«الإنجليزية» لغة التواصل بينهم.. والبدور يؤكّد أن «لغة الضاد» لم تعد تستخدم إلا فـي الصلوات

«العربية» تتلاشى بـين طلبـة مـواطنين وعرب

«أبوظبي للتعليم» يدعم اللغة العـربية لضمان عدم طغيان «الإنجليزية» عليها. تصوير: تشاندرا بالان

رصدت «الإمارات اليوم» طلبة مدارس وجامعات في الإمارات، لا يجيدون الحديث باللغة العربية، أو يجيدونها لكنهم يعتمدون على اللغة الإنجليزية في الحوار والتواصل مع أقرانهم. ولاحظت أن ممارسة هذا السلوك لا تقتصر على الفترات التي يقضونها داخل الحرم المدرسي أو الجامعيّ، بل أصبح نمط حياة.

وفيما عزا طلاب ذلك إلى طبيعة حياتهم ودراستهم التي تعتمد على اللغة الإنجليزية اعتماداً كلياً، حذر تربويون من تراجع اللغة العربية بين الشباب، وابتعادهم عن التواصل بها، لافتين إلى أن «الإنسان في جوهره ليس سوى لغة وهوية، فاللغة هي فِكره ولسانه، كما أنها انتماؤه. وانصرافه عنها هو انصراف هذا الانتماء إلى فضاء آخر».

وقالوا إن «هوية الإنسان تحددها علاقاته بالآخرين، لهذا لابد أن تكون جزءًا من هوية المجتمع الذي يعيش فيه، أو تحمل على الأقل بعض ملامحه»، لافتين إلى أن «هذا السلوك يدل على وجود بون شاسع بين الأبناء وآبائهم من جانب، وبينهم وبين تراثهم وتاريخهم كله من الجانب الآخر».

موضوعات التعبير

أكدت معلمة اللغة العربية، في مدرسة «إنتر ناشونال كوميونتي» غادة يونس، انتشار ظاهرة التحدث بالإنجليزية بوصفها لغة التعبير الأولى بين الطلاب، خصوصاً دارسي المنهاجين الأميركي والإنجليزي، اللذين تطغى فيهما اللغة الإنجليزية على اللغة العربية، ويتم تدريس موادهما كاملة بالإنجليزية، فيما عدا مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، معربة عن استغرابها من هذه الظاهرة، «لأن اللغة العربية مقدسة في نظر أبنائها، وقداستها مستمدة من ارتباطها بالقرآن الكريم». وأشارت إلى أن معلمي اللغة العربية في هذين المنهاجين يعانون الأخطاء الإملائية الكثيرة، خصوصاً في موضوعات التعبير، وعدم استطاعة الطلبة التعبير عما يدور في أذهانهم باللغة العربية. وقالت إن الطلاب ينجرفون حالياً إلى اللغات الأخرى، بسبب طغيان الإنجليزية على المجالات العلمية والاقتصادية، إضافة إلى انعدام القراءة بين الشباب، ومن لا يقرأ لا يستطيع الكتابة أو التعبير عن نفسه، محذرة من تراجع اللغة العربية بين جيل الشباب، «لأن ذلك يعني تلاشي الهوية، وفقدان الشعور بالانتماء».

وأكدت مديرة قطاع المناهج العربية في مجلس أبوظبي للتعليم، الدكتورة كريمة المزروعي، وجود فجوة بين مصادر تعلم اللغة الإنجليزية واللغة العربية، مؤكدة أن «إقبال الطلبة على الإنجليزية بات يطغى على اللغة العربية».

وعزت ذلك إلى أن المواد التعليمية الإنجليزية من كتب وقصص وغيرهما، تجذب طلاب المرحلة التأسيسية، لاحتوائها على الرسوم والألوان والصور، مضيفة أن «المجلس تواصل مع عدد من أكبر دور النشر العالمية لتوفير مواد تعليمية عربية جاذبة ومفيدة للطالب»، لتعزيز علاقة الطلاب بلغتهم الأم، وتأصيل ارتباطهم بها وانتمائهم إليها.

تفصيلاً، أكد طلاب أنهم معتادون على التحدث باللغة الإنجليزية، عازين ذلك إلى نظام تعليمهم وحياتهم، سواء في المنزل أو خارجه، وشرحوا أنهم يفكرون بالإنجليزية، ويصدرون ردود أفعالهم بهذه اللغة، من دون تخطيط مسبق لذلك، لافتين إلى أنهم يجدون صعوبة بالغة عند محاولة الاسترسال في الحديث باللغة العربية.

وقال الطالب أحمد سلطان، إنه اعتاد على سماع اللغة الإنجليزية، سواء داخل المنزل أو خارجه، منذ أن كان طفلاً، وعند التحاقه بالتعليم أصبح كلّ شيء باللغة الإنجليزية، وشرح أن «هذه اللغة تطغى على كل شيء في حياتنا، فالالتحاق بأيّ عمل يستدعي إجادتها، والتعامل في المرافق ودوائر العمل لا يتمّ إلا بها».

وقال الطالب أنور الحداد، إنه لا يستطيع التعبير عن نفسه باللغة العربية بسهولة، لافتاً إلى أن «تغيير هذا السلوك يحتاج إلى مجهود شاق»، وشرح أن مراحل تعليمه كلها كانت باللغة الإنجليزية، والمعلمون كانوا أجانب لا يتحدثون اللغة العربية، وعقب تخرجه في المرحلة الثانوية التحق بكلية الهندسة، ما عمّق علاقته بهذه اللغة.

وأشار طالب الدراسات العليا، علي سالم حمد، إلى أن اللغة العربية لم تعد خياراً مطروحاً في ظل مجتمع متعدد اللغات والثقافات، مؤكداً عدم وجود صراع في المجتمع بين اللغة الأم واللغة السائدة. وشرح أن هناك قناعة تامة لدى كثير من العائلات بأن تعليم الأطفال لغات أجنبية مبكراً يسهم في تطور نموهم الفكري، وقدرة تركيزهم.

وجزم حمد بأن اللغة الإنجليزية هي الأولى بين الطلبة والشباب، لافتاً إلى أن «التحدث بها بينهم أمر شائع وطبيعي، بل إن المستغرب ألا يتحدثوا بها».

وذكرت الطالبات في جامعة زايد، مريم عبدالله، وعائشة الكندي، وفاطمة الكتبي، أنهن اعتدن التواصل والحديث باللغة الإنجليزية، وإن كان ذلك لم ينسهن اللغة العربية، باعتبارها لغتهن الأصلية، لافتات إلى أن الإنجليزية سيطرت على التعليم، وبالتالي اعتدنا منذ الصغر على التفكير بها، وأصبح من الصعب تغيير هذا الأمر أو التفكير باللغة، ثم ترجمة الأفكار للتحدث بلغة أخرى.

وأشارت (أم علي)، وهي والدة طفلين في التعليم الأساسي، إلى أن اللغة العربية لم تعد خياراً وحيداً أمام الأهل في مجتمع تعددي وغني بالثقافات، مثل الإمارات، مؤكدة أن تعلم الطفل لغات جديدة هو جزء لا يتجزأ من الحراك الاجتماعي، وأن التقيد بلغة واحدة في المنزل، مثل العربية، سيفقد الطفل فرصاً كثيرة في حياة ومستقبل أفضل.

شكاوى دائمة

مدارس منغلقة على نفسها

وجيه السباعي ــ دبي أكدت رئيسة جهاز الرقابة المدرسية في هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي، جميلة المهيري، أن الهيئة ألزمت المدارس الأجنبية الخاصة في دبي، بتدريس اللغة العربية، وبترسيخ فكرة التمازج الثقافي، خصوصاً أن تلك المدارس كانت تعتبر نفسها غير معنية بثقافة المجتمع الذي تعيش فيه.

وقالت إن بعض المدارس الخاصة كانت «منغلقة» على نفسها إلى حد بعيد، إذ كانت تعتقد أن وجود عدد ضئيل من الطلبة المواطنين أو العرب والمسلمين يعفيها من مسؤوليتها نحو تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية بشكل جدي، مشيرة إلى أن ذلك كان أحد الأسباب التي دفعت الهيئة إلى التشدد في موضوع اللغة العربية والتربية الإسلامية. وذكرت المهيري أن من الأهداف الرئيسة لجهاز الرقابة المدرسية تدريس اللغة العربية في المدارس الخاصة بقدر الاهتمام نفسه الذي تدرس به أي مادة أخرى، سواء كانت لغة أولى أو ثانية، وأن يحظى كل طالب بفرصة جيدة للتعرف إلى حضارة وقيم هذا البلد عن قرب.

وأشارت إلى وجود عدد كبير من المدارس الأجنبية الخاصة العاملة في دبي بعيدة تماماً عن تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية، مشيرة إلى أن جهاز الرقابة يتابع في دورته الحالية التطور الذي تحققه المدارس في أساليب تدريس العربية، ومستوى التحصيل الدراسي للطلبة، مؤكدة أن ذلك سيؤثر بشكل مباشر في التقييم النهائي لكل مدرسة.

في المقابل، حذر أستاذ مساعد رئيس قسم التربية في جامعة الحصن، الدكتور محمد سعيد، من خطورة انتقال لغة التواصل بين الشباب العرب والمواطنين من اللغة العربية إلى لغة أجنبية، مشيراً إلى أن انتشار اللغة الإنجليزية أصبح أمراً واقعاً، كونها لغة العلم، ولها أفضلية في الجامعات والمؤسسات وسوق العمل، إضافة إلى المفتوحة التي تضمّ جنسيات مختلفة، تفضل التواصل باللغة الإنجليزية، وكل هذا يشكل ضغطاً على اللغة العربية.

وأوضح سعيد أن انتشار التواصل بين الشباب باللغة الإنجليزية، يعود إلى الهجمة الشرسة للغة الإنجليزية سواء في التعليم أو في المجتمع المحيط ككل، لافتاً إلى عدم وجود ودّ بين الشباب واللغة العربية، وهناك شكاوى دائمة من صعوبتها، سواء من حيث كتابة الحروف، أو النطق، أو القواعد، ويساعدهم على الابتعاد عنها تشجيع المجتمع ككل للتحدث باللغة الإنجليزية، محذراً من أن انصراف الإنسان عن لغته الأم هو في جوهره انصراف عن الهوية إلى فضاء آخر.

«توفل» عربي

من جهته، حذر الوكيل المساعد للثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بلال البدور، من فقدان المجتمع الإماراتي شخصيته وهويته الوطنية، في ظل الاعتماد الأساسي على استخدام اللغة الإنجليزية على حساب العربية، موضحاً أن نصيب الفرد اليومي من اللغة العربية اختصر لساعة واحدة، يستخدمها في صلاته وقراءة الصحف اليومية، في حين يقضي بقية يومه مستخدماً الإنجليزية.

وطالب البدور بسنّ قوانين وتشريعات لتعزيز استخدام اللغة العربية في الجامعات الخاصة، وسوق العمل، وتجرم غير مستخدميها، مؤكداً أن الجهات المسؤولة عن وضع سياسات سوق العمل تتحمل مسؤولية كبيرة في انتشار تلك الظاهرة، مؤكداً أهمية وضع شرط إجادة استخدام اللغة العربية تحدثاً وكتابة للالتحاق بالوظائف، بهدف تعريب سوق العمل، وحفاظاً على ثقافة وهوية المجتمع.

واعتبر انتشار ظاهرة التحدث بالإنجليزية جزءاً من ضياع الهوية، محملاً المؤسسات التعليمية قدراً كبيراً من المسؤولية عن ذلك، «إذ تصاغ المناهج وفق أفكار ومعلومات غربية، تؤثر بشكل تراكمي في تصرفات وأسلوب حياة الطلاب في مجتمعهم الأصلي، فضلاً عن التأثير في أسلوب الملبس والمأكل والسلوكيات العامة.

وقال إنه متى عُرب سوق العمل من خلال تحويل المعاملات كافة إلى اللغة العربية، فإن ذلك سيدفع الجامعات لتعزيزها بشكل كامل. كما سيدفع غير العرب إلى تعلم لغة المجتمع الأساسية، مطالباً بحصول غير العرب على شهادة إجادة العربية، تعادل «التويفل» الإنجليزية.

وحول ترتيب العربية بين اللغات المستخدمة داخل الدولة، أكد البدور أنها تحتل المرتبة الرابعة، إذ تتصدر اللغة الأم لكل مقيم المرتبة الأولى لديه، تأتي بعدها اللغة الإنجليزية، مؤدية مهمة الربط بين الجنسيات المختلفة، في حين تحتل اللغة العامية المهجنة بين اللغات الموجودة داخل الدولة المرتبة الثالثة، ومن ثم تأتي اللغة العربية في المرتبة الرابعة، مشيراً إلى أنه لولا الصلوات الخمس ما استخدمت العربية نهائياً طيلة اليوم.

وثيقة تخطيط

وأكدت مديرة قطاع المناهج العربية في مجلس أبوظبي للتعليم، الدكتورة كريمة المزروعي، وجود فجوة بين مصادر اللغة الإنجليزية واللغة العربية، مشيرة إلى أن المجلس عمل في الفترة الأخيرة على دعم اللغة العربية وتطوير مناهجها، وأساليب تدريسها، حتى يتمتع الطالب بكفاءة لغوية عالية في لغته الأم، موضحة أنه إذا لم يتقن الطالب لغته الأم فلن يكون قادراً على اكتساب لغات أخرى، كما تفيد كثير من الدراسات. وتابعت المزروعي أن المجلس هدف من اعتماد نظام التعليم ثنائي اللغة في الصفوف التعليمية الأولى، إلى ضمان ألا تطغى الإنجليزية على العربية، إذ تم التأكيد على تعاون معلمات العربية والإنجليزية من خلال إصدار «وثيقة تخطيط ثنائية اللغة»، بحيث تتشارك معلمتا العربية والإنجليزية في وضع خطط دراسية تعاونية تدعم دراسة الطالب المادتين بشكل شائق.

مشيرة إلى توفير دليل خاص بالمطالعة للآباء، يمثل مرجعاً لتوفير المعلومات حول كيفية دعم وتعزيز التعلّم في البيت، وتقديم مقترحات لمجموعة من الأنشطة يمكنهم ممارستها مع أبنائهم، لجعل اللغة حية في محيط الطالب اليومي. وأشارت المزروعي إلى أن المجلس طرح أيضاً «المنهاج العربي المساند» لدعم التعليم في المراحل التأسيسية من رياض الأطفال حتى الرابع التأسيسي، ضمن جهود المجلس للارتقاء بأداء الطلبة في اللغة العربية، وتنمية مهاراتهم، خصوصاً على مستوى القراءة والكتابة.

تويتر