احتلوا 6 مراكز في قائمة أوائل «الأدبي» مقابل مركز واحد في «العلمي»

تربويون يخشون عزوف المواطنين عن «العلمي» بعد تفوقهم في «الأدبـي»

صورة

أبدى تربويون قلقهم من أن يؤدي تحقيق طلبة الثانوية العامة المواطنين ستة مراكز في قائمة الـ 10 الأوائل على القسم الأدبي، مقابل مركز واحد في قائمة «العلمي»، الى توسيع الفجوة بين أعداد طلاب الادبي والعلمي، التي بلغت 70٪ للأدبي مقابل 30٪ للعلمي، وترسيخ الفكرة السائدة بصعوبة المواد العلمية، وصعوبة تحقيق درجات مرتفعة فيها، التي تقابلها فكرة سهولة المواد الادبية وعدم احتياجها إلى مجهود كبير في المذاكرة، مشددين على أن استمرار اتجاه المواطنين للقسم الادبي سيؤثر سلباً في خطط الدولة التنموية التي تعتمد في المقام الأول على التخصصات العلمية، مثل الهندسة والعلوم الطبية الكيميائية.

في المقابل، أكدت الوزارة، ومجلس أبوظبي للتعليم، أنهما يدرسان ظاهرة تنامي إقبال طلبة الثانوية العامة على القسم الأدبي، بحثاً عن علاج لها.

وتفصيلاً، حذر تربويون من أن ارتفاع درجات المواطنين في القسم الادبي، وحصدهم معظم المراكز الأولى في قائمة الأوائل، بجانب معظم قوائم الادبي الخاصة بأوائل المناطق التعليمية، من شأنه أن يساعد على تنامي ظاهرة الاتجاه إلى القسم الأدبي، مؤكدين أن ذلك ليس في مصلحة مستقبل الدولة، ويهدد خططها المستقبلية، وتنعكس خطورته على مستقبل البحث العلمي والتطور التكنولوجي، خصوصاً أن نسبة طلاب العلمي في الثانوية العامة لا تمثل أكثر من 30٪ من الطلبة، وفق إحصاءات وزارة التربية والتعليم.

 برنامج إرشادي

ينفذ مجلس أبوظبي للتعليم برنامجاً إرشادياً لتشجيع الطلبة على الالتحاق بالقسم العلمي، للمساعدة في تنفيذ خطته الاستراتيجية التي تتوافق مع رؤية أبوظبي 2030 الاقتصادية، التي تحتاج إلى خريجي الهندسة والطب وغيرهما من دعائم الاقتصاد للإمارة. ويستهدف البرنامج، الذي تشارك في تنفيذه شركة استثمار التكنولوجيا المتطورة «آتيك»، الطلبة المواطنين بالصفين الثامن والتاسع، بهدف الارتقاء بالمستوى المعرفي للطلبة حول مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتعريفهم بمجالات العمل الواعدة في هذا القطاع، عن طريق تنظيم ورش عمل تفاعلية، وحلقات تعليمية مبتكرة على مدار أسبوعين، يبتكرون خلالها، وينفذون مشروعات علمية، كالروبوتات، والصواريخ، ومشروعات بناء خطوط السكك الحديدية، إضافة إلى تحليل مسارح الجرائم، ورفع البصمات. وأكد مدير عام المجلس الدكتور مغير خميس الخييلي، اهتمام المجلس بإعادة التوازن في توجهات الطلبة بين القسمين العلمي والأدبي، بما ينسجم مع الخطط التنموية، واحتياجات ومتطلبات سوق العمل للتخصصات والوظائف العلمية المطلوب تعزيزها، مثل الهندسة بمختلف أقسامها، والعلوم وتكنولوجيا المعلومات، وتخصصات حيوية تستدعي تمكين الطلبة في المواد العلمية والرياضيات.

وفيما عزا طلاب اختيارهم للقسم الادبي إلى ميولهم الادبية، وإحساسهم بإمكان تحقيق نتائج طيبة، إضافة إلى رغبتهم في الالتحاق بتخصصات جامعية تقبل الطلبة من التخصصين، أكد آخرون أن الالتحاق بالقسم العلمي بات «مغامرة» محفوفة بالمخاطر، وأن ذويهم هم من يشجعونهم على القسم الأدبي، لضمان النجاح والالتحاق بالجامعة، والابتعاد في الوقت ذاته عن الضغوط النفسية والعصبية التي تواكب معظم امتحانات المواد العلمية.

وقال الطالب في الصف الـ،11 خليفة يوسف خليفة، إنه قرر الالتحاق بالقسم الأدبي لأنه أسهل من العلمي، ويضمن للطالب مواصلة التعليم بأقل مجهود، ودونما تعب في المذاكرة والامتحانات، لافتاً إلى أن «المواد الأدبية تحتاج إلى الحفظ، ويمكن مذاكرتها في البيت، لكن مواد القسم العلمي تضمّ الرياضيات والفيزياء والكيمياء ومواد صعبة تحتاج مجهوداً في مذاكرتها».

أما الطالب، احمد خميس، فقال إنه حصل على مجموع درجات 87٪، مقابل حصول زملائه في القسم العلمي على مجاميع أقلّ، مشيراً إلى أنهم كانوا يذاكرون أكثر منه بكثير، ويأخذون دروساً خصوصية في كل المواد العلمية، وبعضهم كان الأفضل في السنين الدراسية السابقة.

وأضاف: «أنصح أي طالب متشكك في قدرته على استيعاب المواد العلمية بمفرده أن يلتحق بالقسم الأدبي لضمان مستقبله، لأن التفوق في المواد العلمية يحتاج إلى موهبة مدعومة بمذاكرة شديدة».

ولفت الطالب أحمد حسن، إلى أن والده وشقيقته هما من شجعاه على الالتحاق بالقسم الادبي، خصوصاً أن شقيقته كانت في القسم العلمي قبل عامين، وكانت تقضي معظم الوقت في المذاكرة وتحصيل دروسها، ومجموعها في النهاية لم يتعد 83٪، على الرغم من أنها متفوقة دراسياً طوال عمرها، مشيراً إلى أنهما نصحاه باختيار المساق الادبي لتفادي امتحانات القسم العلمي الصعبة والمعقدة، على حد وصفهما.

وأكد مدير مدرسة محمد بن خالد، ناصر بن عيسى، أن تنامي ظاهرة ابتعاد الطلاب المواطنين عن الالتحاق بالقسم العلمي، والتوجه بكثافة إلى القسم الادبي، تشهد نمواً كل عام، مشيراً إلى أن نسبة الطلاب المواطنين في معظم المدارس، في القسم العلمي 20٪ مقابل 80٪ للقسم الأدبي،

وأوضح أن احتياج الدولة الى التخصصات العلمية، دفع جامعات إلى إضافة سنة تأهيلية، لرفع مستوى الطلاب، وتأهيلهم للالتحاق ببعض التخصصات التي تحتاج لدارسي المواد العلمية، ما يعدّ إهداراً للمال والوقت والجهد، وهو الامر الذي يهدد خطط البحث العلمي المستقبلية التي تعتمد عليها نهضة البلاد.

وشدد بن عيسى على ضرورة أن تكون المدارس مرتبطة بحاجة الدولة، وسوق العمل، لأن الدولة تحتاج إلى مواطنين في المجال العلمي، ولابد من تخريج مواطنين يخدمون الدولة في هذه التخصصات العلمية، مطالباً بأن تكون المدارس العلمية ثلاثة أضعاف المدارس الادبية.

وأشار إلى أن «تسرب الطلاب من الدراسة يبدأ من الصف العاشر، بسبب كثرة المواد الدراسية، التي تنفر الطالب وتشجع البعض على اختيار القسم الادبي، ظناً منهم أنه الاسهل. لذلك فإن تحديد المسار من الصف السابع سيشجع الطلاب، ويؤدي إلى خفض المواد الدراسية» لافتاً الى ضرورة وضع حوافز للمدارس العلمية لتشجيع الطلبة على الانضمام إليها.

وأكد مساعد مدير مدرسة الرواد النموذجية، سالم سعيد الكثيري، أن من الأسباب الرئيسة لانضمام عدد كبير من الطلاب الى القسم الادبي، سوء توجيه الطلاب، وعدم وجود خطة صحيحة، أو برنامج إرشادي، لتعريف الطلاب باحتياجات سوق العمل، ومستقبل القسم العلمي، وفوائد الانضمام إليه، مشيراً إلى أنه من الافضل أن يكون الاختيار بين العلمي والادبي بدءاً من المرحلة الاعدادية، لأن الطالب يشاهد اختيارات زملائه وينضم إليهم، والمفروض أن يتشارك المنزل والمدرسة في مساعدة الطالب على الاختيار، والاعتماد على خطة.

وأوضح أن الواقع الحالي يؤكد أن معظم الطلاب المواطنين يهربون من التخصصات العلمية، ويفضلون الادبية، ما يهدد خطط الدولة المستقبلية القائمة على العلوم أكثر من الآداب، مطالباً بضرورة وجود حوافز قوية ومبكرة، لتشجيع الانضمام الى القسم العلمي، خصوصاً أن تفكير الطالب وذويه أصبح ينصب على المجموع الكبير، دون النظر إلى المستقبل، أو إلى احتياجات الدولة وسوق العمل، لافتاً إلى ضرورة وجود دراسة لكيفية تشجيع الطلاب على الانضمام إلى القسم العلمي، وأن تكون مبكرة، ومن الحلقة الثانية.

من جانبه، أكد وكيل وزارة التربية والتعليم، علي ميحد السويدي، أن الوزارة استشعرت خطر هذا الموضوع، وأنشأت إدارة خاصة للإرشاد الطلابي، ترشد الطلاب لأهمية التخصصات العلمية ومستقبلها، واكتشاف الطلاب ذوي المواهب العلمية مبكراً وتبنيهم لتنمية مواهبهم. وكشف عن وضع خطة بدأ تنفيذها العام الماضي، تستهدف طلاب الصف التاسع، وتعريفهم بفوائد دخول القسم العلمي، ومستقبله في سوق العمل، بالتعاون مع المرشد التعليمي والاخصائي الاجتماعي في المدرسة، مشيراً إلى أن تقييم هذه التجربة سيتم في نهاية العام.

ولفت مدير عام مجلس ابوظبي للتعليم، الدكتور مغير خميس الخييلي، إلى أهمية انضمام الشريحة الأكبر من الطلاب إلى القسم العلمي، لما في ذلك من أهمية لتحقيق خطط الدولة وأهـدافها، ومن ضمنها رؤية أبوظبي 2030 التي تقوم في الاساس على العلم، مشيراً إلى أن المجلس يتولى عمل دراسة من كل الجوانب حول ظاهرة تفضيل الطلاب للقسم الأدبي، لمعالجتها وتصحيح المسار في السنوات المقبلة.

وتابع الخييلي أن معظم الطلبة في أبوظبي يتجهون للدراسة الأدبية، في حين يذهب 20٪ فقط إلى القسم العلمي، ما يتعارض مع رؤية أبوظبي 2030 الاقتصادية التي تحتاج إلى خريجي القسم العلمي بشكل أكبر، خصوصاً المهندسين في مجال البترول والاتصالات، والطب وغيرها من دعائم الاقتصاد للإمارة.

وأكد أن المجلس يقوم في المرحلة الحالية بإنشاء مركز للتوجيه المهني، لمساعدة الطلاب على الاختيار، وتحديد وجهتهم، بما يضمن لهم مستقبلاً واعداً ويحقق رؤية أبوظبي ،2030 مشـيراً إلى أن هذا المركز يعد مرحلة مؤقتة حتى يتم تعديل نظام الثانوية العامة، وخلق مسارات جديدة بما يتواكب مع العلم الحديث.

أما مدير عام معاهد التكنولوجيا التطبيقية، الدكتور عبداللطيف الشامسي، فقال إن اتجاه معظم طلبة الثانوية العامة في الإمارات للقسم الادبي، يمثل مشكلة يجب معالجتها، مشدداً على ضرورة خلق محفزات للطلبة، حتى يُقبلوا على الدراسة العلمية، لافتاً إلى أن نسبة الملتحقين بالقسم الأدبي زادت بما يقارب 25٪ خلال السنوات الـ10 الأخيرة، على الرغم من استثمار الدولة الهائل في مجال التعليم، وصار هناك فائض في أعداد الخريجين، فيما لاتزال سوق العمل محتاجة إلى التخصصات العلمية.

وقال إن التنمية الاقتصادية في إمارة أبوظبي فقط تحتاج إلى 40 ألفاً من المهندسين والتقنيين، من أصحاب المهارة العالية في مختلف التخصصات في عام ،2020 في حين أن نظام التعليم الحالي لا يوفر سوى 3000 فقط.

وأضاف أنه من الضروري تبني المنظومة التعليمية في الدولة استراتيجية تعليمية تكنولوجية جديدة، تعمل على ربط أبناء الوطن بسوق العمل منذ مرحلة دراسية مبكرة، يتم خلالها الربط بين ما يدرسه الطلاب والواقع الحياتي، خصوصاً احتياجات سوق العمل، من أجل تخريج كوادر إماراتـية متخصـصة قادرة على تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية في الدولة.

تويتر