آراء

فلنكن آذاناً مصغيةً لأبنائنا..

في 19 أبريل 2016 أطلق مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة، بالاشتراك مع جهات عدة حملة «اصغوا أولاً»، التي تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية دور الإصغاء في التقليل من الكثير من السلوكيات السلبية لدى الأبناء كالعنف والتدخين والشروع في تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، واستهدفت الحملة كلاً من الآباء، المعلمين، مزودي الرعاية الصحية وصناع السياسات. يا هل ترى من هو المسؤول الأول عن تعليم الفرد مهارة الإصغاء؟ وهل تلعب الأسرة دوراً في إكساب وصقل مهارة الإصغاء بين أفرادها؟ أوضحت الدراسات أن الفرد يتعلم فن الإصغاء بالدرجة الأولى من خلال التفاعلات التي تدور بين أفراد أسرته، حيث إن الأسرة تعتبر الوسط الاجتماعي، أو إن صح القول «المدرسة الحياتية الأولى»، التي تعلم أفرادها أسس الحياة، بالإضافة إلى مهارات التواصل الفعال. ويعرف الإصغاء على أنه العملية التي تجمع بين حاستي السمع والبصر بالتوازي بهدف سمع وإدراك المتحدث. ويأخذ الإصغاء في الغالب قالبين يطلق على الأول الإصغاء الفعال، حيث يحاول الطرف الأول الإصغاء إلى المتحدث محاولاً فهم مضمون الحديث وما يحويه من معانٍ ودلالات، بينما يأخذ القالب الثاني الذي يطلق عليه مسمى «الإصغاء غير الفعال» صوراً مختلفة كالإصغاء السلبي الجزئي أو الإصغاء بالتمثيل والتظاهر بالاستماع. وفي محيط الأسرة يساعد الإصغاء الفعال الأبناء باستشعار قيمة ذواتهم وأنهم ليسوا مجرد أرقام تمت إضافتها للأسرة لتزيدها عدداً، على غرار الإصغاء غير الفعال الذي يدفع الأبناء بعيداً عن آبائهم بحثاً عن أذن تنصت إليهم وأشخاص يتفاعلون معهم.

ذكر الكاتب ستيفن كوفي في كتابه المشهور «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» قصة الأب الذي اشتكى تذبذب علاقته مع ابنه معللاً ذلك بقوله «لا أستطيع أن أفهم ابني، فهو لا يريد الاستماع إليّ أبداً»، فأتى رد الكاتب على النحو التالي: «إنك كي تفهم شخصاً آخر فإنك بحاجة إلى أن تصغي له، أليس كذلك؟»، فكان الرد بمثابة نصيحة للأب صاحب المشكلة مع ابنه وكرسالة تربوية لكل أب وأم. وكآباء فلنقف وقفةً صادقةً مع أنفسنا لنتساءل ولنتأمل في ممارساتنا اليومية مع أبنائنا. يا هل ترى نعتمد على الإصغاء والحوار كأحد مرتكزات المعاملة الأبوية؟ أم أننا استبدلناهما بأسلوب الأمر مقابل طاعة الأبناء؟ هل فعلاً نكون آذاناً مصغيةً لأبنائنا ونتقبل أفكارهم التي يحاولون البوح بها؟ أم أننا نعلق تلك الأفكار على شماعة أهوائنا الشخصية؟ ويضنينا تعب وإرهاق يوم العمل عن الإصغاء فنمل وننفعل ومن ثم نوصد باب الحوار بأسرع وقت ممكن؟ إذا كنا من الذين أوقفتهم هذه الأسئلة وبدأنا بمراجعة أنفسنا فهي الفرصة إذاً للأخذ بنصيحة الكاتب ستيفن كوفي.

ولعل أسلوب التربية المبني على الإصغاء الفعال والتحاور الذي انتهجه والدنا المغفور له بإذن الله مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مع أبنائه يعد من أكثر الأمثلة تميزاً في المجتمع الإماراتي الأصيل فتراه في أغلب رحلاته المصورة مع أبنائه يصغي لهم، ويشركهم في الحديث، فاكتسب الأبناء خبرات القائد الفذ، ومهارات التواصل الفعال، التي نشهدها في كل تصرفاتهم وأفعالهم.

فلنجعل الإصغاء الفعال ممارسةً نجمل بها عاداتنا اليومية، فأبناؤنا بحاجة إلى دقائق قليلة لا تتعدى الـ10، فالإصغاء الفعال في الأساس نوعي وليس كمياً.

تويتر