متنافسون يستقدمون مدربين أجانب لتدريب الطيور وتأهيلها على فنون القتال

بالفيديو..«ضرابة الديوك».. مراهنات بآلاف الدراهم والطيور تدفع الثمن

صورة

كشف مواطنون عن «ظاهرة دخيلة على المجتمع بدأت الانتشار في مناطق بالدولة، أخيراً، تعتمد على تربية أنواع معينة من الديوك، واستقدام مدربين أجانب لتدريب الطيور على فنون القتال، وتأهيلها للمشاركة في منافسات قاتلة، غالباً ما تنتهي بموت أحدها أو إصابته بعاهة مستديمة»، وتسربت أخيراً مقاطع فيديو مصورة على مواقع للتواصل الاجتماعي، توثق معارك قاتلة بين ديوك في بعض مناطق الدولة، وغالباً ما تسفر عن النهاية ذاتها في كل مرة، موت أحد الديكين المتنافسين، والحصيلة عبارة عن مبالغ مالية يكسبها مراهنون على من يبقى على قيد الحياة من الديكين، وتتفاوت قيمة المراهنات وفق المشاركين في المنافسة، وتصل في بعض الأحيان إلى المراهنة بسيارات تقدر قيمتها بمئات الآلاف من الدراهم.

ورصدت «الإمارات اليوم» عقد مراهنات مالية من شباب على «ضرابة الديوك»، والتصويت على ديك بعينه بأن يخرج منتصراً من المعركة التي يشهدها في الأغلب عشرات الأشخاص من المراهنين والمشجعين، وتتعالى خلالها أصوات تشجيع في الخلفية، حتى تنتهي «بضربة قاضية» على حد وصف المشجعين.

وأكد مواطن انتشار «ضرابة الديوك»، وبدأت تأخذ أشكالاً متنوعة من المراهنات لأجل المتعة الشخصية، على حساب إيذاء حيوان أو طائر، وتعمد شباب عقد مراهنات أسبوعية على مصارعة الديوك في أوقات غير تقليدية، مثل وقت صلاة الجمعة، لضمان غياب أعين الرقابة عنهم.

وأكد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، أن هذه المراهنات محرمة، ويجب الكف عن ذلك، لما فيه من حفظ المال والرفق بالحيوان، وإزالة أسباب الضغائن بين الناس.

واستنكر برلمانيون ومسؤولون حكوميون وخبراء عقد منافسات «ضرابة الديوك» والمراهنة عليها، مؤكدين أن هذه العادة سلوك مرفوض ودخيل على مجتمع الإمارات، ومخالفة للقانون رقم 18 لسنة 2016 بشأن الرفق بالحيوان، ويجب التصدي لها للحد منها.

فيما قال طبيب نفسي إن منافسات «ضرابة الديوك» محاولة لإثارة المتعة عن طريق إيذاء طائر لا يملك القدرة على الاعتراض، معتبراً أن هذا النوع من المراهنات لوناً من ألوان المقامرات، مشيراً إلى أن من يشاركون في هذه المنافسات يمكن تصنيفهم على أنهم مرضى نفسيون (سيكوباتس).


تواصل مواطن مع «الإمارات اليوم»، كاشفاً عن وجود ظاهرة دخيلة على المجتمع تتمثل في إقامة مباريات بين الديوك، غالباً ما تسفر عن قتل أحدها، وقدم مادة مرئية (فيديو) لمراهنات تعقد بين مواطنين شباب، على «ضرابة ديوك» في إحدى الإمارات (تحتفظ الصحيفة بالتفاصيل)، وعند مشاهدة مقاطع الفيديو، وشرح المواطن للأمر، تبين أن نهاية هذه المعارك لها سيناريوهان، إما موت أحد الديكين، أو إصابته بعاهة مستديمة، فيما تصل قيمة المراهنة إلى عشرات الآلاف من الدراهم.

وقال المواطن (ن. س) إن «المسألة تطورت أخيراً وأصبحت أكثر تخصصاً، إذ تم تنظيم بطولة محلية غير مرخصة، يشارك فيها نحو 10 فرق من كل الإمارات، وتستعين بعض الفرق بمدربين أجانب لتعليم الطيور فنون القتال والدفاع عن النفس، وتأهيلها للمشاركة في المصارعة وأجواء المعركة، ويحصل هؤلاء المدربون على رواتب ومسكن وامتيازات مثل الإقامة النظامية في الدولة».

استقدام المدربين

وأوضح أن «المدرب يحضر من الخارج، ويُستأجر له مسكن، وتوضع الديوك في مرحلة التأهيل بالمسكن نفسه، بعد أن يتم تجهيزه، ويبلغ سعر الديك المقاتل بين 5000 و8000 درهم، وبعد ذلك، يحدد موعد المباراة (غالباً ما تعقد وقت صلاة الجمعة بعيداً عن أعين الجهات الرقابية)، وتستمر المباراة حتى موت أحد الديكين أو إصابته بعاهة مستديمة، ومن ليس لديه ديك يشارك به في المنافسة يراهن بمبالغ تصل إلى 10 آلاف درهم على أحد الديكين المتوقع فوزه». وأشار إلى أن هذه المراهنات أدت إلى ضعف في القدرات المالية لبعض المواطنين الشباب، وانعكس هذا الضعف على تدبير أموال لاحتياجات المنزل، ومنهم من لديه أطفال، متابعاً «لي صديق ذهب إلى البنك، مطلع الشهر الجاري، بعد أن خسر راتبه في مراهنات ضرابة الديوك، ولم يستطع الحصول على مزيد من الأموال، ولا شك أن هذا سيسفر عن وقوعه في مشكلة اجتماعية وشيكة».

«ضرابة الديوك» محرّمة

سلوكيات دخيلة

دشن نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» وسم #لا_للعنف_ضد_الحيوان، وشارك فيه وزير التغير المناخي والبيئة، الدكتور ثاني أحمد الزيودي، عبر صفحته، فيما أعرب مشاركون عن استيائهم من مثل هذه السلوكيات والتصرفات غير الآدمية، مطالبين الجهات المعنية كافة بالتصدي لمثل هذه السلوكيات اللاإنسانية والدخيلة على المجتمع.

وقال الزيودي، في تصريحات صحافية سابقة، إن قانون الرفق بالحيوان تم تفعيله، وسيتم تطبيق العقوبات الواردة في هذا القانون على أي شخص يسبب الأذى للحيوانات.


استشارة نفسية

أفاد خبير علم النفس، الدكتور جاسم المرزوقي، بأن «البعض قد يشاركون في مراهنات (ضرابة ديوك) عن جهل، نتيجة الحدة الانفعالية التي تتولد لديهم عند وقوع أذى على كائن آخر، وهنا ينبغي أن يعرض هؤلاء الأشخاص على استشاري نفسي قبل عقابهم بالقانون، كما أن القانون لا يستثني مريضاً نفسياً من العقوبة، القانون يعفي فقط المرضى الذهانيين (العقليين)، أو يخفف عنهم العقوبة، بعد تقرير من لجنة طبية مرخصة ومعترف بها في الدولة».

وقال مواطن أن معارك الديكة تسمى في أوساط المراهنين بـ«الضرابة»، وتبدأ في فصل الشتاء، وتستمر نحو ستة أشهر، تعقد المراهنات على «ضرابة الديوك» أسبوعياً، وتُأسس لها (عن طريق بعض الشباب) مجموعات على برامج التواصل الاجتماعي، مثل «واتس أب» و«إنستغرام» وغيرهما، يتواصلون في ما بينهم للإبلاغ بنتائج المباريات ومواعيد عقد المراهنات وقيمتها ومكانها، ودعوة المراهنين الجدد إلى مكان المنافسات.

وينص القانون رقم 18 لسنة 2016 بشأن الرفق بالحيوان على بند توعوي، يتضمن توجيهاً مباشراً لمُلاك الحيوانات والطيور بنحو يضمن رعايتها واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لعدم إلحاق الأذى بها، ومتابعة حالتها الصحية، وهو القانون نفسه الذي تضمّن عقوبات ضد كل من يتعدى على حيوان أو يتسبب في إيلامه.

من جهته، قال كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، الدكتور أحمد الحداد، أن «المراهنات على الديوك أو التيوس أو الأثوار ونحوها، كلها أمور محرمة، لاسيما إن كان من متراهنين اثنين، ولما في ذلك من إتلاف المال من غير فائدة، بل فيه تحريش بين البهائم، وقد نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك، والنهي يقتضي التحريم». وأكد الحداد أنه «يجب الكف عن ذلك، لما فيه من حفظ المال والرفق بالحيوان وإزالة أسباب الضغائن بين الناس».

مرض نفسي

فيما يرى خبير علم النفس، الدكتور جاسم المرزوقي، أن «انتشار مثل هذه السلوكيات ذات العلاقة بالإيذاء، سواء كان للإنسان أو الحيوانات والطيور، إذا ما كانت تسبب شعوراً بالمتعة لدى المراهنين عليها والمشاهدين لها، فهي لون من ألوان المرض النفسي، فمن يستمتع بإيذاء كائن حي يدخل في إطار الاضطرابات النفسية، ويمكن وصفه بأنه سيكوباتي، وهو صاحب السلوك العدواني السادي».

وقال إن هذه الشخصيات يمكن تصنيفها طبياً على أنها شخصيات مضادة للمجتمع، لأن سلوكياتها تندرج تحت مضامين يرفضها المجتمع، وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فتلك ممارسات يرفضها الله، ويفترض ألا تكون مقبولة في المجتمع، وإذا تعمد شخص فعلها فإنه بلا شك يحتاج إلى استشارة نفسية للعلاج من هذا السلوك العدواني.

من جانبه، اعتبر رئيس قسم حديقة الحيوان في دبي، صالح أحمد النجار، أن «تربية طيور أو حيوانات لأغراض وأهداف غير ما خلقت من أجله، تعد أمراً مخالفاً لحدود الرحمة التي يفترض توافرها لدينا تجاه هذه الحيوانات والطيور، فهذا التباري بين الشباب والمراهنات عبارة عن قمار ويبتعد عن أخلاقيات الرحمة، إلى أهداف مالية شخصية».

وأضاف أن «إحضار الإنسان أنواعاً من الطيور وتأهيلها لمعارك مميتة، عبر إكسابها صفات شرسة وعصبية، وإعطائها فيتامينات، وإخضاعها إلى تمارين معينة، حتى تستطيع التعارك والقتال، أمر غير مستحب، وليس متناسقاً مع عادات وتقاليد الدولة، كما أن الحيوانات البرية عندما تتعارك فإن معاركها تكون لكسب نفوذ على البرية (مساحات خاصة وحدود)، وليس من أجل أن يراهن عليها بعض البشر لكسب المال».

وأكد النجار أن «وجود مواطنين بين المراهنين على مضاربات الديوك يعد مشكلة، فهذه ممارسات خاطئة، ونابعة عن جهل ليس بالأذى فقط لهذه الطيور، وإنما جهل كذلك بما هو حلال أو حرام في السلوكيات، كما أنهم يستغلون ثغرات حتى ينفذوا خططهم، مثل اختيار يوم إجازة (الجمعة)، وهو معروف بأنه يوم إيماني، ويود فيه الناس بعضهم، وتصل المراهنات على الطيور والحيوانات إلى أن بعضهم يراهن على سيارات تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدراهم».

سلوكيات مستوردة

برلمانياً، قالت مقررة لجنة حقوق الإنسان في المجلس الوطني الاتحادي، عفراء راشد البسطي، إن «هذه السلوكيات منافية لعادات مجتمع الإمارات، ومستوردة من ثقافات أخرى، وينبغي أن تطلق في مواجهتها حملات توعية جماهيرية، لرفع مؤشرات الوعي الجماعي، وبعدها يطبق القانون».

وأوضحت أن «هؤلاء الشباب قد يتعرضون إلى عقوبات بموجب قانون الرفق بالحيوان رقم 18 لسنة 2016، الذي صدر نهاية العام الماضي، خصوصاً أن معايير الرفق بالحيوان تطورت في القانون المعدل، وتتضمن عدم الإضرار أو التسبب في ألم ومعاناة للحيوان، وتوفير المكان المناسب لإيوائها، وفحصها طبياً ورعايتها صحياً».

وأضافت أن «إجراء تعديلات على قوانين الدولة المعنية، يأتي دائماً من أجل توجيه مُلاك الحيوانات والطيور نحو رعايتها واتخاذ أي تدابير واحتياطات تضمن عدم إلحاق الأذى بها، ونحن ندرك أن عملية التوعية تتطلب وقتاً حتى تصل الرسالة التوعية إلى فئات المجتمع المختلفة».

قانون واضح

أفاد مقرر لجنة الشؤون الصحية التي أشرفت على مشروع قانون الرفق بالحيوان، أحمد يوسف النعيمي، بأن «تغليظ عدد من العقوبات على من يتعدى على الحيوان أو يتسبب في إيلامه، أو إطلاق سراح حيوان موبوء، شهد اهتماماً لافتاً من قبل أعضاء اللجنة البرلمانية، أو من أعضاء المجلس الوطني بشكل عام حين طرح الموضوع للمناقشة».

وأضاف أن القانون المعدل 18 لسنة 2016 بشأن الرفق بالحيوان، يشمل بنوداً تتضمن عدم الإساءة للحيوانات والطيور، وتم تغليظ الغرامات المالية كذلك ضد المخالفين، ويفترض هنا أن تصدر إجراءات صارمة في مواجهة مثل تلك العادات، التي تحتوي على تعذيب كائنات حية، أو إشراكها في معركة مميتة، ومن ثم ينبغي تفعيل القانون ضد هذه التصرفات.

واعتبر النعيمي أن «تطبيق قانون الرفق بالحيوان على هؤلاء المخالفين، سيضمن الردع، وسيؤدي في النهاية إلى توفير نماذج مجتمعية كانت تخالف القانون وبعد عقابها أصبحت عبرة لغيرها، حتى يتم الحد من مثل هذه التصرفات الدخيلة على مجتمع الإمارات».

تغريدات متتابعة

اتحادياً، أكد وزير التغير المناخي والبيئة، الدكتور ثاني أحمد الزيودي، أخيراً، أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ساعدت أجهزة الدولة في التوصل إلى صاحب فيديو «نهش القطة»، الذي انتشر حينذاك، وعوقب فاعله على الفور.

وقال الزيودي في تغريدات متتابعة، إن «إلحاق الألم والأذى، والقتل الوحشي للحيوانات، ممارسات مرفوضة ويعاقب عليها القانون الاتحادي 18 لعام 2016 بشأن حالات العنف ضد الحيوانات»، متابعاً أن «هذه الممارسات الفردية لا تتوافق مع مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي ولا مع عادات وتقاليد مجتمع الإمارات».

وعلى ما يبدو، فإن صاحب مقطع «نهش القطة» لن يكون الأخير في تطبيق القانون، إذ أشار برلمانيون إلى أن الأمر نفسه ينسحب على «ضرابة الديوك»، وبموجب أحكام القانون فإنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تزيد على 200 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من «تسبب في الإضرار أو إلحاق الأذى أو التسبب في ألم أو مضايقة الحيوانات».

تويتر