Emarat Alyoum

العالم الافتراضي.. «بوابة داعشية» لقتل الإنسانية بسلاح «الأطفال» (1-2)

التاريخ:: 22 ديسمبر 2017
المصدر: تحقيق : أحمد عابد
العالم الافتراضي.. «بوابة داعشية» لقتل الإنسانية بسلاح «الأطفال» (1-2)

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية في العالم الافتراضي، برزت قدرة التنظيمات الإرهابية، خصوصاً «داعش»، في السنوات الأخيرة، على استقطاب عناصر من الأطفال والشباب من أنحاء العالم إلى صفوفها، ما عرف بـ«التجنيد الإلكتروني»، وهو ما جعل العديد من الحكومات والدول تتأهب لمواجهة ذلك، عبر «الواقع الافتراضي».

وكانت دولة الإمارات من الدول الأولى التي تبنت مبادرات وسنّت قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب الإلكتروني.

وفي هذا التحقيق نكشف أبعاد ظاهرة «التجنيد الإلكتروني»، والحيل التي تستخدمها الجماعات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «داعش»، للتغرير إلكترونياً بالشباب والأطفال، وملء عقولهم بمعلومات مغلوطة، تمهيداً لاستقطابهم في أفعال إجرامية ضد الإنسانية.

كما يتطرق التحقيق إلى كيفية تحصين أبنائنا من المحتوى المتطرف الذي تبثه هذه الجماعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتسليط الضوء على مبادرات دولة الإمارات في مواجهة هذه الظاهرة.


«داعش» لضحاياه الجدد: لدينا حلم القتل يصبح حقيقة

«التواصل الاجتماعي» وسيلة الجماعات الإرهابية لـ «التجنيد الإلكتروني»

رصدت «الإمارات اليوم» صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو، وألعاباً إلكترونية، يقف وراءها تنظيم «داعش» الإرهابي، من بينها مقطع فيديو يظهر فيه طفل عمره ست سنوات، معرباً عن رغبته في الانضمام إلى «داعش» وذبح أبيه، وفيديو آخر لطفل عمره ثلاث سنوات يذبح دميته المفضلة، متأثراً بمشاهد «داعش».

جز الرؤوس

الشاب المصري إسلام يكن، أو كما يلقبونه «أبوسلمة»، بعدما التحق بتنظيم «داعش» الإرهابي، كان محور حديث شبكات التواصل الاجتماعي، فهو خريج الليسيه، وكان من سكان أحد أرقى أحياء القاهرة، وتحول من هاوٍ لرياضة كمال الأجسام محب للحياة، إلى شخص يستمتع بجز الرؤوس، وقد دأب على نشر مقاطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي، مفتخراً بانضمامه إلى التنظيم الإرهابي.

قصة إسلام ليست الوحيدة، فهناك عشرات الشباب من دول عربية وغربية، نجح «داعش» في تجنيدهم عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وجعلهم يتركون حياتهم وأوطانهم للانضمام إليه.

حسبيني: الحلول التقنية غير كافية لمواجهة «التجنيد الإلكتروني»

قال الباحث الأمني في شركة (كاسبرسكي لاب) العالمية المختصة بأمن الإنترنت، محمد أمين حسبيني، إن «الحلول التقنية ليست السلاح الوحيد لمواجهة (التجنيد الإلكتروني)، إذ أنه من المهم رفع مستوى الوعي المجتمعي والأسري بهذه الظاهرة، وتعزيز رقابة الأسر لأبنائها على مواقع التواصل أو الألعاب الألكترونية، وتعاون الأفراد مع الحكومات بإبلاغ الأجهزة الأمنية المعنية عند رصد أي محاولات لاستقطاب أحد أبنائها من قبل العناصر المشبوهة، وفي الوقت ذاته تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الارهاب الإلكتروني».

انتقال آليات التجنيد من الواقع المادي إلى العالم الافتراضي

نبه الخبير الأكاديمي، الباحث في فلسفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الدكتور رامي عبود، إلى أنه «عبر عملية التجنيد الداعشي يجري الالتفاف حول الإرادة الحرّة للفرد، وإعادة توجيه فعل الذات، بالالتفاف على الحقائق والمسلّمات، لخدمة أغراض أيديولوجية وعقائد جاهزة، بغض النظر عن ارتباطها بالأديان»، موضحاً أن «ذلك يعد تحوّلاً في آليات التجنيد، وليس في العقيدة المركزية للإرهاب، أي انتقال تلك الآليات من الواقع الفيزيقي المادي إلى الواقع الافتراضي».


1000 حالة تجنيد من قبل «داعش» في أميركا، و40٪ ممّن وجّهت إليهم اتهامات بدعم التنظيم من غير المسلمين.


- ألعاب إلكترونية لاصطياد الصبية بإغراء «البطولة الزائفة».

- طفل عمره 6 سنوات يعلن رغبته في ذبح أبيه والانضمام إلى التنظيم الإرهابي.

كما يوجد عدد من الشهادات المصورة لأطفال، يكشفون فيها أن غرباء تحدثوا معهم عبر «الدردشة الصوتية» حول أمور تتعلق بالقتال والدين، في محاولة للتأثير فيهم، وذلك أثناء ممارستهم ألعاباً إلكترونية (أونلاين).

وقال الخبير الأكاديمي، الباحث في فلسفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الدكتور رامي عبود، إنه حسب تقرير صادر عن معهد الأمن القومي في جامعة فوردهام، هناك أكثر من 1000 حالة تجنيد من قبل «داعش» في الولايات المتحدة الأميركية، في حين أن 40٪ ممن وجهت إليهم اتهامات بدعم «داعش» كانوا من غير المسلمين، أو ممن لم ينشأوا مسلمين.

وأضاف «من هذه الحالات حالة جاستين سوليفان، من ولاية كارولينا الشمالية، الذي تم تجنيده بعد تواصله مع أعضاء في (داعش) عبر الإنترنت، وقتل جاره لإثبات حسن نواياه للداعشيين، وبعدها جرى تجهيزه لعملية إرهابية كبرى، لكن السلطات الفيدرالية أحبطت تلك المحاولة وأوقفته».

وشرح عبود أن «اليافعين يتلقون وعوداً براقة من عناصر (داعش) المكلفين تجنيد عناصر جديدة على منصات الإنترنت، كإمكانية تحقيق الأحلام المؤجلة، وتغذية المراهقين بفكرة البطولة النابعة من القتال والعنف عبر ألعاب فيديو ومقاطع وأغانٍ حماسية، ويتحول ذلك لاحقاً إلى هدف يظل يطارد ضحاياهم، الذين غالباً ما يكونون تحت ضغوط نفسية واجتماعية، إلى أن يصبحوا فريسة سهلة في أيدي الإرهابيين، الذين يصوّرون لهم أن أحلام البطولة ستتحقق على أرض الواقع».

وأوضح أن «التجنيد يتم للعناصر الجديدة، بغض النظر عن خلفياتهم الأيديولوجية وهويتهم وانتماءاتهم العرقيّة وغيرها، وقد أطلق (داعش) لعبة نداء الجهاد (Call of Jihad)، التي تغرس في الشباب مشاعر زائفة بالبطولة والقدرة على التحكّم في الآخر، ما يبين أنه ليس الدين بالضرورة هو الدافع وراء انجراف اليافعين نحو الانتماء إلى (داعش)، الذي يجري لهم عملية غسل دماغ، ويجهزهم نفسياً للأنشطة الإرهابية».

وأشار عبود، إلى أن «ما يجعل عملية التجنيد مجرّد (نزهة إنترنتيّة) هو عدم قدرة اليافعين على التعبير عن ذواتهم ضمن أسرهم ومجتمعاتهم، أو الوقوع تحت طائلة الفقر، ومن ثم يصبح اعتناق العنف السبيل للتأكيد على قدرة الفعل الذاتي، وإيصال صوتهم إلى الآخر».

وتابع «ما يحدث هو تحييد فكرة العنف عن سياق عملية التجنيد، والمقصود هو العنف في ذاته ودمويته ووحشيته، وليس العنف بالمعنى الافتراضي الذي يُمارس في فضاء ألعاب الفيديو، وذلك باعتبارها فكرة طاردة قد تهدد مسار التجنيد برمّته، وبالتالي، يصبح العنف عبارة عن بنية مستترة، يجري إخفاؤها مؤقتاً خلف تلك الوعود البراقة إلى حين وقوع الشاب فريسة في (مصيدة داعش)، واستسلامه تماماً للتوجيه الخارجي والتنميط الأيديولوجي».

وأكد عبود، أنه «ينبغي عند توجيه أصابع الاتهام إلى اليافعين الذين وقعوا في شباك (التجنيد الداعشي) النظر في الظروف أو الأسباب الاجتماعية والأسرية والنفسية والأيديولوجية التي أدت إلى هذه الظاهرة، كما ينبغي تحميل المسؤولية إلى منصات التواصل الاجتماعي، التي لم تكن آليات تعاملها مع المدّ الداعشي داخلها على القدر المطلوب، خصوصاً أنها تربح مليارات الدولارات من استخدام هذه المنصات، ومن ثم فعليها أن تنفق جزءاً من هذا المال من أجل حماية أبنائنا من مخاطر التجنيد من قبل الجماعات الإرهابية التي تستغل منصاتها».

وأضاف أن «تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منحت الأطفال نوعاً من الاستقلالية عن سلطة الأسرة، لكن لا استقلالية مطلقة للطفل في فضاء الإنترنت، باعتباره عالماً موازياً لعالمنا الفيزيقي بكل تعقيداته وإشكالياته وتنظيماته الاجتماعية الموجودة على الأرض، لذا تظل الأسرة مسؤولة عنهم حتى بلوغ السن التي يصبحون عندها مسؤولين عن قراراتهم وحياتهم بشكل كامل، فمثلاً يجب ألّا يحصل الطفل على كلمة المرور التي يمكن من خلالها تحميل وشراء تطبيقات من دون وجود الأسرة، ثم يجب نشر برامج التوعية في المجتمع للارتقاء بوعي الأسرة في اختيار المحتوى الإلكتروني، وتأثير الألعاب الإلكترونية، على أن يكون هناك اتفاق أسري ضمني بأن الأبناء لا يتمتعون بالسلطة الكاملة على الأجهزة الإلكترونية الخاصة بهم».

إلى ذلك، أكد الباحث الأمني في شركة «كاسبرسكي لاب» العالمية المختصة بأمن الإنترنت، محمد أمين حسبيني، أن «التجنيد الإلكتروني للأطفال والشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، ظاهرة حديثة، أثارت اهتمام الأوساط الأمنية والمخاوف الاجتماعية في العالم، بعد أن تمكنت جماعات إرهابية، ومنها تنظيم (داعش)، من استغلال التقنيات الحديثة في استقطاب الأطفال والشباب، لتبني أفكارها المتطرفة».

وأضاف أن «شركته تعاملت مع عدد كبير من الشكاوى في هذا الصدد، وقدمت حلولاً ومساعدات تقنية لأجهزة أمنية في عدد من الدول التي تأثرت بهذه الظاهرة، ومنها وسائل مراقبة الحسابات المشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي، والعمل على حجبها، بالتنسيق مع إدارات هذه المواقع».

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية مستشار رئيس جامعة زايد، الدكتور نصر عارف: «استطاع تنظيم (داعش) الإرهابي توظيف أحدث ما أنتجه الإنسان من التكنولوجيا الحديثة لتدمير الحضارة الإنسانية، فهذا التنظيم يعتمد بصورة أساسية في تجنيد أتباعه على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال الاجتزاء من النصوص القرآنية والأحاديث والفقه، وللأسف هم بارعون في انتقاء ما يؤيد حجتهم، ويقنع من يقرأ لهم، كما أنهم بارعون في تقديم صورة للواقع من وجهة نظرهم، بما يخدع من يقرأ لهم أو يسمعهم ويعتقد أنهم على علم وإحاطة بكل مشكلات الواقع الاجتماعي، الذي تعيشه الشعوب العربية والمسلمة. وفي الوقت نفسه، تجدهم منفتحين على الفكر الغربي، وكل ما أنتجه العقل البشري من تكنولوجيا، ونظم إدارة، ونظم عسكرية، ونظم سياسية، بما يقنع الشباب بأنهم حداثيون عصريون حتى النخاع، ولكن أيضاً من خلال انتقاء ما يؤيد منهجهم الدموي التدميري».

وأضاف أن «مواجهة هذا الفكر الإجرامي و(السلوك السرطاني) في المجتمعات العربية يحتاج إلى منهجين متوازيين، أولهما المنهج الجراحي الذي ينبغي أن تقوم به أجهزة الأمن، ويعتمد سياسة البتر، والتخلص الجراحي من كل من ارتكب جرائم، وانخراط في صفوف الجماعات المتطرفة، وقام بعمليات قتالية أدت إلى إزهاق أرواح البشر، أو قدم التمويل والدعم المادي. والمنهج الثاني هو المنهج الوقائي، وتقوم به أجهزة صناعة الوعي والثقافة والفكر في المجتمعات، وتستهدف به تجفيف منابع الانضمام إلى هذه الجماعات، وعزلها اجتماعياً وثقافياً ودينياً، وتحويلها إلى ظاهرة سلبية مدمرة».

واقترح وضع استراتيجية ثقافية شاملة، لمواجهة هذه الأفكار التي أصبحت تتناسخ في صور وكيانات شيطانية، تدمر ما تنجزه المجتمعات المسلمة كل فترة من الزمان، فلابد من تقديم حلول فكرية تقوم على استراتيجية شاملة، تمنع ظهور هذا الفكر في المستقبل بصورة جذرية.

بدوره، قال العضو المؤسس في جمعية الإمارات لحقوق الطفل، فيصل محمد الشمري، إن «سلامة الأطفال على الإنترنت، ورفع الوعي بشأن تحديد التهديدات الكامنة في الإنترنت، والتعامل معها، تمثل أولوية تركز عليها دولة الإمارات»، مضيفاً «بدأت الدولة، من خلال مبادرات عدة، ومنها جمعية الإمارات، لعب دور قيادي عالمي في تحديد التهديدات الجديدة التي تواجه الأطفال والتعامل معها، والعمل في إطار شراكات مثمرة مع خبراء عالميين، للتخفيف من حدّة هذه المخاطر».

وأكد «أهمية تعزيز الوازع الديني لدى النشء، وزرع الرقابة الذاتية لديهم عبر التوعية المستمرة، وتفعيل الرقابة الأسرية، والحوار الأسري، ومشاركة الشباب بالرأي في القرارات المتعلقة بهم، وتشجيعهم على أعمال التطوع».