عزوها إلى الخدم وكثرة الوافدين وشروط العمل

تربويون: المدارس غير مسؤولة عــن تهميش «العربية»

معلمو اللغة العربية يعانون بسبب الأخطاء الإملائية الكثيرة خصوصاً فـــــــــــــــــــــــــــــــــــي موضوعات التعبير. أرشيفية

أكد تربويون أن المدارس غير مسؤولة عن تراجع اللغة العربية و«تهميشها»، وفق وصفهم، وفقدان طلبة أدوات التواصل بها، مشددين على أن انحسار اللغة العربية يعود في المقام الأول إلى اعتماد ذوي طلبة على الخدم في تربية ابنائهم وكثرة الوافدين في الدولة، وعدم اشتراط جهات عمل إجادتها، مطالبين بتشريعات تجعل من «العربية» لغة الحديث في الأماكن العامة والتجارية، واشتراط إجادتها في مسودات العمل مثلما تشترط الجهات الخاصة والحكومية إجادة اللغة الإنجليزية.

وأكدت مديرة قطاع المناهج العربية في مجلس أبوظبي للتعليم، الدكتورة كريمة المزروعي، أن اختلاف التركيبة السكانية في المجتمع أسهم في تفاقم المشكلة، خصوصاً أن نسبة المتحدثين باللغة العربية من اقل النسب في المجتمع، مشددة على أن «مسألة التخلي عن اللغة العربية لصالح لغات أخرى، يؤثر سلبياً على الصعيد الثقافي والتربوي والديني لجيل المستقبل، ويتعين الانتباه إلى ذلك بتحبيب أبنائنا في اللغة العربية».

عمالة وخدم

ضغط على «العربية»

حذر رئيس قسم التربية في جامعة الحصن، الدكتور محمد سعيد، من خطورة انتقال لغة التواصل بين الشباب العرب والمواطنين من اللغة العربية إلى لغة أجنبية، مشيراً إلى أن «انتشار اللغة الإنجليزية أصبح أمراً واقعاً، كونها لغة العلم، ولها أفضلية في الجامعات والمؤسسات وسوق العمل، إضافة إلى أن الجامعات المفتوحة التي تضمّ جنسيات مختلفة، تفضل التواصل باللغة الإنجليزية، وكل هذا يشكل ضغطاً على اللغة العربية وتهميشها».

وأوضح سعيد أن انتشار التواصل بين الشباب باللغة الإنجليزية، يعود إلى الهجمة الشرسة للغة الإنجليزية سواء في التعليم أو في المجتمع المحيط ككل، لافتاً إلى عدم وجود ودّ بين الشباب واللغة العربية، وهناك شكاوى دائمة من صعوبتها، سواء من حيث كتابة الحروف، أو النطق، أو القواعد، ويساعدهم على الابتعاد عنها تشجيع المجتمع ككل على التحدث باللغة الإنجليزية، محذراً من أن انصراف الإنسان عن لغته الأم هو في جوهره انصراف عن الهوية إلى فضاء آخر.

وتفصيلاً، قال معلم اللغة العربية حسين صادق، إن المدارس لا تتحمل وحدها المسؤولية عن تردي أوضاع اللغة العربية وتراجعها في العديد من المجالات، أمام اللغة الإنجليزية، إضافة إلى انتشار لغات مشوهة في الحديث، عازياً ذلك إلى شيوع ألفاظ لا تمت للغة بشيء، نتيجة سوء نطق الجنسيات الآسيوية للمفردات العربية، وتأثير ذلك في الأطفال في فترات تكوينهم حصيلة لغوية، ما يعرض اللغة العربية لانتهاكات جسيمة في المؤسسات والشوارع، وهو ما يظهر بوضوح في لافتات المحال وارشادات الطرق.

وأضاف أن «الطلبة يأتون إلى المدرسة بمفردات لا تمت للغة بصلة، اكتسبوها من الخادمات في المنزل، والعمالة الوافدة في الأسواق التجارية»، مشيراً إلى أن لجوء الاهل إلى الحديث بهذه اللغة مع الخادمة او السائق او البائع، يرسخ في ذهن الطفل ان هذه هي لغة التفاهم الصحيحة.

وأضاف أن معظم البيوت بها خدم لا يتحدثون اللغة العربية، ولكنهم يتحدثون لغة مشوهة، وأمهات وآباء يقضون معظم النهار في العمل ولا يجدون الوقت الكافي للتحدث مع أبنائهم عند العودة، كما يفضلون التحدث باللغة الانجليزية لأنها تضفي عليهم مكانة اجتماعية، وتوحي بعلمهم الوافر بلغات أخرى، فضلاً عن اعتمادهم على الخادمات في تربية ابنائهم، بجانب ظاهرة الزواج من الأجنبيات، وما يتبعها من نشأة الأطفال غير مدركين لأهمية اللغة العربية ولا يعرفون جمالياتها.

شروط الوظائف

وذكرت معلمة اللغة العربية، (أم يحيى)، أن الحصول على عمل في الدولة شرطه الأول اجادة اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة، واغلبية طلبات التوظيف لا يوجد بها شرط اجادة اللغة العربية، واستمارة طلب العمل تكون باللغة الانجليزية فقط، لذلك يهتم الآباء بإتقان ابنائهم اللغة الإنجليزية من الصغر، من دون عمل أي توازن للحفاظ على اللغة العربية، وتنميتها لدى ابنائهم

وحذّرت معلمة اللغة العربية، غادة يونس، من تراجع اللغة العربية وتهميشها بشكل ملحوظ بين الطلبة، خصوصاً دارسي المنهاجين الأميركي والبريطاني، اللذين تطغى فيهما اللغة الإنجليزية على العربية، ويتم تدريس جميع المواد باللغة الإنجليزية في ما عدا مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية فقط، مشيرة إلى أن «معلمي اللغة العربية في هذه المدارس يعانون مشكلة كبيرة بسبب الأخطاء الإملائية الكثيرة، خصوصاً في موضوعات التعبير».

وتابعت «ينجرف الطلاب حالياً إلى اللغات الأخرى بسبب طغيان اللغة الإنجليزية على كل المجالات العلمية والاقتصادية، إضافة إلى انعدام القراءة بين الشباب، ومن لا يقرأ لن يستطيع أن يكتب».

فيما ارجعت معلمة التاريخ، (أم حمد)، انحسار اللغة العربية وتراجعها أمام الإنجليزية، إلى انتشار المدارس الأجنبية بشكل كبير جداً، وتسابق ذوي الطلبة على إلحاق ابنائهم بها، لحرصهم على إتقانهم اللغة الانجليزية ولو على حساب لغتهم الأم، مشيرة إلى أن «اللغة الإنجليزية تدرس مع دخول الطفل المدرسة وقبل دخوله الصف الأول الابتدائي، فالمناهج والقصص المقروءة تُدرسان باللغة الإنجليزية التي لا تنقل فحوى القصة فقط بل ثقافة كاملة للغة دخيلة».

وأكملت «كلما زاد تدريس مقدار اللغة الانجليزية قل التركيز على اللغة العربية بكل ما تربط به من نواحٍ، فتقل بالتدريج معرفة الابن بالدين والشخصيات الإٍسلامية وجغرافيا وتاريخ الوطن العربي وآمال وآلام الأمة العربية وبالتدريج يُحدِث الانسلاخ اللغوي انسلاخاً ثقافياً ودينياً».

كثرة الوافدين

وأرجع الطلبة الجامعيون احمد راشد، وحمد عبدالله، وسعيد صالح، وخالد البلوشي، تراجع اللغة العربية، إلى زيادة اعداد الوافدين، خصوصاً من الجنسيات غير العربية، وانتشار اللغة العربية المشوهة نتيجة عدم اتقان شريحة كبيرة من العمالة الآسيوية للغتين العربية أو الانجليزية، فظهرت لغة غريبة ذات مفردات تجمع بين العربية والانجليزية واللغة المحلية لهذه العمالة في الجملة الواحدة، إضافة إلى أن هذه المفردات دمرت قواعد النحو وبناء الجمل العربية، وأنثت المذكر ونصبت الفاعل، وقضت على جماليات اللغة.

وأضافوا «الشباب يستسهل التواصل بالإنجليزية نظراً للانفتاحين الحضاري والاقتصادي الكبيرين، وزيادة اعداد الوافدين من الدول الأجنبية (التي لا تتحدث العربية) وأصبح من السهل التحدث باللغة الانجليزية، خصوصاً أن معظم الشباب يتقنها».

ووضعت مديرة قطاع المناهج العربية في مجلس أبوظبي للتعليم، الدكتورة كريمة المزروعي، حلولاً للحفاظ على لغتنا وثقافتنا العربية، منها التحدث مع الأبناء باللغة العربية فقط في المنزل، وجعلها اللغة الرسمية للتخاطب حتى مع الخدم، مع ضرورة اشعار الأبناء بأن آباءهم ومعلميهم من محبي اللغة العربية الجميلة. بجانب التحدث معهم دائماً عن أهمية اللغة العربية لنا نحن عرباً ومسلمين.

وتابعت «يتعين أيضاً عدم مدح الأبناء أو أبناء الغير عند تحدثهم باللغة الانجليزية على حساب العربية، حتى لا يترسخ في عقول الاطفال أن اللغة الانجليزية يجب الاعتماد عليها، لأنها تسعد الآباء، وعدم السخرية من الطفل الذي يتحدث بالعربية ومعايرته».

واضافت «من الضروري تشجيع استخدام اللغة العربية في المنزل عن طريق القراءة والسماح بمشاهدة البرامج والرسوم المتحركة العربية فقط، وإعداد مسابقات لكتابةالقصة والشعر مثلاً أو قراءة أكبر عدد من القصص العربية، وتنفيذ أنشطة مشتركة مثل كتابة بطاقات تهنئة للجد والجدة والأصدقاء باللغة العربية، وممارسة الألعاب التي تنمي استخدام اللغة العربية مثل الألغاز اللغوية وغير ذلك مما يزخر به تراثنا العربي». وطالبت المزروعي الآباء بقراءة قصص الأطفال كل يوم وتشجيع الأطفال على اختيار القصص التي تتناسب وميولهم، وتشغيل الإذاعات العربية يومياً وسماع الأخبار والمشكلات وحالة الطقس لربط المستمع بالعالم من حولة باللغة العربية وجعله جزءاً منه، وتشغيل الأناشيدأ الإسلامية التي تعزز قيم ومبادئ الإسلام واللغة العربية ومناقشة معاني المفردات ومفاهيم النشيد مع الأطفال في السيارة، مع ضرورة جعل بيئة المنزل زاخرة باللغة العربية عن طريق تعليق الأدعية في أرجاء المنزل واللوحات الفنية المحتوية على الخط العربي أو الأمثال أو الأبيات الشعرية.

وشددت المزروعي على ضرورة إيجاد البدائل العربية للدخيل الأجنبي لكي تزخر مكتباتنا المنزلية بالكتب والمجلات والقصص العربية المفيدة التي لها القدرة على جذب الأبناء، مشيرة إلى أن اللغة الإنجليزية لغة مهمة ولا يمكننا بأي حال من الأحوال تجاهلها أو تجاهل أهميتها كلغة التكنولوجيا والعلم والتواصل، لكن علينا أن نستقبل تلك اللغة بعين وسمع واعيين، ولا نريد أن نكسب ثقافة وعلماً على حساب ديننا وهويتنا ولغتنا الأم. فلنجعل من عقولنا مناخل لا تسمح إلا بالسمين ليدخل إلينا، أما الغث فليأخذه السيل بعيداً عنا.

تويتر