آراء

القراءة.. تواصل العقول

شهدتُ أحدهم يقول للآخر: إني لا أراك تقرأ كتاباً! فأنت لا تدرك من الأمور إلا القليل وفي مجال تخصصك، وهذا بحكم طبيعة عملك وشهادتك. هل حقاً إن من لا يقرأ كتاباً لا يعد قارئاً؟ هل في زمن العولمة والمعلومة الرقمية والبيانات الضخمة ووسائل التواصل الاجتماعي تبقى القراءة مرتبطة بالكتاب فقط؟

القراءة هي القدرة على تقوية الحواس والذاكرة والعقل، للحصول على الكثير من المعرفة.

لا أنكر أن القراءة مهارة مهمة في حياتنا، ولكنها إحدى وسائل الحصول على المعرفة، والمعرفة أمر قد يدركه الإنسان بعقله، الذي كرمه الله سبحانه وتعالى به على سائر المخلوقات. كان الكتاب المصدر الرئيس للمعرفة، فالكتاب كما يقول عنه تريستان هو عصارة الفكر ونتاج العلم وخلاصة الفهم ودوحة التجارب، وهو عطية القرائح وثمرة العبقريات. ويرى فولتير أن من سيقود البشرية هم الذين يقرؤون. إن القراءة ضرورة وليست هواية كما يعتقد البعض، فالبعض يعتقد أن حياة البشر شكّلتها الكتب وليس البشر أنفسهم.

القراءة هي القدرة على تقوية الحواس والذاكرة والعقل للحصول على الكثير من المعرفة، ويمكن تلخيص فوائدها في قدرتها على التزود بالمعارف المختلفة، والعمل على الاتصال بعقول الآخرين، بالإضافة إلى قدرتها على إزالة فوارق الزمان والمكان فنعيش في أعمار الناس جميعاً، ونعيش معهم أينما كانوا وأينما ذهبوا .

هل لا تكون القراءة بمفهومها المتعارف إلا إذا كانت عبر الكتب؟ لا أعتقد ذلك، لأن الكتاب كان هو الوسيلة الوحيدة ـ إن صح التعبير - في السابق القادرة على تفريغ المعارف والخبرات لدى الناس، أما الآن فهناك وسائل أخرى كالكتاب المسموع والمقالات والأبحاث المنشورة عبر أي وسيلة ناقلة للمعارف. في اعتقادي أن البعض ينفر من الكتاب التقليدي بسبب حجمه، في بعض الأحيان، وفي إمكانية حمله معك حيثما ذهبت، والحل يكمن في أمور عدة، منها الاستعاضة بمختصرات الكتب التي تعطينا نبذة عن الفكرة أو الأفكار الأساسية للكاتب في ذلك الكتاب، ومن ثم نكون أمام فوائد جمة من ذلك، الأولى في أن البعض ليس لديه الوقت الكافي لقراءة كتاب تتجاوز صفحاته المئتي صفحة، وعندما يقرأ الملخص فإنه في المقام الأول يكون قد أضاف له معارف محددة في إطار معين عن موضوع متخصص، وإن أراد الاستزادة فله أن يقرأ الكتاب كاملاً، وأما الفائدة الأخرى فتكمن في أن تلك الملخصات تشجع الناس على القراءة، حيث تفتح لهم آفاقاً رحبة على معارف جديدة. ينبغي لنا أن ندرك أن المهم هنا الحصول على المعرفة وليس الكتاب، ومصادر المعرفة كثيرة، والدماغ يحتاج إليها؛ فالدماغ مستعد لاستقبال أكبر كم من المعلومات والمعرفة وهذا يتحقق بالقراءة؛ فالقراءة غذاء العقل، وهي على وقت ليس ببعيد تصبح للإنسان دليل الروح، فالذين يقرؤون كثيرا يعرفون كثيرا. وفي الختام: إن القراءة سبيلنا نحو التطور والارتقاء، وهي السبيل المثلى لنتواصل مع العقول بغض النظر عن فوارق الزمان والمكان، وليس بالضرورة أن تتم من خلال الكتاب الورقي، وإن كان الكتاب له حميمية خاصة.

مدير عام معهد دبي القضائي

تويتر