السويدي: «التربية» قطعت شوطاً كبيراً في إعادة هيكلة التعليم

تربويون: دافعية الطلاب للتعليــم تتراجع

غياب عناصر التشويق عن التدريس عزّز تراجع الإقبال على التعليم. تصوير: دينيس مالاري

حذر تربويون من تراجع إقبال الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة، على التعليم خلال السنوات الأخيرة، مؤكدين أن «استمرار هذه الظاهرة يهدد مستقبل أجيال كاملة». وشرحوا أن «معظم الطلاب غير مبالين بالدراسة، ولا يركزون في شرح المعلمين، ويقضون اليوم الدراسيّ بين النوم واللعب»، مطالبين وزارة التربية والتعليم بإعادة هيكلة خططها وبرامجها التعليمية، لتحفيز الطلبة على التعلم.

وعزوا المشكلة إلى عدم جاذبية محتويات المناهج الدراسية، وغياب المحفزات عن مهنة التدريس، وتطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة، وضعف رقابة الآباء على أبنائهم الطلبة، وضعف التواصل بين البيت والمدرسة.

وأكد الطلبة في الصف الثاني عشر، حسن خلفان وعلي إبراهيم وراشد يوسف وعبدالله موسى، أن معظم الطلبة لا يبالون بشرح المعلمين، أو بمذاكرة دروسهم، ويقضون يومهم الدراسي بين النوم واللعب.

وأضافوا أن ذلك ناجم عن شعورهم بالملل من أساليب التعليم الموجودة حاليا، ومن كثرة الامتحانات، فضلاً عن توافر طرق تعلم أخرى خارج المدرسة، تغنيهم عن الحضور إلى المدرسة، مشيرين إلى الدروس الخصوصية والملخصات الدراسية.

من جانبها، دافعت وزارة التربية والتعليم عن المناهج الدراسية الحالية، وأكدت أنها انتقلت بالطالب من مرحلة التلقين إلى مرحلة المشاركة. وتابعت أنها حريصة على معالجة المشكلات كافة، التي تعترض سير العملية التعليمية، لافتة إلى أنها قطعت شوطاً طويلا في عملية إعادة هيكلة العملية التعليمية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وتفصيلا، أكد مدير مدرسة الصفا للتعليم الثانوي علي مال الله، أنه رصد خلال السنوات الأخيرة تدني دافعية الطلاب للتعلم، وسيطرة حالة من عدم المبالاة وعدم الاهتمام عليهم، خصوصا الذكور، محذرا من خطورة تلك الظاهرة على مستقبل أجيال كاملة.

وقال إن الطلبة داخل المدرسة لا يتفاعلون مع مدرسيهم، كما أن التقارير الدورية تشير إلى تراجع مستوى التحصيل الدراسي لديهم، على الرغم مما تبذله الوزارة لتطوير التعليم في الدولة، وعزا ذلك إلى ضعف رقابة الآباء على أبنائهم، وعدم متابعة أحوالهم داخل المدرسة.

وطالب مدير مدرسة محمد بن راشد النموذجية محمد حسن، وزارة التربية بمراجعة الخطط المستقبلية التي وضعتها، والتي شرعت في تطبيقها قبل فترة، للتأكد من مدى ملاءمتها لاحتياجات الطلبة والبيئة التعليمية بشكل عام.

ورأى أن مشروع الاعتماد الأكاديمي الذي اعتمدته الوزارة أخيراً حدّ من صلاحيات الموجهين، الذين تحتاج إليهم العملية التعليمية كمراقبين دائمين لها، وتابع: «أثر نظام الفصول الثلاثة سلباً في اهتمام الطلاب بالعملية التعليمية، إذ جعلتهم يعيشون في جو الامتحانات طيلة العام، الأمر الذي أفقدهم حب التعلم، وأصاب كثيرين منهم بالملل».

وأكد مدرس أول مادة الجيولوجيا في مدرسة الصفا للتعليم الثانوي في دبي عادل وهيب، أنه لاحظ مشكلة تدني دافعية الطلاب نحو التعلم، من خلال تعامله المباشر معهم داخل الصف، خصوصا الطلبة الذكور، داعيا إلى تضافر عناصر العملية التعليمية كافة لحلّ هذه المشكلة، «التي تتجزأ أسبابها ومسؤولية علاجها بينهم جميعاً».

وأعاد مدير مدرسة راشد بن سعيد للتعليم الأساسي والثانوي في حتا علي حمد غريب الظاهرة إلى وجود مشكلات تتعلق بالمنهاج الذي يدرس حالياً للطلبة، لافتاً إلى أنه «باعث على الملل، ويخلو من عناصر التشويق والجذب، فضلاً عن خلوه من الموضوعات التي تمسّ حاجة الطالب سواء في المدرسة أو العمل أو التخصص، إضافة إلى أن الوسائل التعليمية المتبعة حالياً مازالت تقليدية، الأمر الذي يجعل تدني دافعية الطالب للتعلم أمراَ طبيعياً».

وطالب غريب وزارة التربية بالبحث في أسباب تسرب الطلبة من التعليم، والبحث عن طرق بديلة للتعامل مع تلك الظواهر السلبية التي تهدد العملية التعليمية بأكملها، والعمل على إثراء المناهج بموضوعات تجذب الطلبة.

كما أكد ضرورة دراسة ما يحتاج إليه الطالب، وإشراك المؤسسات العاملة في الدولة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية، في وضع مناهج بديلة عن المناهج الحالية «التي وضعت بعيداً عن المعلم، واحتياجات الطلبة».

أما موجه أول مادة الفيزياء في وزارة التربية والتعليم محمد الأقرع، فرأى أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة، إذ يقبل الطالب على دراسة القسم الأدبي لعلمه المسبق بأنه قد ينال فرصا وظيفية أفضل بكثير من الفرص التي يحصل عليها خريجو الكليات العلمية، الأمر الذي يفقده الدافع لدراسة المواد العلمية.

واعتبر غياب التعليم المتخصص عن مدارس الدولة أحد أبرز الأسباب وراء الظاهرة، إذ يدرس طلاب تخصصات إجبارية قد لا تكون متوافقة مع ميولهم ورغباتهم، مطالبا بتنويع مسارات التعليم وتطويرها، لخلق بيئة أكثر جذباً للطلاب.

وحمّل موجه أول مواد علم النفس والجغرافيا والاقتصاد خالد الشحي ذوي الطالب المسؤولية عن تراجع قابليته للتعلم، بسبب عزوفهم عن متابعته. لكنه لم ينف وجود أسباب أخرى، منها «وجود مصادر تعلم أكثر تطوراً وحداثة خارج المدرسة، من تلك التي تقدم داخلها، فبعد أن كانت المدرسة هي المصدر الوحيد للتعلم أصبح الطلاب يمتلكون أكثر من مصدر، الأمر الذي انعكس على اهتمامهم بالمدرسة بشكل عام».

وقال إن قدرة الطلاب على التحصيل قلّت كثيراً، على الرغم من الجهود التي تبذلها الوزارة، لافتا إلى أن المشكلة تخصّ المجتمع بشكل عام، ما يعني أن على أطراف العملية التعليمية كافة التعاون لإيجاد حلول جذرية لها».

ولفت موجه أول مادة التاريخ في وزارة التربية والتعليم محمد عيسى الخميري، إلى تأثير المغريات والمؤثرات الخارجية في تفاقم الظاهرة بالوسط الطلابي، لكنه اعتبر أن «الإجراءات التي تتخذها الوزارة، من شأنها تقليص الفجوة بين مصادر التعلم الخارجية والموجودة داخل المدرسة».

وأكد الخميري ضرورة إعطاء الطالب حقّ دراسة التخصصات التي تتوافق مع ميوله ومتطلباته، فضلاً عن مسايرة المستجدات العالمية في أساليب التعلم، بهدف خلق بيئة تعليمية جاذبة للطلاب داخل المدرسة.

وأعاد مدير منطقة دبي التعليمية الدكتور أحمد عيد المنصوري الظاهرة إلى ضعف قابلية المعلمين للتعليم، وعدم حرصهم على التنويع في أساليب توصيل المعلومة للطالب، عازيا أسباب ذلك إلى قلة الحوافز المخصصة لهم. وتابع أن الوزارة توفر الإمكانات المتاحة كافة لتطوير العملية التعليمية، ورفع المستوى العام للطلبة، مشيراً إلى أن تلك العملية تتطلب وقتاً حتى تثمر.

من جانبه، اعتبر وكيل الوزارة بالإنابة علي ميحد السويدي أن «هذه الظاهرة تختلف باختلاف الفروق الفردية بين الطلاب»، مؤكدا أن الوزارة قطعت شوطاً طويلا في عملية إعادة هيكلة العملية التعليمية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وأضاف أن المناهج التي تقدم للطالب تلعب دوراً كبيراً في ارتباطه بالمدرسة، مشيراً إلى أن «الوزارة انتقلت بالبيئة التعليمية من المناهج القائمة على الحفظ والتلقين، إلى مناهج مبنية على المعايير، والأهداف، لتطوير شخصيته وعقله».

وشرح السويدي أن الوزارة بدأت منذ عام 2008 في تطبيق نظم وبرامج تعليمية متطورة، شملت المناهج، والامتحانات، والبيئة المدرسية، والأنشطة الطلابية، والتوجه إلى تحسين نوعية التعليم من خلال توفير المستلزمات التي تحتاج إليها العملية التعليمية، خصوصاً اختيار المعلمين، وفق تدابير رقابية مشددة. ورأى أنه «لا يمكن ربط ظاهرة تدني الدافعية للتعلم بطلبة الدولة فقط، لأنها موجودة في مجتمعات كثيرة أخرى، أكثر تقدماً».

تويتر