آراء

القانون البحري والسُفن بلا قبطان

ارتبطت دبي تاريخياً بكل من التجارة والبحر ارتباطاً وثيقاً، إذ أسهم موقعها على خور دبي في إرساء مكانتها مركزاً دولياً للتجارة، كما أنها تربط الطرق التجارية بحراً وبرّاً وجواً بشبكة لوجستية متقدمة.

كان القانون البحري ومازال وسيبقى عنصراً بارزاً في تطور مكانة دبي كمركز تجاري، فهو القانون الذي يحكم ويحمي التجارة البحرية. ويعرّف القانون البحري بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم استخدام البحار والعلاقات الناشئة عن هذا الاستخدام، أي القواعد القانونية التي تحكم الملاحة البحرية. تجدر الإشارة هنا إلى أن النقل البحري شكل نحو 80% من إجمالي حجم التجارة العالمية في عام 2015، وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

وكما هي الحال بالنسبة لكل مناحي حياتنا اليومية، باتت التقنيات الحديثة تضطلع بدور لا يستهان به في تأمين سلامة الأرواح والبضائع والأموال في البحار والمحيطات، يزداد أهمية مع مرور الوقت. وقد أعلنت أكبر خطوط شحن في اليابان (نيبون يوسن كيه كيه)، في أواخر الشهر الماضي، عزمها على مخر عباب المحيط الهادئ بسفينة ذاتية القيادة بالكامل، في عام 2019.

وعليه نسأل: كيف سيواكب القانون البحري هذا التطور التقني المتسارع ليؤمنّ حركة الملاحة والتجارة البحرية في المستقبل؟

تاريخياً، القبطان هو الآمر الناهي على متن المركب، ومخالفته تعد عصياناً يعاقب عليه القانون. ويعتبر القبطان رئيساً لبلاده، أي المركب، لدرجة أنه يمتلك في بعض الأحيان السلطة الكافية لتزويج من هم على متن السفينة! فالقبطان هو الجهة المسؤولة عن سلامة الأرواح والأموال في عرض البحر، وعليه نسأل: ماذا سيحصل عندما نستبدل القبطان ببرمجيات الحاسوب، أو الذكاء الاصطناعي؟

لا شك أن البرمجيات الذكية قادرة على اتخاذ القرارات اللحظية بدقة متناهية، كما أنها أعلى كفاءة من البشر، فهي لا تنام ولا تشعر بالتعب، لكنها، كغيرها من التقنيات، عرضة للعطب، نتيجة لعوامل مختلفة.

وبشكل عام، تعتمد المركبات ذاتية القيادة على تقنيات مختلفة لتزويدها بالمعطيات الضرورية لتنقلاتها، كالسونار لتحدد بعد الأجسام من حولها، فهل نستطيع فعلاً الاعتماد بشكل تام على التقنية للتحكم في مسار المراكب والسفن؟ وفي حال غرق أحد المراكب، ما الجهة المسؤولة عن تعويض مالك أو ملاك الشحنات على متنه؟ وماذا سيحصل في حال ارتطم المركب بسفن أو مراكب أخرى، وأسفر عن الحادثة إزهاق للأرواح، لا قدر الله، فكيف يتم التعامل مع هذه المسألة؟

خلافاً للقوانين الأخرى، شهد القانون البحري تغيرات محدودة على مر السنين، لكنني أعتقد أن الوقت قد بات مناسباً لإعادة صياغته بما يتناسب مع مستقبل النقل البحري والتطورات التقنية.

مؤسس ورئيس مجلس إدارة مكتب كلداري محامون ومستشارون قانونيون

تويتر