آراء المحامي

وِزر الشهادة

«الشهادة» مجرد كلمة، لكن وِزرها وثقلها كالجبال، فهي الفاصل بين الحق والباطل، والتي قد تغير مصير إنسان معلق بين الحرية والسجن.

من يؤديها أمام المحكمة فيجب أن يكون مدركاً لما يقوم به، فالقانون حمى هذا الشخص، وأوقع عقوبات بحق من يزوّرها لإيذاء الآخرين، أو من يكتمها لمنع إحقاق الحق.

القانون أعطى الشاهد طريقاًَ للعودة عن فعلته وشهادته الزور.

يمكن القول إن هناك نوعين من الشهادات، بحسب مقياس أدائها من قبل الأشخاص، الأول يتعلق بمن يشهدون بحسن نية، والثاني بمن يشهدون بسوء نية.

أما حسن النيّة هنا، فأقصد به الأشخاص الذين يشهدون في معظم الأحيان في معاملات الأحوال الشخصية كالزواج والميراث والطلاق وغيرها، وهنا نشاهد، نحن المحامين، بعض مراجعي المحاكم يلجأون إلى الموجودين فيها من أجل الشهادة معهم، سواء على عقد زواج أو غيره، فيقوم الشخص بالشهادة بحسن نيّة ومن باب المساعدة، فيسقط في الفخ، لأنه لا يعرف صراحة هوية من يشهد لهم، وفيما إذا كانت أوراقهم مزوّرة أو سليمة.

اسم الشاهد يوثق في عقد الزواج مثلاً، وإذا تبين أن الأوراق المبني عليها العقد مزورة، فإن الشاهد بحسن نية سيتورط في قضية، لذلك أدعو الجميع إلى عدم الشهادة في أي معاملات تتعلق بالأحوال الشخصية، ما لم يكن على معرفة ودراية كاملة بأطرافها تجنباً للمساءلة القانونية.

أما النوع الثاني، وهو الشهادة بسوء نية، ونجدها في القضايا ذات الطابع الجزائي، ويتم أداء هذا النوع تحت القسم، لكن البعض قد يستسهل أداءها، وهنا منبع الخطر لما لها من تأثير في مصير حياة متهم في قضية.

لذلك نجد القضاء والمحامين ينقبون في تفاصيل الشهادة أثناء الاستماع إلى صاحبها، فهي مربط الفرس في أي قضية.

وقانون الإجراءات الجزائية في مادته 253، يعاقب من شهد زوراً أمام السلطة القضائية، أو إن أنكر الحقيقة أو كتمها، بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وهذه الشهادة إذا كتمت في القضايا الكبرى التي ينال فيها الضحية عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، فإن الشاهد ينال العقوبة ذاتها.

ورغم العقوبة المشددة إلا أن القانون أعطى الشاهد طريقاً للعودة عن فعلته وشهادته الزور، فأكد في المادة 254 أنه يُعفى الشاهد الذي أدلى الشهادة في أثناء تحقيق جنائي، إذا رجع عن الشهادة الكاذبة، قبل أن يختم التحقيق وقبل أن يبلغ عنه.

هذه دعوة لمن أقدم على شهادة زور بالعودة عنها قبل تأنيب الضمير، فإنه إذا نجا من حساب الدنيا، فإن الله تعالى سيحاسبه في الآخرة، حيث يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه».

تويتر