آراء

معلمون بين التغاضي والوقاية!

قد يتوقف الكثيرون برهة عند قراءة عنوان هذا المقال، متسائلين: هل للمعلم أي دور في وقاية الطلبة من السلوكيات السلبية كالتنمر، والتدخين، والشروع في تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وغيرها من السلوكيات؟ أم أن حماية الطلبة من السلوكيات السلبية مقتصرة على أصحاب الاختصاص من علماء النفس والاجتماع وغيرهم؟

ونظراً للمنزلة الرفيعة والمكانة الاستثنائية والاجتماعية للمعلم، ودوره المحوري بالمشاركة في إعداد أبنائنا قادة المستقبل، يلعب أدواراً وقائية عدة، أبرزها: أولاً، بناء علاقة وطيدة مع الطالب، وتعزيز شعوره بالانتماء والارتباط بمدرسته. وثانياً، الكشف المبكر عن المشكلات السلوكية والتدخل لدعم الطالب.

وقد أسهبت العديد من الجهات الدولية المعنية بالطفل والتعليم في الحديث عن أهمية العلاقة الإيجابية بين الطالب ومعلمه في تقوية اتصال الطالب بمدرسته، ووقايته من السلوكيات السلبية والخطرة، وسلطت نتائج العديد من الأبحاث الضوء على العلاقة الطردية بين الشعور بالانتماء للمدرسة وانخفاض المشكلات السلوكية بين الطلبة، إذ بيّنت دراسة أجريت على طلبة الصف الثامن أن معدلات الكآبة، والتغيب، والتدخين، وتعاطي مخدرات، كانت أعلى بين الطلبة الذين لا يشعرون بالانتماء إلى مدارسهم، مقارنة بأولئك الذين كانت تربطهم علاقة وطيدة بمعلميهم وبيئتهم المدرسية. ويكمن سر قوة العلاقة بين المعلم وطلابه في وجود مرتكزات أساسية، أبرزها العطف، والاحترام.

وفي ما يتعلق بتمكين المعلم من الكشف المبكر عن الطلبة الذين لديهم عوامل خطورة، مثل العنف الأسري، وتدني معدلات الدراسة، والغياب المتكرر، ووجود أمراض نفسية، والتي قد تزيد من قابلية وقوعهم في سلوكيات خطرة، تبرز أهمية احتوائهم وتحويلهم إلى المختصين لتوفير التدخل الوقائي أو العلاجي المناسب والمبكر، فإذا استطاع المعلم، على سبيل المثال، الكشف عن مؤشرات تعاطي مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية على أحد طلابه، وتقديم الدعم والمساعدة اللازمين، سيكون هذا المعلم أحد أسباب تعافي هذا الطالب، واستكمال دراسته، وإعداده كفرد منتج يخدم دولتنا الحبيبة، بدلاً من تدهور حالته وتطورها إلى مرض الإدمان الذي سيقوده إلى السجن.

وهناك بعض المواقف التي تتكرر في مدارسنا، ويضطر المعلم فيها إلى التغاضي، أو إن صح القول تجاهل وجود بعض السلوكيات السلبية لدى بعض الطلاب، وتلح هنا تساؤلات عدة: فهل السبب وراء ذلك انغماس المعلم في الأعباء والمسؤوليات التدريسية التي ضيّقت عليه الخناق، فأصبح يلعب دور الحاضر/‏‏‏‏ الغائب في آن واحد تجاه تحصين وحماية الطلبة؟ أم أنه لم يتم تمكين المعلمين والمعلمات للقيام بدورهم الوقائي على أكمل وجه، وذلك عن طريق توفير الموارد للمعلمين، وتذليل الصعاب، سواء مع النظام المدرسي أو التحديات مع أولياء الأمور؟ وماذا عن السياسات المغيبة التي ترسم خريطة الطريق لكل عناصر بيئة التعليم المدرسي في مجال وقاية الطلبة من السلوكيات السلبية والتحديات العصرية؟ وهل هناك حاجة لعصا سحرية تحل هذه الإشكاليات على أرض الواقع؟

alhayyas@gmail.com

تويتر