آراء

سباق القرن.. التقنية والتشريعات

زياد كلداري

لم تعد فكرة مشاهدة مركبة ذاتية القيادة تجوب شوارع دولة الإمارات دون أي تدخل بشري ضرباً من الخيال أو مشهداً من أفلام الخيال العلمي، بل أضحت واقعاً فعلياً بفضل التطورات المتسارعة في عالم التقنية. ومن هنا يبرز السؤال: هل ستواكب النظم التشريعية التطورات التقنية أم ستتأخر عنها؟

تخيّل نفسك وأنت تتابع برنامجك التلفزيوني المفضل، أو تتواصل مع الأصدقاء والعائلة على وسائط التواصل الاجتماعي، أو حتى تنجز أعمالك، فيما تتولى مركبتك مهمة القيادة ذاتياً إلى العمل أو المنزل، دون أن تضطر إلى إعطاء جل تركيزك إلى الطريق والمركبات الأخرى من حولك! لا شك أن الرحلة من وإلى العمل ستغدو وقتاً منتجاً أو ممتعاً على الأقل.

أصبح المستقبل أقرب مما قد نتصور، بعد أن أعلنت شرطة دبي أخيراً عزمها إطلاق أول مركبة ذاتية القيادة على مستوى العالم لأداء بعض المهام الأمنية، وجاء هذا الإعلان تجسيداً لتوجيهات القيادة الرشيدة وتحقيقاً للرؤية الوطنية التي تتمحور حول تحقيق السعادة والريادة والإبداع والابتكار.

ولكن قبل أن يترك البشر زمام قيادة المركبات لتقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرها من التقنيات الحديثة، يجب على المشرعين النظر في موضوع بالغ الأهمية، ألا وهو: من هي الجهة المسؤولة في حال فشل تلك التقنيات؟

منذ اختراع السيارة عامي 1885 و1886، وقع على كاهل الجهات الأمنية مسؤولية تحديد من هو السائق المتسبب بالحادث، ومن هي الجهة المتضررة. وبالتأكيد، لم تكن عملية تحديد من هي الجهة المتسببة بالحوادث المرورية واضحة في الحالات كافة، إلا أن الجهات الأمنية وسلطات الطرق والمواصلات في أرجاء العالم تعمل وفق أطر توجيهية واضحة المعالم لتحديد الجهات المتسببة بالحوادث وتلك المتضررة منها.

قريباً، من المتوقع أن تغدو المركبات قادرة على اتخاذ قراراتها في رحلاتها اليومية بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي. وعليه، في حال حدوث اصطدام أو حالة دهس مشاة ـ لا قدر الله ـ فمن ستكون الجهة المسؤولة عن الحادثة؟ أهي الشركة المصنعة للمركبة ذاتها، أم تلك المزودة لتقنيات القيادة الذاتية والذكاء الاصطناعي؟ هل سيتحمل صاحب المركبة المسؤولية على الرغم من أن هذا الفرد لا يتدخل فعلياً بعملية القيادة الفعلية؟

كما يتبادر إلى الذهن سؤالٌ آخر: ما هو دور شركات التأمين في حال طرأ حادث مروري كما أشرنا سابقاً؟ ما هي النواحي المشمولة في بوليصة التأمين؟ وما هي الآلية التي ستتبعها تلك الشركات في عملية تحديد الجهات المسؤولة عن الحوادث المرورية؟

لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، ولكنني أؤمن بأن الوقت قد حان لنخطط مستقبل قطاع المواصلات تشريعياً.

*مؤسس ورئيس مجلس إدارة مكتب كلداري ـ محامون ومستشارون قانونيون

تويتر