آراء

قانون الألقاب والرتب

القاضي جمال السميطي

نحن نعيش في مجتمع كثرت فيه الألقاب والمسميات، تلك التي يحرص عليها أصحابها أكثر من حرصهم على مضمونها وتبعاتها، فالأستاذ الذي يفترض فيه أن يكون ملماً ومتمكناً تمام التمكن من مادته العلمية، وصاحب السعادة الذي يفترض فيه أن يسعد غيره كما أسعد نفسه، وذاك صاحب المعالي الذي يفترض فيه أن يكون أرفع الناس تواضعاً لأنه لا يأتي بعد العلو إلا التواضع، وكذلك صاحب السيادة الذي يفترض فيه أن يسود الناس بعدالة حكمه وسداد رأيه وحسن تقييمه للأمور، وغيرها من المسميات التي لا حصر لها والمتداولة على الصعيدين المدني والعسكري.

«لو نظرنا إلى الواقع الذي نعيشه اليوم لوجدنا أنفسنا أمام معضلة حقيقية، تتمثل في حرص الأشخاص على تلك الألقاب، وهم على أتم الاستعداد لبذل الغالي والنفيس لنيلها».

كانت الألقاب تُنظم ويوكل أمر تنظيمها لجهات تنظيمية، ففي أوائل العصر العباسي كانت من اختصاص ديوان الإنشاء، وعرف في العصر السلجوقي باسم «الطغرائي»، وفي العصر الفاطمي باسم «كاتب السر» أو «الدست»، وفي المغرب بصاحب القلم الأعلى، وأطلق عليه صاحب أو رئيس ديوان الإنشاء بالممالك الإسلامية في العصر المملوكي. ومما طرأ على ذلك أن حق التلقيب انتقل من الخليفة إلى ديوان الإنشاء، ما أدى إلى استهتار المصريين بسلطة الخليفة في منح الألقاب ومنح الألقاب لغير مستحقيها. وقد كان السلطان العثماني يتمتع بسلطة منح كل ألوان التكريم والقيادة والمناصب ذات الألقاب الرفيعة ونزعها حيث يشاء، وقد ابتليت الدولة العثمانية بشراء المناصب والألقاب، وكانت الدولة خالية من قوانين تضبط أحكام المناصب.

لو نظرنا إلى الواقع الذي نعيشه اليوم لوجدنا أنفسنا أمام معضلة حقيقية لها وجهان، يتمثل الأول في حرص الأشخاص على تلك الألقاب، وهم على أتم الاستعداد لبذل الغالي والنفيس لنيلها، متناسين أن تلكم الألقاب تكليف يحمّل صاحبها حملاً كبيراً، فالأستاذ يجب أن يعي مكنون الكلمة وأن يكون صاحب علم جم، والخبير يجب أن يكون صاحب خبرة ودراية بحيث لا تغيب عنه شاردة ولا واردة إلا ويدركها في مجاله الفني، والمستشار يجب أن يكون كذلك بحيث إذا ما استشاره أحد في مجال تخصصه كان أميناً ورأيه حاضراً يجيب على مطلب وتساؤل المستشير.

كان هذا الوجه الأول، أما الوجه الآخر فإننا في ظل غياب ضوابط تضبط موضوع الألقاب فإن تلك الألقاب فقدت قيمتها لدى المجتمع بل ولدى مستحقيها، لأنها وصلت لأشخاص لا يستحقونها، وأنا على يقين من أن هناك أناساً يستحقون الألقاب وفي كل المجالات والقطاعات المهنية والحرفية، وهم جديرون بتحمل أمانة اللقب الذي يحملونه، لأنهم تعبوا واجتهدوا واكتسبوا المهارة المطلوبة فاستحقوه عن جدارة.

هذه مطالبة بإعادة الأمور إلى نصابها كما كانت في السابق، بحيث يتم تقنين تلكم الألقاب بموجب قانون ينظمها، ولا تترك تلك المسألة على غاربها.

مدير عام «معهد دبي القضائي»

تويتر