آراء

الإخلال بالآداب العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي

أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار كل ما يمس الأخلاق والقيم والحياء العام، الأمر الذي جرّ العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي نحو القاع، في حين أنها أنشئت لتنهض بالفرد من خلال التواصل الإنساني، الذي سينجم عنه تبادل الثقافات والمعارف والعلوم وغيرها، وقد استغل البعض وسائل التواصل الاجتماعي لما تتمتع به من ميزات وخصائص، في نشر مواد تمس الآداب العامة.

والمواد الماسة بالآداب العامة، هي كل ما من شأنه أن يتعارض مع القواعد العامة للأخلاق والأعراف السائدة في المجتمع، أي أنها كل الأشياء الخارجة عن فضيلة وقيَم مجتمعٍ ما، فيتسبب نشرها في خدش حياء وشعور الجمهور، ويقع ضمن المساس بالآداب العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الفعل الفاضح «وهو سلوك عمدي يخل بحياء من تلمسه حواسه، إذ يكون الحق المعتدى عليه هو حياء من لمس الفعل بإحدى حواسه»، كنشر صور ومقاطع صوتية أو مرئية وروايات، وغيرها من المواد ذات المحتوى الخادش للحياء والآداب العامة، ذلك أن نشر تلك المحتويات يعد انتهاكاً لحرمة الآداب العامة، لما فيه من خروج على الحياء والأخلاق العامة.

وقد جرم المشرع الاتحادي السلوكيات الماسة بالآداب العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ نصت المادة (17) من المرسوم بقانون اتحادي بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات على: «يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه أو بث أو أرسل أو نشر أو أعاد نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية مواد...... وكل ما من شأنه المساس بالآداب العامة»، كما نصت المادة (24) من المرسوم ذاته على أنه «يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم ولا تجاوز مليون درهم، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه أو نشر معلومات على شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات للترويج أو التحبيذ لأي برامج أو أفكار من شأنها ..... أو الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة».

وقضت محاكم دبي بمعاقبة متهمين عن جريمة الفعل الفاضح وذلك لقيامهما بتبادل الاحتضان والقبلات علناً، كما قضت المحكمة الجزائية المصرية بمعاقبة متهم عن جريمة خدش الحياء والآداب العامة، من خلال مقال خادش للحياء العام نُشر عبر إحدى الصحف، وآخر قام بوضع صورة لامرأة شبه عارية على واجهة المحل التجاري الذي يعمل به.

حقيقة الأمر أنه إن كان يمكن الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير في مجتمعٍ ما، من خلال الإتيان ببعض السلوكيات المُستنكرة، كون أفراد المجتمع على اختلاف – بسبب عوامل عدة – في تحديد ماهية السلوكيات المخلة بالآداب العامة، إلا أنه لا يمكن الاحتجاج بذلك أمام القضاء، متى نظرت تلك السلوكيات أمامه كجريمة معاقب عليها، إذ إن القضاء عند تحديد ما إذا كان السلوك محل الاتهام يعد جريمة خادشة وماسة بالآداب العامة أم لا؛ فإنه لابد أن يراعي في حكمه طبيعة المجتمع، وما تحكمه من مبادئ وقيم وأعراف، فما يعد مباحاً في دولةٍ ما يعد محظوراً في دولة أخرى، وما يعد مقبولاً هنا، هو منبوذ هناك وهلم جرا.

بقي أن يعي أفراد المجتمع أن ليس كل ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُعد من قبيل الحرية الشخصية، وإن كان أمراً شخصياً، إذ إن هناك نصوصاً قانونية وأعرافاً لابد من مراعاتها، وإلا عرّض نفسه للمساءلة.

تويتر