم الكيمياء الذي درست ابنتها لديه العام الماضي، وفوجئت بارتفاع ثمن الحصة من 150 درهماً إلى 200 درهم بحجة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.

وقالت إن «ذوي الطلبة مضطرون إلى سداد المبلغ الذي يطلبه المعلم، لأن هذه المسألة لا تخضع لرقابة وزارة التربية والتعليم، مع أن الطلبة يلجأون الى الدروس الخصوصية لعدم حصولهم على المستوى المطلوب من التعليم في المدرسة، وهو أمر يقرّ به كثير من المعلمين أنفسهم».

وأفاد والد طالبة ثانوي، راشد عيسى، بأن الدروس الخصوصية لابنته الطالبة في الصف الحادي عشر، ستكلفه ما يقارب 5000 درهم شهرياً، مشيراً إلى أن قيمة الساعة كانت تراوح العام الماضي بين 150 و200 درهم، زادت مع اقتراب العام الدراسي الجديد، لتصل في بعض المواد إلى 300 درهم.

في الجانب الآخر، اتخذ معلمون مواقف متباينة من الظاهرة، فقد أكد بعضهم أنهم يقدمون دروساً خصوصية بسبب قلة المزايا الوظيفية لمهنة المعلم، خصوصاً معلمي المدارس الخاصة، إذ تتدنى رواتبهم بصورة كبيرة، ويفتقدون أي ضمانات في عقودهم الوظيفية تحميهم من إدارات المدارس ومالكيها، لذلك يلجأون إلى مزاولة الدروس الخصوصية لتحسين مستواهم وتأمين احتياجاتهم.

وقال معلم في إحدى المدارس الحكومية (ج.ش)، إن «للمشكلة أسباباً عدة، بعضها متعلق بالمعلم والمدرسة، والبعض الاخر خاص بالطلبة وذويهم، لذلك يجب تحديد رواتب تتماشى مع غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة، ومساعدة المعلمين على التفرغ لتطوير أنفسهم ورفع مستوياتهم، خصوصاً أن هناك علاقة واضحة بين أجور المعلمين وانتشار الدروس الخصوصية، بسبب حاجة المعلمين إليها».

فيما دعا معلم في مدرسة حكومية إلى توعية الطلبة وذويهم، بعدم جدوى الدروس الخصوصية، خصوصاً أنها تعلّم الطالب الاتكالية، في حين أن المدارس توفر مساعدة أكاديمية لأبنائهم داخل المدرسة مجاناً.

وعزا مدير مدرسة في أبوظبي، عبدالله جاسم، الظاهرة إلى أنها اصبحت ثقافة لدى بعض الأسر، مؤكداً أن المدارس الحكومية لديها فصول تقوية مجانية للطلبة، وتابع أن المدرسة والمدرسين تحت أمر الطلبة في أي وقت، حتى خارج أوقات الحصص الدراسية، ويمكن لأي طالب أن يطلب من المعلم أن يساعده على فهم درس أو شيء في المنهاج، ولا يمكن للمدرس أن يرفض.

وقال إن مجلس أبوظبي للتعليم يوفر للطلبة كل الامكانات العلمية والدراسية للتفوق، ولا نرى سبباً لاتجاه الطلبة إلى الدروس الخصوصية، لافتاً الى أنه والد لطلبة أيضاً، ولم يلجأ طوال عمره إلى مساعدتهم بالدروس الخصوصية، وجميعهم كانوا متفوقين علمياً.

من جانبه، أفاد مدير عام وزارة التربية والتعليم بالإنابة، علي ميحد السويدي، بأن الوزارة تجرّم الدروس الخصوصية، وتعاقب من تثبت عليه تهمة إعطاء دروس تقوية بأجر من المعلمين التابعين لها، مشيراً إلى أن الوزارة عملت مجموعات تقوية مجانية للطلاب المتأخرين دراسياً أو من يواجهون صعوبات في التعلم، وأن هذه المجموعات مستمرة طوال العام، وذلك للحدّ من ظاهرة الدروس الخصوصية.

وأكدت وزارة التربية والتعليم، اتخاذها إجراءات عدة لمكافحة ظاهرة الدروس الخصوصية التي يعتمد عليها كثير من الطلبة، منها فتح فصول للتقوية في المدارس الحكومية، والتعميم على المناطق التعليمية بفتح مراكز تقوية تعزز قدرات الطلاب في المواد كافة.

وأوضحت الوزارة أنها وضعت ميثاقاً أخلاقياً للمعلم يحظر عليه إعطاء الدروس الخصوصية، مشددة على أن أي معلم يعطي دروساً خصوصية للطلاب يعد مخالفاً لقوانين الوزارة وميثاق شرف المعلم، وطالبت بتضافر جهود أفراد المجتمع لعلاج ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية.

ووصف مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم، الدكتور مغير خميس الخييلي، الدروس الخصوصية بأنها عمل غير أخلاقي وغير قانوني، والمعلم الذي يقوم بهذا العمل، خصوصاً إذا كان يعمل في المدارس الحكومية التي تحكمها لوائح وقوانين تمنع الدروس الخصوصية، هو معلم يضرّ بالطالب، ويؤثر سلباً في شخصيته، لأنه يعلّمه الاتكالية، وينمّي فيه العديد من السلبيات التي تتعارض مع معايير بناء الشخصية السليمة التي يحرص المجلس على تنشئتها في الطلبة، ومن هذه السلبيات عدم اعتماد الطالب على نفسه.

وأكد الخييلي أن العقود الجديدة للمجلس تحرم المعلم من إعطاء الدروس الخصوصية، وتقضي بفصل أي معلم يثبت تقديمه لها، منتقداً اعطاء بعض المعلمين دروساً خصوصية للطلاب في منازلهم نظير أجر مالي، ووصف هذا السلوك بأنه يحط من نظرة الطالب للمعلم، مشيراً إلى أن المجلس لا يمانع في مساعدة المعلم للطلاب، بشرط ألا تهزّ هذه المساعدة صورته وهيبته.

وشدد على أن المجلس يعمل على تحسين كل الجوانب التي تحيط بالمعلم، من دورات تدريبية، ورواتب، وتقييم، وتشجيع، والبيئة المحيطة به، وكل الأمور المحفزة له، لاسترداد هيبته، مشدداً على أنه يشعر بالحزن عندما يرى معلماً يتنقل من بيت إلى بيت، ويمدّ يده إلى الطالب لأخذ النقود، ما يضرّ بصورته وقيمته، لأنّ ما يدفع الإنسان إلى العمل هو إحساسه بالقيمة والتقدير من المجتمع.

تويتر